محمد عبد العال يكتب.. أسعار الفائدة في مفترق الطرق!

قد يكون الخيار الأنسب في تصوري من وجهة نظر السياسة النقدية هو تثبيت الفائدة

تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري يوم الخميس المقبل ، لتقرر وتختار ما بين قراري التثبيت أو الخفض ، بالطبع أي من الاختيارين قد يكون الأنسب ، وأيضاً قد يكون الأصعب!!

كلنا نعلم أن معدل التضخم العام ، وأيضاً معدل التضخم الأساسي كلاهما قد سجل هبوطاً متتاليا للشهر الخامس على التوالي ،وهو الأمر الذي قد يوحي بأن لجنة السياسة النقدية قد تميل في اجتماعها القادم ، إلى إجراء خفض متدرج للفائدة بعد أن اطمئنت إلى نجاح سياستها النقدية في وضع معدل التضخم في منحنى هبوطي.

حقيقة الأمر مازال هناك تباين شديد بين رؤى المراقبين حول رؤية لجنة السياسة النقدية في اجتماعها المقبل ، ما بين التثبيت أم الخفض ، وفي محاولتنا الاقتراب من أسباب هذا التباين ، علينا التوجس من 3 عوامل مهمة ، يمكن أن تكون مؤثرة عند اتخاذ قرار بإحداث تغيير في معدل الفائدة القائم.

أولها : المخاطر الجيوسياسية القائمة والمشتعلة في منطقة الشرق الأوسط ، ومشتقاتها الجديدة ، الناتجة من أفكار وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، سواء تلك المتعلقة بالوضع في غزة أو الرسوم الجمركية التي فرضها أو يهدد بفرضها على دول العالم ، ونحن في قلب وبؤرة هذا الصراع ، وفى حال تمددها وتوسع أطرافها فيمكن أن تتحول إلى حرب تجارية عالمية ، تنسف حرية التجارة وتقلص النمو الاقتصادي العالمي وتهدد بتداعيات متعارضة ، ما بين تولد مظاهر جديدة للتضخم العالمي أو ركود تضخمي ، أو حالات من الركود الاقتصادي ، وبالطبع سيختلف الأمر من حيث التداعيات وحدتها ونوعها وفقا لظروف كل دولة ومدى تأثرها بالمخاطر الجيوسياسية المحيطة.

ثانيها : الضغوط القائمة علينا من صندوق النقد الدولي بأهمية الاستمرار في اتباع سياسة نقدية ومالية تقييدية لمواجهة التضخم.

ثالثها : وهو تأثير الحزمة الاجتماعية و زيادات المرتبات المرتقبة وإرتفاع بعض أسعار السلع أي إرتفاع التضخم.

وكما نعلم أن البنك المركزي المصري ، ومنذ شهر مارس الماضي ، يتبنى سياسة نقدية شديدة التقييد ، مستخدمًا كافة الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة ، سواء حينما رفع الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس خلال العام الماضى 2024 ، أو من خلال آليات السوق المفتوح ، حينما يقبل من البنوك فائض السيولة بشكل مطلق عبر العملية الرئيسية أسبوعياً ، ودونما تخصيص ، وبسعر العملية الرئيسية ، بهدف امتصاص السيولة وتقليص المعروض النقدي ، ولإعطاء الفرصة للبنوك لتوظيف فوائضها قصيرة الأجل فى وعاء يمنحهم متوسط عائد مرتفع.

وفي ضوء ما سبق ، يمكن تحديد دوافع وتداعيات الاختيار ما بين الإستمرار في التثبيت أو حسم التخفيض فيما يلي.

الدوافع حال اختيار تثبيت الفائدة :حاجة البنك المركزي إلى التضييق أكثر على السيولة في السوق للحد من التضخم القائم ، و تحسبا من إمكانية تولد موجات تضخمية محلية ، أو عالمية وأخذا في الإعتبار الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة.

أما تبعات قرار التثبيت فهي مزيد من الضغط على النمو الاقتصادي ، نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض لكل من الحكومة والقطاع الخاص، وزيادة تكلفة تمويل الدين الداخلي ، ومزيد من عجز الموازنة ، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة في ظل معدل تضخم مدفوعاً أحياناً بمتطلبات الضبط المالي أو الدعم ، الأمر الذي يُقلل من التأثير الإيجابي النسبي للسياسة النقدية في خفض التضخم.

