محمد عبد العال يكتب .. مصر فى عيون “موديز” بين التشاؤم والتفاؤل!!
أحسنت الوكالة حينما أقرت النظرة المستقبلية المستقرة وليست السلبية
نادراً ما تُخفض وكالة تصنيف دولية التصنيف الإئتماني لدولة ما مرتين في أقل من عام ، ولكن هذا ما فعلته وكالة التصنيف الإئتماني الدولية الأشهر.
وحقيقة الأمر أن هذا لم يصبنى بالدهشة لسببين ، أولهما أن موديز ذاتها كانت عادلة حينما حملت لنا دوافع الطمأنة والتفاؤل، حينما اختارت النظرة المستقبلية لمصر مستقرة ، وثانيهما أن معظم دول العالم ، خاصة الدول الناشئة ، تعرضت أو تتعرض لمثل هذا التخفيض بين الحين والآخر من قبل وكالات التصنيف الدولية.
وليس هذا انحيازا لمصر ولكن لأن معظم الدول ، متقدمة ونامية ، معرضة لذات درجات التخفيض في جدارتها الإئتمانية ، نتيجة تداعيات حرب لم تكن متوقعة ، ويتعاظم تأثيرها السلبي يومياً ، ولا يخفى على أحد منا أن تحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر ودول العالم هو أمر مرهون بوقف الحرب الروسية الأوكرانية.
نعود إلى تقرير موديز، حيث نجد أن الوكالة قد ارتأت تخفيض درجة التصنيف السيادي المصري للعملات الأجنبية والمحلية طويلة الأجل بمقدار درجة واحدة من B3 إلى CAA1 ، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وبالطبع فإن الأسباب التي دعت وكالة موديز إلى هذا الخفض هي ذات الأسباب المتكررة والمعروفة والتي تتداولها موديز ، وأيضا بقية مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ، والتي ينحصر أهمها في انخفاض حجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية ، وارتفاع فجوة السيولة بالنقد الأجنبي ، وبالتالي انخفاض قدرة الدولة على امتصاص الصدمات الخارجية ، وأيضا زيادة صافي مراكز الالتزامات بالنقد الأجنبي وعدم مرونة سعر الصرف ، وتولد مخاوف حول قدرة الدولة على خدمة الدين الخارجي.
وحقيقة الأمر أن كل تلك الدوافع معروفة ومعلنة ، وهي أمور طبيعية ومتوقع حدوثها في كافة الدول التي عانت وتعاني من صدمتي كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية.
ورغم مفاجئة التوقيت للإعلان عن هذا التخفيض من قبل موديز إلا أننا يتعين أن نشير إلى أن هناك عوامل مطمئنة ومتفائلة تذكرها وكالة موديز دائماً فى طيات تقاريرها ، من أهمها:
– إن سير الحكومة قدما في برنامج الإصلاح الهيكلي ، وتحوله إلى نموذج مستدام لتوليد تدفقات رأسمالية مستدامة من العملات الأجنبية غير مرتبطة بالديون ، سوف يساعد على مواجهة متطلبات خدمة الدين الخارجي.
– التأثير الإيجابي المتوقع من استمرار تنفيذ برنامج الطروحات ، رغم أن ذلك سوف يحتاج بعض الوقت.
– إن الحكومة المصرية تملك القدرة والخبرة لإحداث التوازن الأمثل بين معضلات أربعة ، هي ارتفاع تكاليف الاقتراض المحلي، وظروف التشديد في أسواق رأس المال العالمية ، وأيضاً احتياجات الدعم الاجتماعي ، وأخيراً هدف الحكومة فى تحقيق فوائض فى الموازنة العامة.
-التحسن الذي حدث في أرقام ميزان المدفوعات ، وفقا لبيان البنك المركزي وتحسن العجز في فى الميزان التجاري.
ومن جانبنا نوضح ، ليس فقط إنحيازاً لبلادي ولكن إحقاقا للحق ، هناك الكثير من العوامل الإيجابية الأخرى ، والتي لا تقلل من أهمية المخاوف ونقاط الضعف التي دفعت وكالة موديز لخفض التقييم ، ولكن يتعين علئ كمحلل للحدث أن نذكرها ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
-السياسة النقدية شديدة التقييد ، والتي تستهدف السيطرة على التضخم وخفضه إلى معدلاته المستهدفة ، وفي ذات الوقت تجنب احتمالات ظواهر للركود الاقتصادي عن طريق دعم قطاعات الصناعة والزراعة ، وأيضا منح أسعار فائدة مميزة للقطاع العائلي ، لإحداث التوازن في جانبي العرض والطلب وزيادة الطلب المشتق ، وأيضاً التحسن الذي حدث في أرقام ميزان المدفوعات وتحسن العجز في الميزان التجاري.
– الجهاز المصرفي المصري يمتلك القدرة المالية القوية لمواجهة الأزمات ، وقد استطاع تدبير كل المبالغ اللازمة لإنهاء مشكلة تراكم البضائع والسلع الاستراتيجية التي كانت بالجمارك في وقت قياسي.
– إن الاحتياطي النقدي برصيده الحالي الذي كاد أن يلامس الـ 35 مليار دولار ، رغم الاستخدام الجزئي طبقًاً لوظائفه ، مازال في الحدود الآمنة وفقا للمقاييس العالمية ، كما أنه ينمو بمعدل إيجابي ، وإن كان بسيطاً ، خلال الثلاثة عشر شهراً الأخيرة.
– استقرار نمو معظم مصادرنا التقليدية من النقد الأجنبي ، خاصة السياحة والتصدير وقناة السويس.
وفى النهاية يمكن القول: أحسنت وكالة موديز حينما أقرت النظرة المستقبلية المستقرة وليست السلبية ، الأمر الذي يخفف من مخاوف التخفيض درجة واحدة على سلم درجات التصنيف ،حيث يكون الأثر السلبى محدودا على الأنشطة الاقتصادية المختلفة ، خاصة على القطاع المصرفي ، ولكونها أيضاً كانت متوقعة وتم امتصاص تأثيرها من قبل.
أثق أن موديز ستعاود رفع التصنيف الائتماني لمصر في أقرب وقت ممكن.
محمد عبد العال
خبير مصرفي