محمد عبد العال يكتب عن .. دور البنك المركزي المصري في خفض واستقرار الأسعار؟
حقيقة الأمر أن البنك لعب دورا حاسما في توجهه لتحقيق استقرار الأسواق وخفض الأسعار وكبح جماح التضخم
يؤدي البنك المركزي المصري دوراً حيوياً عبر إدارته المتوازنة للسياسة النقدية بشقيها ، إدارة سعر الفائدة وإدارة سوق النقد ، وذلك لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلاد وضمان توازن الأسواق ، بما في ذلك إصدار واتخاذ كافة السياسات والإجراءات والتوجيهات التي تساعد بشكل فعال في تحقيق أهم وأسمى أهدافه المرحلية على الإطلاق ، وهو إحتواء معدل التضخم المرتفع ، أي خفض أسعار السلع والخدمات ، خاصة حينما يكون الاقتصاد القومي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة جراء تداعيات وصدمات معظمها خارجية ، ومخاطر وتوترات جيوسياسية متجددة ومتكررة على الساحتين العالمية و الإقليمية.
وحقيقة الأمر أن البنك المركزي المصري قد لعب فعلاً دورا حاسما في توجهه لتحقيق استقرار الأسواق وخفض الأسعار وكبح جماح التضخم ، وذلك من خلال العمل عبر مسارات متعددة ، قابلة للتطبيق والقياس على أرض الواقع ، وبشكل مستمر ومخطط ومتوازن ، وقد تمثل ذلك في حزمة من الشواهد المنسقة تماما مع أجهزة الدولة ومجموعات العمل الاقتصادية والمالية في الدولة المصرية ، وأيضا في تفاهماته واتفاقياته التي يعقدها مع المنظمات والمؤسسات الإقتصادية والتمويلية الدولية.
وفى هذا الصدد يمكن أن نذكر بعض أهم عناصر تلك الشواهد ، على سبيل المثال وليس الحصر ، و نبدأ بأهمها وهو قرار تحرير سعر الصرف فى السابع من مارس الماضي ، فمنذ لحظة صدور القرار والبنك المركزي يتابع باستمرار عملية تدبير النقد الأجنبي اللازم لسداد وتسوية كافة الاعتمادات المستندية المستحقة أو مستندات الاستيراد الواجبة التحصيل وبالأسعار الرسمية ، والتأكد من توفر أرصدة كافية في سوق ما بين البنوك ، وبالتالي اختفت ظاهرة تواجد طلبات معلقة بالنقد الأجنبي ، أو مراكز مكشوفة لدى وحدات الجهاز المصرفي ، وبالتالي تم الإفراج عن معظم السلع الاستراتيجية ومستلزمات وخامات الإنتاج ، والتي كانت محتجزة في الموانئ انتظارا لتدبير النقد الأجنبي.
وبالطبع أدى هذا التحرك إلى ضربة ثلاثية التأثير ، حيث تم القضاء على أهم عناصر الطلب على السوق الموازية ، وبالتالى انخفضت أسعار الدولار ، وفي النهاية توفرت السلع وانخفضت أسعارها بشكل حقيقى ومتدرج ، والأهم من خفضها هو تحقيق خطوات متقدمة فى استقرار الأسواق واستهداف التضخم.
على الجانب الآخر ، وبالتزامن مع إعلان تحرير سعر الصرف ، قام البنك المركزي المصري بتبني سياسة نقدية مرحلية شديدة التقيد فيما يتعلق بسعر الفائدة، فقام برفعها خلال الربع الأول من هذا العام بمقدار 800 نقطة أساس من أجل مواجهة التضخم المرتفع والعمل على احتوائه ، وصولا إلى مستهدفاته المخططة تدريجياً ، وبالتالي التحكم في معدل التضخم وخفض الأسعار ، كما استمر البنك المركزي في تخصيص 25% من محفظة الجهاز المصرفي التمويلية لأنشطة التمويل المتوسط والصغير ، بأسعار عائد منخفضة ، وهو ما ينعكس في انخفاض أسعار منتجات تلك القطاعات وتوفرها في الأسواق ، حيث أن منتجات تلك الأنشطة تُعرض في الأسواق بتكلفة تمويل تقل عن أسعار الإقراض الرسمية “الكوريدور” بفارق كبير يتحمل عبئه البنك المركزي ، وذلك بغرض خفض أسعار المنتجات للمستهلك النهائي.
كما نعلم كيف يمنح البنك المركزي الضوء الأخضر لوحدات الجهاز المصرفي المملوكة للدولة لإصدار شهادات ادخارية بأسعار عائد فائقة التميز لتعوض المدخرين من القطاع العائلي عن ارتفاع معدل التضخم من ناحية ، وأيضا دعم قدرة تلك البنوك على امتصاص السيولة وخفض جانب الطلب لاحتواء التضخم من ناحية ثانية.
كما يتعاون البنك المركزي مع وزارة المالية ، عبر وحدات الجهاز المصرفى ، في تنفيذ مبادرتها التمويلية الجديدة لأنشطة الصناعة والزراعة ، وهو الأمر الذي يساعد أيضا ، بشكل حاسم ، على خفض أسعار السلع للمواطنين ، نتيجة اتساع حجم وفرص التمويل لتلك النوعية من الشركات وتميز أسعار اقتراضها من خلال المبادرة.
و يستمر تدخل البنك المركزى المصري بآليات السوق المفتوح لتنظيم العرض النقدي وسحب السيولة الفائضة لدى وحدات الجهاز المصرفي ، كما عَدْلَ نظام قبول الودائع الأسبوعية من قبول الإيداع وفقا لنظام التخصيص إلى القبول وفقا للإيداع المطلق وبعائد مجزي.
كل ذلك ليضمن استقرار الأسعار والتحكم الدقيق في معدل السيولة وكمية وسائل الدفع المتاحة في السوق ، وبالتالي تحقيق التحكم في عرض النقود ومعدل التضخم.
وفي ذات الوقت يستمر البنك المركزي في تبني سياسات لدعم النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل، والسعي في استكمال وإنجاح برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي ، بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية ، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتعزيز النشاط الاقتصادي العام، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار السلع.
محمد عبد العال
خبير مصرفي