بنوك مركزية عالمية تجتمع خلال أيام لاتخاذ قراراتها الأخيرة بشأن السياسة النقدية للعام الجاري

بلومبرج : يواجه أغلب مسؤولي السياسات النقدية ضغوطاً من قبل الأسواق المالية لتفسير أسباب تباطئهم في التحول إلى التيسير النقدي

يقترب قادة البنوك المركزية في عواصم العالم المختلفة، من واشنطن إلى فرانكفورت ولندن وغيرها، من اتخاذ قراراتهم الأخيرة بشأن السياسة النقدية للعام الجاري، وسط حالة من عدم الارتياح إزاء تطورات دورة التضخم العالمية ، بحسب بلومبرج

ويُنتظر أن يجتمع في الأيام المقبلة صُناع السياسة النقدية في نصف بلدان مجموعة الدول العشر صاحبة العملات الأكثر تداولاً، لتحديد أسعار الفائدة في 60% من الاقتصاد العالمي، وذلك خلال فترة زمنية لا تتعدى 60 ساعة.

وأبرز هذه الاجتماعات هو اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المقرر يوم الأربعاء المقبل، تليه اجتماعات بنوك مركزية أخرى يوم الخميس، من بينها اجتماع البنكين المركزيين لمنطقة اليورو والمملكة المتحدة.

وبحسب بلومبرج ، يواجه أغلب مسؤولي السياسات النقدية ضغوطاً من قبل الأسواق المالية لتفسير أسباب تباطئهم في التحول إلى التيسير النقدي، باستثناء النرويج، التي قد تتجه إلى رفع تكاليف الاقتراض.

ودفع ضعف بيانات التضخم الذي تزامن مع وجود بعض الأدلة على تباطؤ الاقتصادات المستثمرين إلى تعزيز رهاناتهم على تخفيضات أسعار الفائدة في النصف الأول من 2024 ، وهي وجهة نظر قد تتعارض مع شعار تبناه بنك الاحتياطي الفيدرالي وأقرانه قبل ثلاثة أشهر فقط، والمتمثل في مقولة “فائدة أعلى لفترة أطول”.

وفي أميركا اللاتينية، التي قادت الاتجاه الصعودي في رفع أسعار الفائدة، تبدو معظم البنوك المركزية في طريقها بالفعل إلى خفض معدلات الفائدة، وقد تخفض كل من البرازيل وبيرو أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

لكن البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا، ليست متأكدة من السير في الاتجاه ذاته. فهي، وبعدما بدأت عام 2023 بزخم في زيادة تكاليف الاقتراض، يبدو أنها تنهي العام بتردد كبير، الأمر الذي يمهد الطريق لما قد تكون مواجهة طويلة مع المستثمرين.

وقالت جويس تشانغ، رئيسة قسم الأبحاث العالمية لدى بنك جي بي مورجان، لتلفزيون بلومبرج : “محافظو البنوك المركزية يقولون حسناً، نحن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا الانكماش مستداماً ، نعتقد أنه لا يجب التطلع إلى خفض أسعار الفائدة حتى النصف الثاني من العام.

ويُتوقع على نطاق واسع أن يحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة القياسي عند أعلى مستوى له خلال عقدين، حيث يقيّم صُناع السياسات التأثير المتأخر لسلسلة الزيادات الحادة لأسعار الفائدة منذ أوائل 2022.

وعندما يجتمع رؤساء البنوك الاحتياطية في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء لبدء جولة مداولات تستمر يومين، ستكون أمامهم بيانات تضخم جديدة ، وعادةً ما يُنظر إلى مؤشر أسعار المستهلك الأساسي ، باعتباره معززاً لتوقعات تفيد بأن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول سيعترف خلال مؤتمره الصحفي في اليوم التالي بالتقدم المحرز بشأن التضخم، وكذلك مخاطر ضغوط الأسعار الثابتة.

ويُتوقع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي لشهر نوفمبر، والذي يستثني الغذاء والوقود لتكوين صورة أفضل بشأن التضخم الأساسي، بنسبة 0.3% مقارنة بارتفاعه 0.2% في الشهر السابق. كما يتوقع أن يكون هناك ارتفاع بنسبة 4% مقارنة بالعام الماضي، مما يشير إلى انحسار التضخم تدريجياً فقط.

وتأتي أرقام التضخم في أعقاب تقرير سوق العمل القوي الصادر يوم الجمعة الماضي، والذي أظهر نمواً صحياً في التوظيف والأجور، إلى جانب انخفاض معدل البطالة.

