محمد عبد العال يكتب .. رئيس الوزراء ورسائل الثقة والطمأنة حول الجنيه المصري
إن مثل تلك الرسائل ترفع من درجة الثقة فى العملة الوطنية وتطمئن المواطنين والمستثمرين وتعزز من الاستقرار النقدى
أثار البعض بعض علامات الاستفهام حول تصريحات رئيس الوزراء عن التغيرات المحدودة الطبيعية هبوطا أو صعوداً ، والتي يمكن أن يتعرض لها سعر صرف الجنيه أثناء التداول اليومي في ظل السياسة المرنة لإدارة سعر الصرف التي يتبناها البنك المركزي ، ومدى مناسبة أن يتحدث رئيس الوزراء حول الأمور المرتبطة بسعر صرف الجنيه المصري؟
وفقا للأصول يُعتبر محافظ البنك المركزي المسؤول الأول والوحيد عن إدارة ووضع وتحديد الاستراتيجيات الخاصة بالسياسة النقدية ، بما في ذلك سعر الصرف وسعر الفائدة ، والعمل على تحقيق استقرار الأسواق بالمفهوم الواسع ، وهو بهذا يتمتع وفريق عمله بالاستقلالية التامة.
إن التحدث عن أوضاع تمس تغيرات سعر الصرف في مصر هي من الأمور المتاحة للخبراء والمحللين والمراقبين والمهتمين في الداخل والخارج ، وبحرية تامة ، لدرجة أنه ولأول مرة فى تاريخ الإعلام الاقتصادي المصري نجد أنه ، على سبيل المثال ، قبل اجتماعات لجنة السياسة النقدية تتناول معظم الفضائيات والمنصات والصحف المحلية والعالمية بالتعليق والتحليل للسيناريوهات المتوقعة لقرارات اللجنة ، ويقابل ذلك البنك المركزي بروح طيبة ، غير معتبراً أن ذلك يقلل من استقلالية البنك المركزي باعتباره الجهة المسئولة.
ومن المنطقي أن يكون تناول رئيس الوزراء أثناء بعض مؤتمراته الصحفية بالتعليق والرد على بعض الأمور المرتبطة بتغيرات سعر الصرف اليومية امرًا مقبولا وإيجابياً ، حيث يتحدث عن أمور سبق أن أصدرها البنك المركزي ، وأصبحت معلنة ومعروفة عالمياً ومحليا ، أما الموضوعات الجديدة الاستراتيجية المرتبطة بعمق وأسس السياسة النقدية القومية فتلك يقتصر مناقشتها والإعلان عنها والتعليق عليها على محافظ البنك المركزي وكبار فريق عمله ونوابه المتخصصين.
وفي معظم دول العالم التي يتمتع فيها محافظ البنك المركزي باستقلال تام يحكمه دستور الدولة وقوانين البنك المركزي ، كما هو الحال في مصر ، كثيرا ما يُعلق الرؤساء وكبار المسئولين على الأوضاع والتطورات النقدية العالمية أو المحلية ، بغرض توضيح الأمور للمواطنين ، وفي حدود لا تشكل من قريب أو بعيد تدخلا يتعارض مع استقلالية المحافظ.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر إذا كان هناك حاجة لشرح السياق الأوسع للسياسات الاقتصادية أو الخطط الحكومية التي تتعلق بالنمو الاقتصادي أو الاستقرار المالي أو ترتبط بالعلاقات المتبادلة بين مؤشرات الاقتصاد الكلي ، حين إذن يمكن لرئيس الوزراء أن يشرح للمواطنين بعض تلك الأوضاع السابق تنسيقها على أعلى مستوى مع محافظ البنك المركزي والمجموعة الاقتصادية.
وأيضاً فى حالة الأزمات والصدمات الدولية الكبرى مثل الأزمات المالية أو الاقتصادية يمكن لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء التحدث لطمأنة الأسواق والجمهور العام.
وهنا رسائل الطمأنة تكون أمرا ضروريا بل وبالغ الأهمية، خاصة حينما تواجه الدولة هجمات وموجات شرسة من الإشاعات الاقتصادية من جهات معروفة ، يهمها عودة السوق السوداء وعودة أباطرة الدولرة وتجار العملة.
ودعنا نتذكر تصريح الرئيس حينما قال إن “الجنيه المصري خط أحمر ” إذا تعارض ذلك مع مصالح الناس.
وهناك مثال آخر إذا كانت هناك تغييرات إستراتيجية كبيرة تتعلق بالاقتصاد ككل ، والتي تتطلب تواصلًا على مستوى القيادة العليا.
وهنا نذكر على سبيل المثال صفقة رأس الحكمة وتأثيرها الإيجابى ، ودورها في قيام محافظ البنك المركزي بالإعلان عن قرارات 6 مارس التاريخية ، في مثل تلك المناسبات يتحدث رئيس الدولة ورئيس الوزراء والمحافظ عن تحسن واستقرار أوضاع سعر الصرف ، كل يسعى لتحقيق هدف واحد هو تحقيق مصلحة الوطن.
وبالطبع عندما تتعلق الأمور بالمفاوضات أو الاتفاقات الدولية التي تشمل السياسة النقدية أو الاقتصاد الوطني بشكل عام فنجد محافظ البنك المركزى ووزير المالية ووزير الاستثمار ومعهم فريق الخبراء المصريين يتولون بكل ما لديهم من حنكة وحكمة وخبرة ومسئولية يتولون التفاوض مع خبراء صندوق النقد الدولي ، وفى نفس الوقت رئيس الوزراء يقابل رئيسة الصندوق ويتحدث إعلامياً عن نتائج المقابلة ويطمئن الصحفيين عن تطور المباحثات ، وبالطبع يمكن أن يتفرع الحديث عن سعر الصرف وأسعار الفائدة ومواجهة التضخم بدون ضرر ولا ضرار.
تلك نماذج أو أمثلة للحالات التي يمكن أن يدلوا فيها رئيس الوزراء بدلوه في الحديث عن أمور هي في الأصل تخص حتما وبشكل مباشر محافظ البنك المركزي ، ولكن ما أود أن أؤكده أن هذه التعليقات والحالات ، إذا ما وجدت ، تكون دائماً منسقة بعناية كي لا تؤثر على استقلالية البنك المركزي أو تتسبب في اضطرابات في الأسواق أو تعارض في الأفكار أو السياسات أو الإجراءات.
إن مثل تلك الرسائل ترفع من درجة الثقة فى العملة الوطنية وتطمئن المواطنين والمستثمرين وتعزز من الاستقرار النقدى.
محمد عبد العال
خبير مصرفي