محمد عبد العال يكتب عن.. صدمة عودة ترامب على ديناميكيات الإقتصاد العالمي والمصري؟

حينما يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية هو دونالد ترامب فإن كل الإحتمالات والمخاطر والفرص تكون متاحة

سيظل أثر عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب ، على الأوضاع الإقتصادية ، محلياً داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، وعالميا ، واقليميا بما فيها الدولة المصرية – سيظل اثراً – “افتراضيا ” ، وذلك إلى حين أن يستقبل البيت الأبيض ، رسميا الرئيس الجديد فى العشرين من يناير القادم 2028.

حين إذن ، يبدأ الرئيس الجديد وفريق عملة فى مراجعة برامجه، وتحويل الممكن منها من مجرد وعود وبرامج انتخابية إلى استراتيجيات وخطط تاخذ طريقها للتنفيذ الفعلى على أرض الواقع .

ولذلك ليس أمام من لديهم طموح وحب الاستطلاع لتوقع إنعكاسات هذا الحدث التاريخى على الأوضاع الاقتصادية المصرية -إلا – رسم عالم افتراضي لخطواته المستقبلية المتوقعة ، والمبنية على واقع تَوجهاتِه وقراراته السياسية والاقتصادية أثناء فترة رئاسته السابقة.

صحيح عندما يتعلق الأمر بتغير فى الرئاسة الأمريكية يكون الأمر بشكل عام مهما وعميقا ، ولكن حينما يكون الرئيس القادم هو دونالد ترامب ، فإن كل الاحتمالات والمخاطر والفرص تكون متاحة ، حيث قد تمثل عودته “صدمة ” ذات تداعيات مختلفة كل منها قد يتعارض مع الآخر فى الاتجاه والأهداف ، من هذا المنطلق يمكن تحديد الثلاث مسارات التالية لسياسات دونالد ترامب المستقبلية وتاثيرها على دول الشرق الأوسط ومصر فى القلب منه .

أولهما : إمكانيات الرئيس الجديد فى تحقيق احد أهم مستهدفاته الانتخابية وهى السيطرة على بؤر الحروب والتوترات الجيوسياسية المشتعلة فى العالم .وبالاخص الحرب الروسيه الاوكرانيةً وحرب غزة ولبنان ، والصراع الاسرائيلى الايرانًى وتوترات البحر الأحمر ، لقد كان تراب كثيرا ما يكرر انه لو كان فى سدة الحكم ماكانت الحرب الروسية الاوكرانية قد وقعت أصلاً !؟ عودة الرئيس إلى الساحة الدولية قوبلت بتساؤلات حول قدرته على وقف بؤر الحروب والصراعات الجارية في العالم. فلا يملك الرئيس عصا سحرية لتحقيق السلام، ولكن من المهم التساؤل حول ما إذا كان يمتلك الأدوات والقدرات السياسية والدبلوماسية لتوجيه الجهود الدولية نحو حلول مستدامة لتلك الصراعات .

