محسن عادل يكتب .. زيادة الإستثمار الخاص كمحرك للتنمية الإقتصادية

القراءة المتأنية للتقرير الذي أصدره البنك الدولي بعنوان «الارتفاع إلى آفاق أعلى: تشجيع المنافسة العادلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» منذ ايام تكشف عن تطورات هامه علي مستوي الاقتصاد المصري لعل ابرزها أن متوسط التسهيلات الائتمانية والقروض الممنوحة للشركات الخاصة بلغ 22% فقط من إجمالي التسهيلات الائتمانية والقروض المحلية خلال السنة المالية 2019 (أقل قليلاً من السنة السابقة) .

وتابع تقرير البنك الدوليان أسعار الفائدة الأساسية علي معاملات الإيداع والإقراض لليلة واحدة انخفضت إلي 14.25% و15.25% علي الترتيب الا انه اشار الي انها “ما زالت أعلي بمقدار 250 نقطة أساس مقارنة بمستويات قبل تخفيض قيمة الجنيه في عام 2016”.

المؤشر الذي اشار الية التقرير من انخفاض حجم الائتمان الممنوح للقطاع الخاص من قبل القطاع المصرفي كنسبة من اجمالي الائتمان كان عاملا خاكما في انخفاض التمويل المتاح للقطاع الخاص للاستثمار في القطاعات الانتاجية و الانشائية و انشطه التطوير و التمويل العقاري الداعم للاسكان و غيرهم مما كان عامى حاكما في انخفاض معدلات الاستثمار خاصة الأجنبي .

 سيظل قطاع النفط والغاز و التعدين الهدف الرئيسي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر علي المدي القصير في ضوء الاكتشافات الجديده الا ان انخفاض أسعار الفائدة وتنامي ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري من شأنه أن يدعم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القطاعات الأخرى ، ومع ذلك فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة تحتاج إلى أكثر من مجرد تحسن في أسعار الفائدة فهناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية إضافية تعالج العوائق الاستثمارية، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال، ومرونة سوق العمل ومكافحة البيروقراطية و زيادة الشراكه مع القطاع الخاص .

و نتيجة لذلك فيجب تبني منهج متكامل لاليات تنشيط الاستثمار الأجنبي بدء من استكمال إصلاح البيئة التشريعية بحيث تصبح أقل تعقيداًوأكثر شفافية بجانب تشجيع المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مع توفير حوافز تشجيعية في إطار قانون الاستثمار الجديد وإعطاء أولوية لتنمية المناطق الواعدة .

قد يمثل احد محفزات الاستثمارات استبدال التشريعات العديدة الخاصة بالأراضى بقانون موحد ومبسط لإدارة أراضى الدولة. بجانب زيادة مخصصات هيئة التنمية الصناعية من الأراضى لطرحها على المستثمرين وفق آليات موضوعية وشفافة و أن يرتبط دعم الصادرات أو استبدال الواردات بمجموعة من الحوافز غير النقدية، مثل تخصيص الأراضى وترفيقها، وتدريب العمالة، وحوافز جمركية وضريبية، وتشجيع إدخال تقنيات إنتاج حديثة، ، وتعديل نظام المساندة التصديرية بما يضمن تعميق الصناعة ومنح الدعم لمن يستحق.

عنصر اخر هام في منظومه الجذب الاستثمار و هو إن المناطق الحرة باتت تشكل عنصراً أساسياً في المنظومة الاقتصادية الشاملة التي تساهم في نمو الناتج الإجمالي ، كما أنها أحد الحلول المبتكرة التي لجأت إليها دول العالم للاستثمار في صناعة المستقبل، وتحقيق الازدهار الاقتصادي و هو ما يستدعي التوسع في إنشاء مناطق حرة جديده بهدف جذب المستثمرين عبر توفير مزايا تنافسية وخدمات عالمية.

