بلومبرج : صناديق الثروة السيادية تتجاهل التغير المناخي رغم التحذيرات المتزايدة

قد ينتهي المطاف بصناديق الثروة السيادية العالمية التي تدير أصولاً تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 10 تريليونات دولار في الجانب الخطأ من التاريخ، إذا تمسَّكت باستراتيجيات لا تأخذ في اعتبارها سرعة وتيرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وفقاً للسيدة التي ترأست اتفاقية باريس، وفقاً لبلومبرج.

ومن جانبها قالت كريستيانا فيجيريس المديرة التنفيذية السابقة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، إنَّ صناديق الثروة السيادية بحاجة لتحديث استراتيجياتها والتوقُّف عن البحث عن طرق “للاستفادة” من الزيادة في درجات الحرارة العالمية لتحقيق مكاسب اقتصادية.

وأضافت أن اهتمام صناديق الثروة السيادية بتغيُّر المناخ ركَّز حتى الآن بشكل كبير على إدارة مخاطر المناخ والاستفادة من الفرص الناتجة عن التحوُّل نحو خفض انبعاثات الكربون، لكن ذلك لم يعد كافياً نظراً لخطورة أزمة المناخ.

وأوضحت أنَّ فشل الصناعة في اتخاذ القرار المناسب في تلك اللحظة يعني أنَّ تريليونات الدولارات التي يمكن حشدها لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة مايزال يتمُّ توجيهها نحو استراتيجيات صُممت في الغالب لتعظيم العوائد الاقتصادية، مشيرةً إلى أنَّ صناديق الثروة السيادية تحتاج إلى القيام بدور نشط في الحدِّ من البصمة الكربونية لمحفظتها.

ويأتي تحذير فيجيريس وسط تزايد القلق بشأن استخدام صناعة إدارة الاستثمار لاستراتيجيات الحفاظ على البيئة، والمسؤولية المجتمعية، والحوكمة كطريقة أخرى لتوليد المزيد من الأموال دون إحداث تأثير كبير على تغيُّر المناخ أو العدالة الاجتماعية، فقد اضطر مديرو الصناديق في أوروبا وحدها إلى حذف علامة “ESG” من أصول بقيمة 2 تريليون دولار تحسُّباً لفرض لوائح أكثر صرامة في ذلك الصدد.

وقد تصدَّر ذراع إدارة الثروات في “دويتشه بنك” عناوين الصحف في وقت سابق من هذا الأسبوع في ظل التحقيق معه في الولايات المتحدة وألمانيا بشأن اتهامه بعمليات “غسيل أخضر”.

ولم تتهم فيجيريس صناديق الثروة بالغسيل الأخضر، لكنَّها تشعر بالأسف لما وصفته بفشل الصناعة في تبني استراتيجيات تلتزم بتقليل البصمة الكربونية، موضحةً أن العلماء يؤكِّدون على أنَّ خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يبقى الأمل الوحيد أمام الكوكب لتجنُّب كارثة مناخية

وتابعت بلومبرج “نحن في طريقنا لإصدار انبعاثات تكفي لتسجيل ارتفاع درجتين من الحرارة بحلول عام 2044، وبحلول العام 2028 سنكون قد استنفدنا ميزانية الانبعاثات للبقاء في حدود 1.5 درجة قياساً على الاتجاهات الحالية، وهو ما يؤكد الحاجة لإجراءات سياسية فورية وملموسة للإسراع بوتيرة التخلص من الكربون، إذ لن يصبح وقتها تحقيق أهداف المناخ في منتصف القرن كافياً ما لم تتم الأهداف في المدى المتوس”..

ويحتاج كل قطاع في اقتصاد الطاقة لتحقيق صافي صفر انبعاثات كي يخفض الانبعاثات تماماً بحلول منتصف القرن؛ كما راجع تقرير BNEF الجديد لتوقعات مستقبل الطاقة الذي يطرح ثلاثة سيناريوهات لتحقيق صافي صفر انبعاثات.