ولكن لا ننسى أن قرار التثبيت موضوعيا هو في الأصل يستهدف كبح جماح التضخم ، وتحقيق استقرار الأسعار ، ومنح أولوية قصوى لذلك الهدف ، حتى ولو كان مرحلياً على حساب النمو الاقتصادي ، و التباطؤ الملحوظ في قراءات التضخم يؤكد أن السياسة النقدية الحالية بدأت تؤتي ثمارها ، خاصة بعد استقرار الجنيه وتوحيد سوق الصرف ، وبالتالي يمكن القول أن تثبيت الفائدة لجولة أخرى قادمة يمكن أن يحقق استقرارا نسبيا في السوق، مع إتاحة المجال لمراقبة التطورات الاقتصادية عن قرب، ومتابعة تأثير وتداعيات الأوضاع الجيوسياسية على معدلات التضخم العالمية والمحلية.

أما الدوافع في حال إختيار خفض الفائدة فتتمثل في الحاجة لتحفيز النمو الاقتصادي ، وتخفيف عبء الدين على الحكومة والقطاع الخاص ، وتحفيز القطاعات الإنتاجية المحلية ، خاصة فى الصناعة والزراعة والعقار ، على زيادة الإنتاج للاستخدام المحلي أو لأغراض التصدير استعداداً لمواجهة محتملة لصدمة عالمية خارجية جديدة يمكن أن تنتج عن قرارات الإدارة الأمريكية و تتطلب الاعتماد أكثر و بوتيرة أسرع وأعمق على إنتاجنا المحلي، بهدف تحقيق الإكتفاء الذاتي من معظم السلع الإستراتيجية.

أما تبعات قرار الخفض ، فتتمثل في المخاطرة بارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وزيادة التحديات في تحقيق استقرار العملة والأسعار والتأثير سلباً على معدل قدوم الاستثمار الأجنبي غير المباشر.

التوقع الأنسب :

في ضوء الحقائق و الافتراضات المذكورة، قد يكون الخيار الأنسب في تصوري من وجهة نظر السياسة النقدية هو تثبيت الفائدة على ما هي عليه عند 27.25% للإيداع و 28.28% للإقراض ، وهذا الخيار يتيح التريث والاستمرار في مراقبة تأثير تطور الأوضاع العالمية والإقليمية.

ولكن إذا ماكان هناك تباين بين قراري التثبيت أو الخفض وفي نطاق المشاركة الفكرية ، فأنا آمل أن نرى خفضا في معدل الفائدة بين 200 الى 300 نقطة أساس في الاجتماع القادم أو الذي يليه ، أخذا في الإعتبار تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم ، يتيح المجال للوصول إلى تحقيقه تدريجياً وعلى المدى البعيد ، آخذا في الاعتبار التأثير الإيجابي المتوقع لسنة الأساسي.

إن معدل التضخم الحالى 24% مازال بعيداً جداً عن مستهدفاته ، وقد يكون الوقت مناسب الآن للجمع بين نظرتنا لإحداث التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادى الهامة ومتطلبات مواجهة التضخم.

إن تكلفة التمويل المرتفعة لا تعني انخفاض حجم الائتمان نسبيا في الجهاز المصرفي المصري بل إن الأرقام تشير إلى ارتفاعها ، ولكن المشكلة في أن ارتفاع تكلفة التمويل يتحملها في النهاية المستهلك ، وبالتالي تكون في مرحلة ما أحد أسباب ارتفاع التضخم.

إن لجنة السياسة النقدية إذا ما رأت أن قرار التخفيض في الاجتماع المقبل هو القرار المناسب ، فليس معنى ذلك أنها لم تؤكد تخليها عن سياسة التقييد النقدي وتحولها نهائياً إلى سياسة التيسير النقدي ، بالطبع لا ، حيث أن الخفض هنا سيكون بشكل متدرج و تجريبي ، في ضوء حالة عدم اليقين العالمية ، ولكنها سوف تظل مسلحة بكل أدوات السياسة النقدية الانكماشية إلى أن تصل بمعدل التضخم إلى مستهدفاته الموضوعة.

محمد عبد العال 

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى