محمد عبد العال يكتب: التضخم مستورد ومؤقت والأغلب أن تبقى الفائدة كما هي!!

إن لجنة السياسة النقدية تراعي دائما أن تتوافق توجهاتها وفقا لتطور الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية ولصالح الاقتصاد المصري والمواطنين

تترقب الدوائر المهتمة قرار لجنة السياسة النقدية ، المنبثقة عن البنك المركزي المصري الموقر ، بشأن أسعار الفائدة ، وذلك في اجتماعها المرتقب يوم الخميس المقبل الرابع والعشرين من مارس الجاري.

وبالطبع ، وكما هو معتاد ، ستحرص اللجنة على اتخاذ قرارها بما يتوائم مع مستحدثات الظروف العالمية الجيوسياسية والجيواقتصادية المعاصرة ، آخذة فى اعتبارها هدفين إستراتيجيين ، أولهما الحرص على الحفاظ على قوة دفع النمو للأنشطة الاقتصادية وزيادة التشغيل ودعم الاقتصاد في مواجهة تداعيات ثانى أزمة عالمية تلى جائحة كورونا وفى خلال الثلاث سنوات الأخيرة ، وثانيهما احتواء التضخم.

وحقيقة الأمر لقد تباينت الآراء بشدة ، ولكن رغم ما يسود الساحة من تأييد واسع للتوجه لرفع الفائدة ، استناداً على ما يسود العالم بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية ، من موجة تضخم سعرية عالمية ، شملت كل أنواع السلع ، وعلى رأسها الطاقة والحبوب ، والتي انعكست فعلا في معدلات التضخم المحلي لدينا ، حيث ارتفع معدل التضخم العام الصادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء في آخر فبراير الماضي إلى 10% مقابل 8% فى يناير السابق عليه ، كما ارتفع معدل التضخم فى المدن المصرية إلى 8.8% فى شهر فبراير مقابل 7.3% فى يناير ، وبالتوازي ارتفع معدل التضخم الأساسي المعد من قبل البنك المركزي المصري إلى 7.2% في شهر فبراير مقابل 6.3% في شهر يناير السابق ، وهو الأمر الذي يُعَوْل عليه أصحاب هذا الرأي فى ضررورة العودة لتقييد السياسة النقدية والتوجه للرفع المتدرج للفائدة لتحجيم التضخم والسيطرة عليه ، أسوة بالاتجاه العالمي السائد.

على الجانب الآخر ، ومع كل الاحترام لمؤيدي رفع الفائدة ، إلا أنه يتعين أن نوضح أن رفع الفائدة في هذا التوقيت قد يكون له محاذير وتداعيات سلبية على بعض مؤشرات الاقتصاد القومي ، وقد تكون تكلفتها أو سلبياتها أكبر بكثير من أية تداعيات إيجابية لرفعها.

وللتدليل على ذلك دعنا نقارن بين بعض دواعي إبقاء الفائدة أو تثبيتها على ماهى عليه من ناحية ، مقابل بعض مميزات رفعها من ناحية أخرى:

دواعي تثبيت الفائدة:

⁃ نلاحظ أنه رغم ارتفاع معدل التضخم العام في المدن إلى 8.8% ، ومعدل التضخم الاساسى إلى 7.2% ، ولكنهما ما زالا قابعين تحت النطاق المستهدف من البنك المركزي المصري حتى نهاية عام 2022 ، (7% بزيادة او نقص 2%) ، أي أن الحد الأقصى لمعدل التضخم الذى يُعول عليه هو 9% ، آخذين فى الاعتبار أن البنوك المركزية تتأنى عند إدارتها لسياستها النقدية ، وتعطي للأسواق فرصة كافية للتأكد من استقرار اتجاه منحنى معدل التضخم ، ولهذا تستند في الغالب على التغيرات التي تحدث فى معدل التضخم الأساسي ، الذي لا يدخل فى اعتباره تغيرات السلع شديدة التقلب أو الموسمية أو تلك المحددة بقرارات إدارية ، ومن ثم فهي تعطي فرصة للتأكد أن اتجاه الأسعار سوف يستمر فترة معقولة لا تقل عن ثلاثة أشهر ، وأن معدل التضخم قد تجاوز النطاق المستهدف بنقطتين على الأقل
وفي هذا أستشهد بقرار المركزي الأمريكي ، الذي أجل قراره للتوجه إلى تقييد السياسة النقدية فترة طويلة ، قبل أن يرفع الفائدة، وصل فيها معدل التضخم إلى 7.5% بينما كان الحد المستهدف هو 2% فقط، إذن قد يكون التسرع فى تقييد السياسة النقدية غير مبرر له حاليا.

⁃ ظاهرة التضخم السائدة لدينا وفي كل العالم هي ظاهرة مركبة ، يساهم فيها الضخم المستورد بحدود 35% والباقى نتيجة التسعير الإداري ونقص الإمدادات لبعض السلع الموسمية ، وفى مثل هذا النوع من التضخم ، الناتج فى مجمله عن خلل فى جانب العرض السلعي وليس خللاً في عرض النقود ، لا تنجح سياسة رفع الفائدة في كبح جماحه ، كما سبق أن فعلنا فى معالجة التضخم الذي صاحب بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي.

⁃ إن رفع سعر الفائدة قد يزيد من أعباء الدين العام المحلي ، خاصة أن فوائد الاقتراض تستحوذ على جزء كبير من بند مصروفات الموازنة.

⁃ رفع الفائدة سوف يرفع من تكاليف تمويل الشركات الكبرى ( خارج المبادرات ) ، وهو ما ينعكس مباشرةً على رفع أسعار بيع السلع للمستهلك النهائي، بما يعني المساهمة المباشرة في توليد موجات تضخمية سعرية جديدة وليس العكس.

⁃ قد يؤدي تقييد السياسة النقدية إلى تفضيل بعض المستثمرين في الأنشطة الاقتصادية المختلفة هجرة استثماراتهم ، وهذا يعني احتمال تعطل بعض المصانع وزيادة معدلات البطالة، ومن ثم تباطؤ النمو الاقتصادي ، ومن ثم يتعين علينا دراسة تأثير رفع سعر الفائدة على معدلات التشغيل على المدى القصير والمتوسط ، إن استقرار معدل التشغيل ونمو فرص العمل هو أحد أهم المحاور الإستراتيجية.

⁃ قد يدفع ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة ديون القطاع العائلي وتكاليف خدمات التجزئة ، مما يدفعهم لتقليص الطلب على خدمات التجزئة المصرفية ، وانكماش الطلب الاستهلاكي.

دواعي رفع الفائدة:

⁃ كما ذكرنا أن أهم مستهدفات رفع الفائدة نظرياً هو كبح التضخم ، ولكن لماذا التسرع فى الرفع وهذا التضخم المستورد قد يكون بدرجة كبيرةً مؤقتا؟! .. ونتوقع انخفاض معدلات التضخم العالمية والمحلية تدريجيا فور انقضاء أسبابها الجيوسياسية ، وتبدو الآن فى الأفق معالم جادة للتفاوض لوقف الحرب ، وأن الجميع فى النهاية سيخرج منتصراً ، إما بقبول الحلول الوسط أو بشمول الضرر ، وهو ما يؤدى مباشرة إلى عودة تواصل سلاسل الإمداد والتجارة العالمية واستقرار الأسعار.

⁃ المتطلب الثاني المبرر لرفع الفائدة ، وهو أمر مهم فعلاً ، هو أن رفع سعر الفائدة أحد أهم عناصر جذب الاستثمار الأجنبي غير المباشر فى أوراق الدين العام المحلية ، حيث أن رفع الفائدة يحسن العائد الحقيقي المتحقق لهم بين معدل التضخم المرتفع حاليا ومعدل العائد المحصل على استثماراتهم في أوراق الدين العام ، بعد خصم الضرائب ، خاصة وأن المركزي الأمريكي متجه لرفع أسعار الفائدة على الدولار عدة مرات هذا العام ، وهذا طبعا صحيح ، ولكن فى ظروف الحروب والأزمات يهتم المستثمرون الأجانب بعنصر المخاطرة وليس العائد ، وهنا أذكر بما حدث عقب الجائحة ، حين تراجع حجم استثمارات الأجانب فى أوراق الدين المصرية ليصل إلى نحو عشرة مليارات دولار فقط ، رغم أن الجنيه المصري فى ذلك الوقت كان يحقق أكبر عائد حقيقي مقارنة بالدول الناشئة ، ثم عادت الأرقام للصعود تدريجيا ، بعد أن بدأ التعافي الاقتصادي العالمي لترتفع إلى 33 مليار دولار فى اغسطس 2021.

إذن رفع الفائدة على الجنيه المصري ، وفى الوقت الذي يرفع فيه المركزي الأمريكي الفائدة على الدولار ، ومع استمرار التوتر الجيوسياسي ، سيكون لذلك تأثير محدود على تدفق الاستثمار الأجنبي غير المباشر.

⁃ الميزة الأخرى .. يردد البعض أن رفع الفائدة سوف يصاحبه رفع الفوائد لصالح المدخرين من القطاع العائلي ، وهذا أيضا ممكن ، ولكن ليس له علاقة برفع سعر الفائدة التأشيري.

وكما نرى هناك شهادات في بعض البنوك المصرية تمنح 11% ، وهي أعلى من الأسعار المعلنة من المركزي ، وهناك أيضا قروض للشركات بأسعار مميز فى نطاق المبادرات تقل عن الأسعار الاسترشادية الرسمية.

الخلاصة:

فى تصوري ، وقد أصيب أو أخطئ ، ولكن في نطاق الاجتهاد الشخصي ، يمكن القول إن لجنة السياسة النقدية قد ترى أن نسبة كبيرة من التضخم الحالي هو مستورد ومؤقت ، وأن معدل التضخم المعلن لم يصل بعد إلى التوجه بتقييد السياسة النقدية ، وأن الأمر يقتضي التركيز على ضمان استمرار قوة الدفع للنمو الاقتصادي والتشغيل ، وإبقاء أسعار الفائدة على ما هي عليه.

إن لجنة السياسة النقدية تراعي دائما أن تتوافق توجهاتها وفقا لتطور الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية ، ولصالح الاقتصاد المصري والمواطنين ، وسوف تظل سياسة نقدية فائقة التيسير شديدة المرونة فى دفع النمو الاقتصادي ودعم الاقتصاد القومي ، والحفاظ على استقرار الأسعار ، واتخاذ كل الخطوات والإجراءات التي تتطلبها مستحدثات الأحداث العالمية والمحلية ، وهذا ما تؤكده دائماً لجنة السياسة النقدية الموقرة فى بياناتها.

محمد عبد العال
خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى