محمد عبد العال يكتب عن .. الفرق بين جذب وغَسل الأموال؟
ليس هناك ما يمنع من إعادة النظر في الإجراءات والسياسات المرتبطة بغسل وتمويل الإرهاب لمنح مرونة أكبر لفتح الحسابات بما يساعد على تحقيق أهداف الشمول المالي
مفهوم تشجيع تدفق وجذب النقد الأجنبي للدول النامية ومنها مصر ، لتدبير التمويل اللازم لعمليات التنمية الاقتصادية ، يختلف اختلافا بيّناً عن مفهوم تحريك الأموال بغرض غسلها ،، فهما مفهومان مختلفان تمامًا.
يشير المفهوم الأول إلى التحفيز والتعزيز المباشر لتدفق النقد الأجنبي إلى الدول النامية ، حيث يعتبر آلية اقتصادية تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية في الدولة ،، و يتضمن إجراءات لتشجيع المستثمرين المحليين و الأجانب على جلب رؤوس أموالهم، مثل التخفيضات الضريبية والأسعار التفضيلية على مدخراتهم أو تسهيلات الاستثمار.
وفى إطار هذا المفهوم لا يتطلب من البنك تطبيق إجراءات شديدة فيما يتعلق بتطبيق محددات ومتطلبات الإلتزام بضوابط الحماية من عمليات غسل وتمويل الإرهاب ، بداية من عملية فتح الحساب ، وقبول الأموال دون السؤال عن المصدر ، لأن العميل هنا يكون ذو طبيعة معروفة وهوية محددة وواضحة ومدونة في جواز سفره أو بطاقة هويته الشخصية والتي توضح عمله ، ويتعين أن يكون موظف البنك المختص لديه الخبرة والحس المصرفي والتدريب على سرعة تحديد العلاقة بين طبيعة عمل العميل وتقدير متوسط دخله من ناحية ، و حجم معدل ادخاره من ناحية أخرى ، وقد لا يكون هناك حاجه لسؤاله عن المصدر أو ضرورة أن يكون له مكان إقامة دائم في بلده طالما أنه يعيش في الخارج بشكل دائم.
إن الأمر يتطلب فقط منح العملاء الرضا النفسي بحريتهم في الإيداع والسحب ، والثقة في حسن نيتهم في إدارة حساباتهم بدون تعقيدات مكتبية أو ورقية عند فتح الحساب.
أما مفهوم غَسل الأموال فيشير إلى عملية غير قانونية تهدف إلى تمويل أو إخفاء مصدر الأموال غير المشروعة المتولدة من نشاطات أو مصادر غير قانونية، مثل تجارة المخدرات أو الإحتيال ، وتحويلها إلى أنشطة اقتصادية شرعية وجعلها تبدو كأموال قانونية.
ولكن كيف نفرق بين العمليات المشروعة وتلك غير المشروعة؟
عميل الاستثمار القانوني ، على سبيل المثال ، يتقدم للبنك على كونه يعمل في مجال الاستثمار الصناعي المباشر أو غيره من أنواع الاستثمارات المعروفة ، ويرغب أيضاً في الاستثمار في أوعية ادخارية بالدولار.
وهنا تكون تصرفات العميل المستقبلية متوافقة تماما مع ماسبق أن حدده عند فتح الحساب ، حيث يقوم بإيداع مبلغ من المال في حسابه البنكي ومن ثم يقوم بتحويل جزء منه لحساب شركة معترف بها في مجال الاستثمار المباشر ، أو عن طريق البورصة ، وربما يقوم باستثمار جزء من فوائض استثماراته في شراء شهادة دولارية من الشهادات التى يصدرها البنك ، فالعميل هنا يدير أعماله ويستثمر في قطاع مشروع وفي نطاق عمله السابق تحديده عند فتح الحساب.
أما عميل غسل الأموال فهو عادة ما يدير عملًا غير قانوني ويرغب في تمرير أرباحه عبر حساب بنكي لتغطية أصوله غير المشروعة.
ويكون السيناريو المتوقع من العميل هو قيامه بإيداع مبالغ نقدية كبيرة في حسابه البنكي بشكل منتظم دون وجود نشاط تجاري قانوني قائم.
هذان المثالان يوضحان الاختلاف بين العميل الذي يهدف إلى الاستثمار القانوني والعميل الذي يقصد عملية غسل الأموال.
ومن المهم للبنوك والسلطات المالية أن تكون لديها آليات وأنظمة للكشف عن أنشطة غسل الأموال والمحافظة على سلامة النظام المالي بدون المبالغة والتشدد فى التعامل الأولى عند فتح الحساب ، خاصة مع العملاء الذين لا تسفر هويتهم وسلوك تصرفاتهم المالية عن أية شكوك في أن مقاصدهم ستكون غير مشروعة.
وليس هناك ما يمنع من إعادة النظر في الإجراءات والسياسات المرتبطة بغسل وتمويل الإرهاب بحيث يتم منح مرونة أكبر لفتح الحسابات ، بما يساعد على تحقيق أهداف الشمول المالي ، وتشجيع وتحفيز المصرين من حائزي النقد الأجنبى على التوجه للبنوك وفتح حسابات ، واستخدامات المنتجات الجديدة الدولارية ، وهو الأمر الذى يحقق مصالح العملاء والمصارف في آن واحد.
أخذا في الإعتبار أن القطاع المصرفي المصري أصبح لديه باع كبير في مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب ، و لديه قواعد بيانات محلية ودولية ضخمة تلعب دورا استباقيا في الكشف عن أية حالات اشتباه محتملة ، إلى جانب ما يملكه القطاع المالي المصرفي وغير المصرفي من تطبيقات و برامج إلكترونية متطورة لمحاصرة كافة الحالات المشبوهه المحتملة في مراحل التعامل المختلفة مع العملاء ، هذا بجانب الدور الحيوي والفعال الذى تلعبه وحدة مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب المصرية ، وتعاونها مع الوحدات الدولية المماثلة على المستوى الإقليمي والدولي ، وهو الأمر الذي يمثل رسالة طمأنة لكافة الجهات المستقبلة للعملاء في مصر ، لتوفير المزيد من الأريحية والمرونة عند استيفاء البيانات من العملاء ، تشجيعا لتدفق الأموال من كافة المصادر الخارجية والمحلية.
محمد عبد العال
خبير مصرفي