مع ذلك، هناك مؤشرات على تباطؤ الطلب في شتى أنحاء الاقتصاد مع اقتراب العام من نهايته. ومن المتوقع أن تكشف بيانات مبيعات التجزئة لنوفمبر التي تصدر الخميس تحوّل المستهلكين بأن يصبحوا أكثر حذراً.

وفي نهاية الأسبوع يُتوقع أن تظهر أرقام الإنتاج الصناعي انتعاشاً جزئياً في إنتاج المصانع مع عودة عمال السيارات المضربين إلى خطوط التجميع.

وفي رأي بلومبرج إيكونوميكس”:يفتقر بنك الاحتياطي الفيدرالي للحافز الذي يدفعه إلى خفض أسعار الفائدة، خشية أن تزداد الظروف المالية سوءاً. على الرغم من احتمال عدم توجه اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في ديسمبر بالكامل نحو تأييد تسعير سوق السندات لخفض حاد في أسعار الفائدة خلال العام المقبل بالكامل، فإننا نعتقد أنهم سيصلون إلى حل وسط”.

وربما تحاول رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد تخفيف توقعات السوق التي تشير إلى خفض البنك لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال أبريل.

وعلى الرغم من أن منطقة اليورو قد تواجه ركوداً اقتصادياً، مع اعتراف صُناع السياسات بأن سوق العمل تُظهِر علامات تحول، فإنهم غير مقتنعين تماماً بأن الخطر الذي يهدد أسعار المستهلك قد انتهى، ويريدون رؤية المزيد من بيانات الأجور.

ووصفت إيزابيل شنابل، عضوة المجلس التنفيذي للمركزي الأوروبي، تباطؤ التضخم حتى الآن بأنه “ملحوظ”، وقالت إن رفع أسعار الفائدة أكثر، أمر غير مرجح الآن ، لكنها لم تقدم المزيد من المعلومات، فيما اعتبر أحد زملائها، بيتر كازيمير من سلوفاكيا، توقعات خفض أسعار الفائدة في الربع الأول من 2024 بأنها “خيال علمي”.

ومن المقرر أن تقدم لاجارد توقعات جديدة، مصحوبة بوجهة نظر عامة حول المخاطر التي تهدد النمو والتضخم، والتي ستكون على الأرجح عنصراً أساسياً في رسائل البنك المركزي الأوروبي لمواجهة تكهنات السوق.

وتقول بلومبرج إيكونوميكس :”نظراً للمخاطر المتعلقة بتوقعات التضخم، ربما يكون البنك المركزي الأوروبي غير راضٍ عن توقعات المستثمرين بخفض أسعار الفائدة في مارس. وربما توضح لاغارد ذلك في المؤتمر الصحفي. لكن وجهة نظرنا تظل تشير إلى أن الخفض الأول سيأتي في يونيو، وربما نخاطر باتخاذ إجراءات مبكرة”.

في السياق ذاته يُتوقع أن يبقي بنك إنجلترا أسعار الفائدة دون تغيير للاجتماع الثالث على التوالي، مع تحذيره من أن المعركة ضد التضخم لم تنته بعد.

وفي ظل الصعوبات التي تواجه اقتصاد المملكة المتحدة/ ودخوله في أفضل الأحوال في ركود العام المقبل، يراهن المستثمرون على أن لجنة السياسة النقدية ستبدأ في خفض تكاليف الاقتراض التي بلغت الآن أعلى مستوياتها منذ 15 عاماً عند 5.25% في يونيو.

ومع ذلك يُرجح أن يكرر المسؤولون توجيهاتهم بأن السياسة النقدية يجب أن تظل مقيدة لفترة “ممتدة” لمنع التضخم من الارتفاع فوق المعدل المستهدف البالغ 2% وسط سوق عمل ضيقة، بجانب ضغوط الأسعار في قطاع الخدمات. من المقرر أن يعلن بنك إنجلترا قراره ظهر يوم الخميس.

وتقول بلومبرغ إيكونوميكس : “نتوقع أن يؤكد بنك إنجلترا رسالته بأن السياسة النقدية ستظل مقيدة على الأرجح لفترة طويلة، خصوصاً أن تضخم الخدمات مرتفع للغاية، وهناك علامات أولية على أن الاقتصاد ربما استعاد بعض الزخم في الربع الرابع. لا تزال الطريق طويلة للوصول إلى معدل للتضخم عند 2%”.

ويعد معدل التضخم في سويسرا أقل من نظيره في منطقة اليورو المجاورة، بل إنه انخفض الآن إلى مستوى أقل كثيراً من السقف الذي يستهدفه صناع السياسات والبالغ 2%.

وتشير التكهنات إلى عدم خفض أسعار الفائدة بالسرعة ذاتها التي دفع بها البنك المركزي الأوروبي الفرنك السويسري إلى أعلى مستوياته منذ أن تخلى البنك الوطني السويسري عن سقف العملة قبل تسعة أعوام.

ومع ذلك فإنه وفي ظل ضعف نمو الاقتصاد السويسري، سيظل المسؤولون يواجهون أسئلة حول احتمال خفض تكاليف الاقتراض في الوقت المناسب عندما يكشفون عن قرارهم الأخير يوم الخميس.

كما يواجه بنك النرويج خياراً صعباً بشأن ما إذا كان سيمضي قدماً في رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية ، ويمكن أن تشجع البيانات الأخيرة المسؤولين على تجاهل ضعف عملة الكرونة التضخمي المحتمل والبقاء في وضع الانتظار مع تباطؤ الاقتصاد.

ويُتوقع حدوث ركود في الربع الحالي قبل الانكماش في بداية 2024، حيث تتحمل الشركات مزيداً من فائض الطاقة الإنتاجية ومشكلات أقل في التوظيف، حسب مسح رئيسي للمعنويات أجراه البنك المركزي هذا الأسبوع.

في الوقت ذاته، تشهد أنشطة البناء انخفاضاً حاداً وتباطؤ أنشطة التجزئة، حتى مع تخفيف قطاع الوقود الأحفوري في النرويج بعض التداعيات الناجمة عن التضخم المرتفع وارتفاع تكاليف الائتمان. ويأتي قرار البنك النرويجي يوم الخميس.

وبعد رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 200 نقطة أساس في أكتوبر، سيحتاج بنك روسيا على الأرجح إلى رفع سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية أخرى إلى 16% يوم الجمعة، حيث يسعى صُناع السياسة إلى إعادة التضخم إلى هدفهم البالغ 4%، وفقاً للاقتصادي في “بلومبرغ إيكونوميكس روسيا” ألكسندر إيزاكوف.

يأتي ذلك في الوقت الذي يتوقع فيه أن يخفض البنك المركزي البرازيلي، بقيادة روبرتو كامبوس نيتو، سعر الفائدة للمرة الرابعة على التوالي بمقدار نصف نقطة مئوية يوم الأربعاء، إلى 11.75%، وذلك تحقيقاً للتوقعات المتكررة.

كما يُتوقع على نطاق واسع أن يؤدي الاقتصاد المنتعش والتضخم الذي تباطأ إلى النطاق المستهدف، إلى إبقاء البنك المركزي البرازيلي على هذه الوتيرة خلال الربع الأول من 2024.

وعند هذه النقطة ربما يبطئ مجلس إدارة البنك وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة، اعتماداً على حالة التراجع العالمية وتوقعات التضخم المحلية طويلة المدى، والتي تظل أعلى من الهدف عبر أفق التوقعات بالكامل.

وعادةً لا يواجه بنك المكسيك مفاجآت حمائية، لكن يُتوقع صدور قرار بالإجماع يوم الخميس بالإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى قياسي يبلغ 11.25% للاجتماع السادس على التوالي.

وبالنظر إلى الوضع المستقبلي، فإن تباطؤ التضخم الأساسي وتراجع مكون الخدمات جعلا محافظة البنك فيكتوريا رودريغيز تقول إن مناقشة خفض أسعار الفائدة قد تبدأ في أوائل 2024. يشير الإجماع بين المحللين إلى بدء دورة التيسير خلال الربع الأول.

ويُتوقع أن يجد البنك المركزي في بيرو خلال اجتماع ديسمبر المقرر انعقاده يوم الخميس أيضاً، أن الاقتصاد في حالة ركود ويعاني من أشهر متتالية من الانكماش، ما قد يدعو إلى خفض قدره 50 نقطة أساس لأسعار الفائدة بعد ثلاثة تخفيضات متتالية بمقدار ربع نقطة مئوية.

ومع ذلك فإن المخاطر الصاعدة للتضخم الناجمة عن الاضطرابات المرتبطة بظاهرة “أل نينيو” والاضطرابات السياسية المستمرة، يُرجح أن تجعل رئيس البنك المركزي المخضرم خوليو فيلاردي يواصل مساره ويخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 6.75% من 7%.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى