“النقد العربي” يرفع توقعاته للنمو الاقتصادي بدول المنطقة إلى 5.2% في 2022
الصندوق: 341.5 مليار دولار حزم التحفيز المالي منذ بداية الجائحة وحتى نهاية سبتمبر الماضي
انحسار متوقع للضغوط التضخمية العام المقبل وتسجيل بعض الدول العربية معدلات مرتفعة نسبياً جاء انعكاسا للضغوطات المحلية والعالمية
أطلق صندوق النقد العربي الإصدار الخامس عشر من تقرير “آفاق الاقتصاد العربي”، الذي يتضمن تحديثاً للبيئة الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على الدول العربية، وتوقعات النمو الاقتصادي والتضخم في الدول العربية خلال عامي 2021 و2022.
وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي واجه في عام 2021 تحدياتٍ ترتبط بمدى قدرة دول العالم على دعم مستويات التعافي الاقتصادي من تبعات جائحة كوفيد-19 وتخفيف آثارها على الأفراد والشركات، لاسيما في ظل استمرار انتشار الفيروس والسلالات المتحورة منه في عدد من مناطق العالم.
في هذا السياق، تشير تقديرات المؤسسات الدولية إلى توقع نمو الاقتصاد العالمي بما يتراوح بين 5-6% في عام 2021، وسط مساراتٍ متباينةٍ للتعافي الاقتصادي ما بين الدول المتقدمة والنامية استناداً إلى التقدم المُحرز على صعيد برامج التلقيح، واختلاف مستويات قدرة حكومات دول العالم على تقديم الدعم الكافي لاقتصاداتها.
ففي الوقت الذي تمكنت فيه الاقتصادات المتقدمة من إقرار حزم تحفيز سخية في عام 2021، واجهت البلدان النامية حيزاً مالياً ضيقاً مما اضطرها للاستدانة لدعم النشاط الاقتصادي.
وفي ظل حزم التحفيز المالي السخية المتبناة في عدد من الاقتصادات المتقدمة، شهدت مستويات الطلب العالمي والتجارة الدولية تسارعاً ملحوظاً خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020، مما يشكل ضغطاً على الموارد الاقتصادية العالمية، وعلى جانب العرض وسلاسل الإمداد الدولية لا سيما في ظل استمرار بعض القيود المفروضة بسبب الجائحة.
ونتج عما سبق موجة من الضغوطات التضخمية التي وإن كانت تُعزى إلى عوامل مؤقتة من المتوقع زوالها مع عودة فتح الاقتصادات العالمية، إلا أن المخاوف من إمكانية استمراريتها قد يدفع البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة للعودة المبكرة إلى المسارات التقليدية للسياسة النقدية ومن ثم رفع لأسعار الفائدة على العملات الرئيسية.
وأوضح أن هذه التطورات قد تؤدي إلى نشوء عدد من المخاطر التي تواجه الاقتصادات الناشئة خلال الربع الأخير من عام 2021 وعام 2022، لا سيما تلك التي لديها مستويات مرتفعة من المديونية، وتعاني من ارتفاع مستويات الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وهو ما قد ينتج عنه تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى خارج هذه الأسواق، وحدوث أزمات مالية الأمر الذي قد ينعكس سلباً على التعافي الكامل والمتوازن للاقتصاد العالمي.
من جانب آخر، يواجه الاقتصاد العالمي خطراً آخر يتمثل في ارتفاع مستويات المديونية العالمية وتسجيلها لمستويات قياسية بلغت نحو 296 تريليون دولار بنهاية الربع الثاني من عام 2021، بما يمثل نحو 353% من الناتج الإجمالي العالمي بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي، وهو ما قد يثير مخاطر ترتبط بإمكانية حدوث أزمات مديونية مماثلة لتلك التي شهدها العالم خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وتبرز الأولويات على صعيد السياسات في ضرورة الاستمرار في إحراز التقدم المنشود على صعيد برامج التلقيح الوطنية لتعزيز الجاهزية الصحية لمواجهة الوباء والسلالات المتحورة منه، وتبني التدابير التي من شأنها تعزيز الحيز المالي اللازم لدعم التعافي الاقتصادي، ومواصلة الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى زيادة مستويات المُنعة الاقتصادية، علاوة على تبني سياسات كفيلة بمواجهة المخاطر المشتركة التي تواجه الاقتصادات العالمية حالياً ممثلةً في دعم قدرة الحكومات على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والوفاء بالالتزامات الدولية في إطار خفض انبعاثات الكربون، ومواجهة المخاطر المرتبطة بإرتفاع مستويات المديونية والهشاشة المالية.
في هذا السياق، كثفت الحكومات العربية جهودها خلال عام 2021 لتسريع وتيرة تنفيذ حملات التلقيح الوطنية لزيادة مستويات الجاهزية الصحية لمواجهة الوباء، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أعداد المُلقحين في عدد من الدول العربية إلى ما يتراوح بين 40 و86 %من السكان، ومن ثم اقتراب عدد من هذه الدول من تحقيق المناعة المجتمعية ضد الوباء.
كما ساهم هذا الإنجاز على صعيد برامج التلقيح الوطنية في تشجيع بعض الحكومات العربية على تخفيف القيود على ممارسة الأنشطة الاقتصادية، مما ساعد على تعافي عدد من القطاعات الاقتصادية التي لها ترابطات قوية مباشرة وغير مباشرة مع باقي القطاعات الأخرى بدايةً من الربع الثاني من عام 2021، ولعل من أهمها قطاعات التصدير والسياحة والتشييد والبناء والأشغال العامة والتجارة الداخلية والصناعات التحويلية والأدوية والاتصالات وتقنية المعلومات.
علاوة على ما سبق، ساهمت عدة عوامل أخرى في دعم التعافي الاقتصادي للدول العربية في عام 2021 يأتي على رأسها تعافي الطلب العالمي ونشاط التجارة الدولية، وانتعاش الطلب العالمي على الطاقة، وحرص البنوك المركزية ووزارات المالية العربية على مد العمل بعدد من التدابير التحفيزية الداعمة للطلب الكلي في سياق حزم للتحفيز المالي بلغ إجماليها 341.5 مليار دولار منذ بداية الجائحة في عام 2020 وحتى نهاية شهر سبتمبر 2021.
في ضوء ما سبق، يتوقع صندوق النقد العربي نمو الاقتصادات العربية مجتمعةً بنسبة 2.7% في عام 2021، حيث من المتوقع أن تختتم اقتصادات مجموعة الدول العربية المُصدرة للنفط السنة الجارية محققةً نمواً بنسبة 2.8%، حيث استفادت دول المجموعة من عدد من المحددات لعل من أهمها إرتفاع الأسعار العالمية للنفط بنحو 63% منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف شهر أكتوبر، إلى جانب التقدم المحرز في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على صعيد حملات التلقيح الوطنية، والاستمرار في تبني حزم سخية للتحفيز المالي.
فيما يتوقع نمو اقتصادات مجموعة الدول العربية المستوردة للنفط بنسبة 2.5% خلال العام الجاري بفعل عدد من العوامل، يأتي على رأسها تحسن الطلب الخارجي، وإرتفاع تحويلات العمالة، والتعافي النسبي للقطاع السياحي مع التقدم في حملات التطعيم وعودة فتح الاقتصادات، كما استفاد عدد من دول المجموعة كذلك من الآثار الإيجابية للإصلاحات الاقتصادية المتواصلة في هذه الدول لاحتواء الاختلالات الداخلية والخارجية.