كما لم تنضم النرويج التي تملك أصولاً سيادية في صندوقها بقيمة 1.4 تريليون دولار إلى منظمة “تحالف مديري الأصول للوصول لصفر انبعاثات” مثلها كباقي البلدان الأخرى التي تملك صناديق ثروة سيادية.

وترى فيجيريس أنَّ انضمام البنك النرويجي لإدارة الاستثمارات الذي يدير أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم سيكون له تأثير كبير في تغيير قواعد اللعبة، مضيفةً ان هذا البنك له نفوذ كبير كمستثمر، ومعترف به عالمياً كشركة رائدة في حوكمة الشركات، والامتثال لقواعد إصدار التقارير، والشفافية، والملكية النشطة، وسيعتبر مثالاً يحتذى به في جميع أنحاء العالم.

وتقوم وزارة المالية النرويجية حالياً بتكليف من الحكومة بمراجعة تقرير لإعادة تقييم تعرُّض صندوق الثروة لمخاطر المناخ.

ويوصي التقرير الذي تمَّ نشره في وقت سابق من هذا الشهر بتوافق الشركات ضمن أصول المحفظة الاستثمارية للصندوق مع أهداف صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050، وبما يتماشى مع الجدول الزمني المنصوص عليه في اتفاقية باريس لعام 2015، لكنَّ التقرير لم ينصح صراحة بتوقيع الصندوق والانضمام إلى تحالف مديري الأصول للوصول إلى صفر انبعاثات.

وقال جان توري سانر وزير المالية، إنَّه لا يريد أن يبتعد “الصندوق النرويجي” عن التزامه بأولوية تحقيق الأهداف المالية. كما أكَّدت الحكومة مراراً وتكراراً أنَّها لا تريد تحويل الصندوق إلى أداة لتحقيق السياسات المتعلِّقة بالمناخ.

وقالت فيجيريس إنَّ اختيار عدم وضع أهداف للانبعاثات للصندوق لا يمثِّل القرار بشأن تبني تلك الأهداف بقدر كونه قراراً سياسياً.

وقال صندوق الثروة النرويجي، إنَّه ليس لديه ما يضيفه إلى البيانات السابقة، التي أوضح فيها أنَّه يتوقَّع أن تتوافق الشركات المدرَجة في المحافظ مع اتفاقية باريس، بينما أشار المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية في لندن إلى أنَّ هناك تركيزاً كبيراً للغاية على أهداف تحقيق صافي صفر انبعاثات.

وقالت فيكتوريا بارباري المتحدِّثة باسم “الاتحاد الدولي لصناديق الثروة السيادية”، إنَّ التركيز على صناديق الثروة السيادية بشأن المناخ مبالغ فيه إلى حدٍّ ما، مشيرةً إلى أنَّ العديد من الدراسات الاستقصائية لمديري الأصول أكَّدت أنَّ “صناديق الثروة السيادية تتفق إلى حدٍّ كبير مع أقرانها كمجموعة برغم وجود تباين بينهما بالطبع.

وكانت قد أظهرت دراسة أجراها “المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية” عام 2020 أنَّ ما يزيد قليلاً عن ثلث صناديق الثروة لديها استراتيجية رسمية بشأن تغيُّر المناخ، كما أنَّ الصندوق السيادي النرويجي كان من بين “أوائل المتبنين”.

ويتزايد الشعور بالقلق من ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل كبير هذا الشهر، فقد أصدرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ التابعة للأمم المتحدة أحدث تقييم أكَّدت فيه أنَّ العالم يزداد حرارة بشكل أسرع بكثير مما كان يعتقد سابقاً.

وأشارت فيجيريس إلى أنَّ أحدث دليل على ارتفاع درجة الحرارة يضع مزيداً من الضغط على مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغيُّر المناخ (COP26) الذي سينعقد في نوفمبر للتوصل إلى خطوات سياسية مؤثِّرة لمكافحة الاحتباس الحراري. مشيرةً إلى أنه لا يمكن المبالغة في أهمية المؤتمر لهذا العام، لكنَّها قد تكون لحظة نجاح أو توقُّف للبشرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى