دكتور زكريا صلاح يكتب : من تحت البلاطة إلى نظم المخاطر المتقدمة
البلاطة ومرتبة السرير كانت الملاذ الآمن لمن لديه الأموال في الماضي، وهى أماكن كان يتم اللجوء إليها لإخفاء الأموال بعيدا عن الأيدي لإنفاقها أو حفاظا ًعليها من السرقة.
لكن كان يتبع ذلك قلق دائم وعدم راحة بال، بالإضافة إلى عدم مغادرة المكان إلا في أضيق الحدود ، وإذا تمت المغادرة لابد من العودة في أسرع وقت، وكل بضع دقائق يهتف في الأذن هاتف “قوم تمم على فلوسك”، وكان الأمر مرهقا ليلاً ونهاراً لحائزي الأموال، حتى زاد الوعي بأهمية البنوك ودورها في الحفاظ على أموال الناس ،بل وتنميتها لهم، وإدراك أن في إيداع الأموال لدى البنوك راحة البال وحرية الحركة والإطمئنان، بل والحصول على عوائد.
ونظراً لإدراك البنوك أهمية دورها فى الحفاظ على أموال المودعين، الذين أيقنوا أهمية هذا الدور ، وقرروا التخلي عن البلاطة ومرتبة السرير ، وأهمية الثقة التي أولاها أياها المودعون في الحفاظ على أموالهم وتنميتها لهم ، فقد لجأت البنوك إلى تطوير نظم إدارة المخاطر لديها، وتحديثها بصورة مستمرة، وتطبيق أفضل الممارسات في هذا المجال.
وتعد إدارة المخاطر في البنوك أهم الإدارات على الإطلاق ، نظراً لما تقوم به من دور هام في تجنيب البنك لكافة أنواع المخاطر ، حيث يتم تصنيف أنواع المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها البنك، وتم تحديد الأشخاص المؤهلين لكل نوع من المخاطر ،حتى يزداد التخصص والتركيز والدخول في أدق التفاصيل والمصادر التي يمكن أن تسبب المخاطر.
فقطاع المخاطر في البنوك يتضمن تحته إدارات مختلفة ومتعددة ، حسب نوع كل خطر، وكلما تم التوصل لمصدر جديد للمخاطر سارع هذا القطاع للدراسة والمتابعة والرقابة ، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتجنيب البنك هذا النوع من المخاطر والتخفيف منها، للحفاظ على أموال المودعين.
ومن المعروف أنه كلما تطورت طرق ووسائل تقديم المنتجات والخدمات المصرفية كلما ظهرت أنواع جديدة ومتنوعة من المخاطر ، أخرها محاولات الهجوم لسرقة بيانات العملاء والسطو على حساباتهم ، وقد تحوطت البنوك لذلك بتقوية وحماية نظم المعلومات لديها والقنوات التي يتم من خلالها تأدية الخدمات والمنتجات المصرفية للعملاء ،لحماية البنك من هجمات ومحاولات إختراق أنظمته.
وعندما حالت الإجراءات المتخذة من البنوك ، وهو ما يعرف بتطبيق الأمن السيبرانى للحفاظ على أمن وسلامة البيانات والعملاء وصد محاولات الإختراق، لجأ المحتالون والنصابون الى الإلتفاف على العملاء أنفسهم، حينما فشلوا في إختراق أنظمة البنوك المؤمنة ليحصلوا على مفاتيح الدخول لحسابات العملاء، سواء من خلال إيهامهم بأنهم من موظفي البنك وأنهم يسعون إلى تحديث بياناتهم ، أو بطلب وسرقة بيانات بطاقات الائتمان والتعامل عليها والسطو على حسابات العملاء.
وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة التي تقوم بها البنوك على مدار الساعة لعملائها بعدم إفشاء أية بيانات للآخرين، حتى أقرب الناس للعملاء، إلا أن الناس مازالو ينخدعون بأي وهم يصدر إليهم وبأية خدعة يصدقونها ، الأمر الذي يسهل عملية السطو وسرقة الأموال من البنوك ، خاصة وأن البنوك تعتمد على نظم ، وهذه النظام لها طريقة ومسار للدخول والوصول إلى البيانات والأرصدة ، وعندما يقومون بإعطاء الآخرين مفاتيح هذا المسار يسهل سرقة الأموال، ثم يعود العملاء للشكوى والتذمر واتهام البنوك بالتقصير.
لقد أصبح لعملاء البنوك دور في مساعدة البنوك على حماية أموالهم، والمساهمة في عملية إدارة المخاطر نفسها التي تقوم بها البنوك، وذلك بعدم الإدلاء بأية بيانات أو معلومات تخص حساباتهم أو البطاقات البنكية التي يحملونها، والتي أصبحت تمثل المحفظة النقدية الخاصة بهم ، في ظل تطور ثقافة عدم الإحتفاظ بالنقود والتعامل بالبطاقات البنكية ، خاصة مع ضرورة تفهم العملاء أن البنوك قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين بياناتهم وأموالهم ، ولديهم نظم مخاطر متقدمة لإدارة المخاطر العديدة والمتنوعة والمتشعبة.
عزيزى العميل لقد أصبح لك دور في إدارة المخاطر التي تواجهها البنوك، لذا عليك إدراك ذلك، وعلى البنوك أن تثقف عملاءها في هذا الصدد، وأن تحولهم إلى مدراء مخاطر لأموالهم ، بتثقيفهم بصورة مستمرة فيما يتعلق بالأساليب المختلفة للإحتيال والنصب وكيفية التعامل مع هذه المواقف.
دكتور زكريا صلاح الجندى
الخبير المصرفى