في المقابل، من المتوقع تعزز وتيرة التعافي الاقتصادي للدول العربية في عام 2022 ليصل معدل النمو الاقتصادي لمجموعة الدول العربيّة إلى 5.2%، كنتيجة لعدد من العوامل، يأتي على رأسها الإرتفاع المتوقع في كميات الإنتاج النفطي لعدد من الدول العربية الرئيسة المنتجة للنفط في إطار اتفاق “أوبك+” بداية من شهر مايو 2022، الأمر الذي يتوقع في ضوئه نمو اقتصادات مجموعة الدول العربية المصدرة للنفط بنسبة 2.5%.
من جانب آخر، من المتوقع ارتفاع موازي لمعدل نمو اقتصادات الدول العربية المستوردة للنفط العام المقبل ليصل إلى 4.6%، بما يُعزي إلى استمرار انتعاش الطلب العالمي، والتوقعات بعودة الدور الرئيسي لعدد من القطاعات الاقتصادية المهمة في هذه الدول وعلى رأسها السياحة والصادرات، نتيجة مواصلة فتح اقتصاداتها في ظل توقع حدوث تقدم أكبر على صعيد حملات التلقيح في العام المقبل.
وعلى مستوى الدول العربية فرادى، يُنتظر تعافي كامل لـ5 دول عربية من تداعيات الجائحة في عام 2021، فيما يتوقع تعافى تسع دول عربية من تداعيات جائحة كوفيد-19 في عام 2022، وامتداد أجل التعافي لبقيّة الدول العربية إلى ما بعد عام 2022.
وعلى صعيد الاتجاهات العامة للمستوى العام للأسعار، من المرتقب أن تسجل معدلات التضخم مستويات مرتفعة نسبياً في بعض الدول العربيّة خلال عام 2021 تأثراً بمجموعة من العوامل أهمها الارتفاع الملموس للأسعار العالمية للغذاء، إضافة إلى ارتفاع أسعار منتجات الطاقة لاسيما في ظل تطبيق عدد من الدول العربية لآلية التسعير التلقائي لمنتجات الطاقة لتتوافق مع التغيرات في الأسواق العالمية.
كما يتوقع أن يتأثر المستوى العام للأسعار بأثر التمرير الناتج عن الضغوطات التي تواجه أسعار صرف العملة المحلية في بعض الدول العربية، بالإضافة إلى تصاعد الضغوط التضخمية الناتجة عن التضخم المدفوع بعوامل جذب الطلب في بعض الدول كنتيجة لزيادة مستويات المعروض النقدي والزيادة في مستويات الأجور.
كما يتوقع أن يتأثر المستوى العام للأسعار في بعض الدول العربية الأخرى بالتغيرات في حجم الإنتاج الزراعي المرتبط بالتقلبات المناخية.
وتماشياً مع التطورات سالفة الإشارة، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم للدول العربية – بما يشمل كل من لبنان والسودان اللتان شهدتا خلال عام 2021 مستوياتٍ مرتفعةٍ نسبياً من التضخم – حوالي 13.2% العام الجاري.
أما بالنسبة لعام 2022، فمن المتوقع انحسار نسبي لمعدل التضخم ليصل إلى 6.1% بفعل زوال جانب من الاختناقات الحالية المؤثرة على سلاسل الإمداد مع تخفيف القيود المفروضة لمواجهة الجائحة، وارتفاع مستويات المعروض من السلع والخدمات، علاوة على التأثير الإيجابي المتوقع لتحسن الأوضاع الداخلية في بعض الدول العربيّة.
وباستثناء التغيرات السعرية المتوقعة في كل من لبنان والسودان، من المتوقع أن يسجل معدل التضخم في الدول العربيّة مستوياتٍ معتدلةٍ في عامي 2021 و2022 تدور حول 3.3% و3% على التوالي وسط تباين معدلات التضخم المتوقعة ما بين مجموعات الدول العربيّة المختلفة.
التفاصيل الكاملة للتقرير هنا
https://www.amf.org.ae/sites/default/files/aeo/2021/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3%20%D8%B9%D8%B4%D8%B1%20%D9%85%D9%86%20%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1%20%D8%A2%D9%81%D8%A7%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A_%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1_2021%20%281%29.pdf