لا احد يغيب عليه حجم المعاناه التى واجهتها مصر من تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية ثم حرب غزة وتوترات البحر الأحمر ، تداعيات نقدية ، ومالية ، اثرت سلبا على كل مؤشرات الاقتصاد القومى ، وعلى الأوضاع الاجتماعية ، نتيجة ارتفاع معدل التضخم بوتيرة غير مسبوقة ، فإذا ما نجح الرئيس الامريكى العائد لحكم اكبر بلد فى العالم ، فى ان يوقف تلك التوترات ويعيد الهدوء إلى مناطق النزاع المشتعلة ، فإن الدول المتنازعة ودول الجوار ومنها مصر ، سوف تعود لتركيز إمكانياتها الاقتصادية إلى دفع خطط النمو والتنمية المستدامة ، و تعويض ما فقدته من ايرادات من النقد الاجنبى من مصادرها التقليدية ، والعالم كلة بشهادة صندوق النقد الدولى يعلم كيف اصبحت مصر ثانى اكبر دولة مقترضة من الصندوق فى ترتيب الدول الناشئة ، وكيف فقدت حتى تاريخه نحو ٦٠ % من ايرادات قناة السويس ، ناهيك عن الانخفاض فى ايرادات السياحة وتباطئ الاستثمار المباشر عما هو كان مخطط . ويمكن القول بلا تردد انه إذا نجح ترامب فى وقف نزيف تلك الحروب فإن مصر ستستفيد بشكل مباشر من إنتظام خطوط الامداد العالمية ، وانخفاض اسعار السلع الاستراتيجية ومستلزمات الانتاج اللازمة لتوطين الصناعة وانتاج سلع التصدير ، وانخفاض تكاليف الشحن والتأمين ، كل ذلك وغيره سوف يؤدى إلى انتظام عجلة الانتاج وزيادة عرض السلع المستوردة والمنتجة محلياً ، وتبدأ الاسعار فى الانخفاض ، وياخذ بالتالى معدل التضخم مساراً هابطاً ، فتتحول السياسة النقدية التقييدية إلى سياسة نقدية تيسيرية مستهدفة النمو والتشغيل .

من ناحية اخرى من المتوقع أن يتجه الرئيس الى تدعيم علاقاته السابقة بدول الخليج ودول شمال افريقيا ، ساعياً لتنمية وتقوية العلاقات التجارية فى مواجه الصين وروسيا وهو ما قد يتيح لمصر فرصاً لزيادة الدعم الفنى والعسكري لمصر ويوسع من مجالات التعاون والدعم الأمريكى على كافة الانشطة ، وبصفة عامة إذا ما نجح ترامب فى فرض السلام ووقف اطلاق النار فى مناطق النزاع فإن ذلك سوف يعزز دعائم الامن والسلام للاقتصاد العالمى والاقليمى ، ويعزز فرص استقرار الاسعار ، وانتعاش إقتصادات الدول .

ثانيهما : رؤيته فى تصعيد أو تخفيف السياسات الحمائية التجارية ضد الدول والتجارة الدولية .ومدى حماسة الى مزيد من تطبيق سياسات الحرب الاقتصادية واستراتيجيات الخنق والحصار الاقتصادى ، بهدف تحقيق اهداف سياسية دون اللجوء إلى الحروب العسكرية ، ان استمرار تلك السياسات فى فرض الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأمريكية لكل الدول او لدول بعينها ( الصين ) سوف يؤدى حتما إلى عودة تصاعد معدلات التضخم للعالم ويعرض الدول الناشئة والمستوردة للسلع ، خاصة النفط والوقود ، إلى عودة حالات عدم الاستقرار النقدى والاقتصادى الى كافة الأسواق العالمية ..

ثالثهما : قدرته على احداث التوازن الامثل بين تحقيق شعار ” أمريكا أولا ” وبين متطلبات تحقيق الحد الادنى المطلوب للود السياسى بين الدول الصديقة والحليفة . وهنا سوف نتسائل هل سوف يعود لتحمل تكاليف المشاركة فى خطط تغير المناخ العالمية ؟ ، كيف سوف يعالج مشكلة الديون العالمية التى سجلت هذا العام وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولى نحو مائة ترليون دولار ، الولايات المتحدة والصين ، هما اصحاب النصيب الأكبر فيها ؟، والعبرة هنا بتاثير تلك الديون وتضخمها واستمرارها على مسيرة وحياة شعوب الدول النامية . هل سيفكر فى معاقبة الدول التى تتنادى بالتجمعات الاقتصادية الساعية لبناء نظام نقدى متعدد الأقطاب بعيداً عن الدولار الامريكى ؟

فى النهاية سيكون تاثير قرارات الرئيس ترامب ، ودرجة تقلبها او شدتها أو حتى مرونتها ،سيكون حاسماً وواضحاً إما على تردى الأوضاع الاقتصادية على كافة الجبهات الاقتصادية والاجتماعية العالمية والاقليمية والمصرية ، أو على العكس تحسنها ونموها إيجابيا وهذا ما نتمناه ونتطلع إليه.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى