محمد عبد العال يكتب عن.. الإشاعات الإقتصادية
لقد صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوله إن الشائعات هي جريمة ضد أمن المجتمع
تصنف الشائعة الإقتصادية في عصرنا الراهن على أنها من أهم وأخطر الظواهر المؤثرة على مسارات و مصائر اقتصاديات الدول ، ويستوي في ذلك أياً كانت الدولة متقدمة أو نامية.
وقد قدم التطور التكنولوجي في وسائل الإتصال الإعلامي والاجتماعي والمنصات الإلكترونية قنوات سريعة وجذابة لترويج وتعميق الإشاعات الإقتصادية وزيادة سرعة انتشارها كما ونوعاً وتاثيراً.
وتتباين وتختلف أسباب تصميم الإشاعة وطرحها وفقا لمصدرها والجهة الداعمة لها ، وبالطبع أهدافها المخططة ، فقد تكون الإشاعة الإقتصادية صادرة من مصدر خارجي يستهدف تدمير اقتصاد دولة ما ، بهدف إجهاضها سياسياً بدون التدخل العسكري ، ويمكن أن تكون الإشاعة ذات مصدر داخلي معارض يستهدف إضعاف الإقتصاد المحلي لتشويه السلطة السياسية وإشغالها عن تنفيذ خطط التنمية الإقتصادية.
الإشاعة الإقتصادية رغم خطورتها إلا أنها لا تختلف في مفهومها أو آلياتها وأسلوب ترويجها عن الإشاعة العادية ، فهي تبدأ بمعلومة غير مؤكدة ومجهولة المصدر الأساسي ، وتكون ذات سيناريو متلازم أو مشتق من أحداث حاضرة على الساحة ، وتكون البيئة المستقبلة للإشاعة لديها الإستعداد الثقافي أو النفسي لاحتضانها ، ومن ثم المشاركة في ترويجها.
الإشاعة الإقتصادية مخاطرها أكبر من الإشاعة العادية أو التقليدية ، لأن الأخيرة تضر المواطن فقط ، أما الإشاعة الإقتصادية فقد تضر الوطن والمواطن معاً.
الإشاعة الإقتصادية تستهدف بشكل رئيسى إثارة البلبلة ، ونشر روح عدم الثقة في أوساط المجتمع الإقتصادي ، ونشر موجات من القلق والبلبلة حول القرارات الإقتصادية التي تتخذها الدولة والتشكيك في نتائجها المستقبلية المتوقعة ، والتركيز على المخاطر السلبية دون الفرص الإيجابية.
وبالطبع يتولد عن تلك الإشاعات الإقتصادية تداعيات سلبية فورية دائمة أو مؤقتة ، مثل تذبذبات البورصة ، والتحركات العنيفة غير المبررة في أسعار الصرف ، وتقليص حجم وقيم الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر.
الإشاعة الإقتصادية قد تمتد خطورتها إلى تهديد كيانات ومصارف ومؤسسات عالمية كبرى ، تعرضها لحالات الإفلاس ، كما حدث إبان الأزمة العالمية في عام 2008 ، حيث أدت الإشاعات حول بنك ليمان براذرز الأمريكي في النهاية إلى إفلاس البنك ، الأمر الذي حول الأزمة من كونها أزمة عقارية أمريكية محلية إلى أزمة مالية عالمية.
وفى مصر تجد الإشاعات الإقتصادية بيئة حاضنة لها ، مثلها مثل معظم الدول النامية ، خاصة وأن لدينا نسبة مواتية من الأمية بالنسبة لعدد السكان.
ويساعد في تمدد وانتشار موجات الإشاعات الإقتصادية تاثر الأوضاع الإقتصادية سلباً بتداعيات صدمات خارجية متلاحقة ، منذ كوفيد إلى الحرب الروسية الأوكرانية ، وصولا إلى حروب إسرائيل وحماس ولبنان وإيران ، وتوترات البحر الأحمر.
لقد سجل المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري أنه خلال عام 2023 فقط بلغت نسبة الإشاعات الإقتصادية إلى اجمالى عدد الإشاعات التي تم رصدها خلال العام 24%، ويتولى المركز رصد وتحليل تلك الإشاعات فورا ، ووضع خطط إحباطها ، وتنوير المواطنين بالحقائق النافية لمثل تلك الإشاعات.
ومن أمثلة أخطر وأغرب الإشاعات ذات البعد الإقتصادي والتي تم تداولها في مصر مؤخراً إشاعة التفكير في بيع أو إيجار قناة السويس ، أو إشاعة أن الجنيه المصري سيتم تعويمه مجددا ويصل سعر صرفه لمائة جنيه لكل دولار ، أو أن الحكومة بصدد خفض المخصصات المالية لمرتبات الموظفين للتخفيف من حدة العجز في الموازنة المالية ، أو أن الحكومة استوردت دواجن رخيصة غير صالحة للإستخدام الآدمي.
إن مثل تلك الإشاعات تؤدى إلى تغيرات في سلوك المواطنين والمستثمرين المحليين والأجانب ، وتعكس توجهاتهم الاستثمارية ، وتجعلهم يتوجهون إلى دول أخرى كملاذ إقتصادي بديل وأكثر أمناً ، كما تؤثر سلبا على تحسن الصورة الذهنية لمصر فى أذهان وعقول وكالات التصنيف الائتماني العالمية الشهيرة.
إن التأثير الأخطر من الإشاعات الاقتصادية محلياً وعالمياً ، يكون حينما تستهدف تلك الإشاعات القطاع المصرفي والمالي غير المصرفي ، كشركات تداول الأسهم والسندات والتمويل الإستهلاكي والعقاري وشركات التأمين ، حيث تؤثر تلك الإشاعات الاقتصادية على نفسيات وقرارات المودعين والمقرضين ، وتهز درجة ثقتهم في قدرة ومتانة وحداتهم المصرفية ، ويقومون بسحب إيداعاتهم من ناحية ، وتتأثر عجلة الإنتاج من ناحية أخرى ، حينما تتقلص قدرة البنوك على توفير وتدبير الائتمان اللازم ، وتضعف قدرة الجهاز المصرفي على توفير التمويلات اللازمة لتسوية المعاملات التجارية الدولية ، استيرادا وتصديرا ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ضعف العملة ، وتدني معدل النمو الإقتصادي ، وارتفاع معدل التضخم ، وضعف تنافسية الجهاز المصرفي على المستوى الدولي.
لقد صدق الرئيس عبد الفتاح السيسى بقوله إن الشائعات هي جريمة ضد أمن المجتمع.
محمد عبد العال
خبير مصرفي