و بالنظر على مستوى العالم، فإن المناطق الحرة تساهم بدور رئيسي في تطوير وتنمية الاقتصاد العالمي، وتلعب دوراً مهماً في استقطاب الاستثمارات في مجالات صناعية وتجارية وخدمية متنوعة رئيسية، وتساهم في تسهيل تدفق رؤوس الأموال، وتنشيط الاقتصاد وقطاعاته، وتطوير القدرات البشرية، وخلق الوظائف، بالإضافة إلى مواكبة أحدث التوجهات الاقتصادية ، و تعد كذلك جزءاً مهماً من جهود استشراف المستقبل، والاستفادة من المتغيرات العالمية في تأسيس بنية اقتصادية تحتية مبتكرة. ووفقاً لتقديرات (الأونكتاد)، فهناك الآن أكثر من 4800 منطقة اقتصادية خاصة في جميع أنحاء العالم.

و ترتفع الاستثمارات الأجنبية في المناطق الحرة من خلال العديد من العوامل مثل الموقع الاستراتيجي والجغرافي للمنطقة الحرة، وقربها من خطوط النقل الجوي والبحري العالمية، والطرق التجارية التقليدية والمبتكرة، والبنية التحتية، وتوفير الخدمات، ومرونة القوانين والأنظمة الحكومية، بالإضافة إلى الحجم الإجمالي للمنطقة الحرة، وتوفر الأراضي التي يمكن الاستثمار فيها عبر تطويرها وتوسيعها لتتلاءم مع المتطلبات المتغيرة للشركات.

يجب ان تعمل مصر علي تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية و الاستثمارات ، فيجب التركيز علي الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري و سعر صرف الجنيه المصري، خاصة اذا ما وضعنا في اعتبارنا ان حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدا ان يؤثر علي استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي الي العودة الي نفس الأزمة السابقة اذا لم يتم تحفيز عموما الإنتاج و خاصة الاستثمار الرأسمالي و يستدعي ذلك صياغه استراتيجية فعالة لتحفيز نمو القطاع الخاص لتصل مساهمته إلى نسبة 70% من إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات الـ 5 إلى الـ7 القادمة، تتضمن المزيد من المحفزات. خاصة المالية و المصرفية مع السعي الجاد لخفض تكلفة الإنتاج المحلى في مختلف القطاعات وزيادة قدراته التنافسية من أجل فتح آفاق رحبة للنفاذ بقوة للأسواق العالمية.

ينبغي هنا في هذه الاستراتيجية الاصلاحية ادراك ان التحدي الأساس للاستثمار ليس في الحصول فقط على ترتيبات متقدمة في مؤشرات التنافسية و لكن في تحقيق التحسن المستمر في هذه الجوانب، مع ادراك حقيقة تدفق الاستثمارات للاقتصاد، فرغم أن المؤشرات قد تقدم انطباعا جيدا ، إلا أن الأهمية الحقيقية تكمن في قدرات الاقتصاد نفسه على منح المستثمرين عوائد ايجابية في ظل مناخ استثماري محفز .

كما يجب الاخذ في الحسبان ان الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لتحسين مناخ الاستثمار وتيسير أداء الأعمال وتذليل العقبات التي تُواجه القطاع الخاص لجعل القطاع الخاص له دور أكبر فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة مستقبلا الا انه يجب ان تدرك الدولة إنها لا تستطيع وحدها خلق الوظائف الضرورية، و ان التحسن الحالي الذي تحقق على مستوى البنية التحتية والحالة الأمنية و التشريعية يسهم اذا احسن استغلاله في اجتذاب مستثمري القطاع الخاص خاصة و ان التحسن في بيئة الأعمال والذي تم تسهيله من خلال الاجراءات والبرامج الحكومية التي أدت إلى تعزيز النمو الاقتصادي، ساعد في بروز موقع مصر على خريطة الاستثمار العالمية

و يتبقي ان هناك ضرورة لقيام البنك المركزي المصري بتدشين حملة مكثفة لبرنامج لتقديم تمويل منخفض التكلفة بالنسبة لشراء الالات و المعدات الراسمالية مع توسيع قاعدة البرنامج ليشمل تطوير و تحديث الطاقات الانتاجية الحالية و تطويرها كما انه من الهام في ظل المتغيرات الحالية اعادة النظر في القيود المفروضة علي مساهمة البنوك في رؤوس الشركات الجديدة و هو ما يحد من تنويع العملية التمويلية.

محسن عادل – خبير إقتصادى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى