جدل شديد حول الموعد المرتقب لخفض الفائدة الأمريكية

عززت الأرقام الرهانات على أن التحول للتيسير النقدي في مارس لا يزال بعيد المنال إلى حد كبير

يجتمع جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وزملاؤه الأسبوع المقبل، وسط جدل شديد بأسواق المال حول الموعد المرتقب لخفض الفائدة.

ومع تأكيد صناع السياسات النقدية على حاجتهم لرؤية علامات تباطؤ مستدامة قبل خفض تكاليف الاقتراض، عززت الأرقام الرهانات على أن التحول للتيسير النقدي في مارس لا يزال بعيد المنال إلى حد كبير.

وبحسب بلومبرج ، فإن الأمر لا يعني أن المستثمرين قد تخلوا عن رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة في الربع الأول، لكنهم يواصلون التوقع بالكامل تحرك الاحتياطي الفيدرالي في مايو ، وبطبيعة الحال، سيتوقف كل هذا على التقارير الاقتصادية العديدة المنتظرة، كما أن التأثيرات الناجمة عن الاضطرابات في الشحن لم تحدث بعد.

وقالت كوينسي كروسبي، كبيرة الاستراتيجيين العالميين لدى “إل بي إل فاينانشال”: “التوقعات لا تزال تدور حول أن الاحتياطي الفيدرالي سيناقش متى، وليس هل سيبدأ دورة خفض أسعار الفائدة ، فمن المرجح أن ينتظر الاحتياطي الفيدرالي حتى مايو أو يونيو لبدء خفض أسعار الفائدة، ما لم تؤكد مجموعة البيانات المرتبطة بالتضخم في الشهر المقبل بشكل حاسم على أن المسار نحو 2% أصبح واضحاً”.

من السابق لأوانه أن يعلن صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة الانتصار في مهمتهم لمكافحة ارتفاع الأسعار مع انتقال الاقتصاد من نقطة التضخم الجيد إلى بيئة أكثر تحدياً في المستقبل، وفق الدكتور محمد العريان الخبير الاقتصادي العالمي.

وقال العريان، لتلفزيون بلومبرج أمس الجمعة، إن أداء أكبر اقتصاد في العالم في الربعين الثالث والرابع كان “رائعاً”.

أضاف: “الخطر الأكبر أمام الإدارة هو أن الاقتصاد سيتباطأ هذا العام لأن بعض محركات النمو في العام الماضي لم تعد موجودة ، والأمر الثاني، التضخم يتوقف عن الانخفاض”.

من جهتها، قالت سوليتا مارسيلي، من “يو بي إس جلوبال ويلث مانجمنت” : “لا تزال البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة تشير إلى ظروف حميدة للأسواق، وسط نمو قوي، واعتدال التضخم، وآفاق خفض أسعار الفائدة”.

أضافت: “نتوقع أن يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالارتياح لخفض أسعار الفائدة بدءاً من شهر مايو، رغم أن هذا سيتطلب على الأرجح المزيد من الإشارات على أن قوة الاقتصاد تهدأ من الآن وحتى ذلك الحين”.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تبقي اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أسعار الفائدة عند نفس مستوياتها للاجتماع الرابع على التوالي في الاجتماع المرتقب في واشنطن يومي 30 و31 يناير. لكن التركيز الحقيقي سيكون على ما ينتظرنا في اجتماع مارس وما بعده.

أما كارل ريكاردونا من “بي إن بي باريبا”، فيرى أنه من المرجح أن يميل الاحتياطي الفيدرالي لاستبعاد التخفيضات الوشيكة ، في حين أنه لا يمكن استبعاد خطوة مارس إذا كانت البيانات تبرر ذلك، إلا أنه يقول إنه يتوقع بشكل أساسي خفض أسعار الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس هذا العام، بدءاً من مايو.

وأشار إلى أنه “قد يظل هناك تحيز متشدد خافت في البيان، على الرغم من أننا نعترف بأن الأمر سيكون وشيك”.

وأوضح: “إذا لم يكن الأمر كذلك، فإننا نتوقع من اللجنة تقديم لغة تشير إلى نهج صبور قبل تعديل إعدادات السياسة النقدية. كما إن التخفيف الأخير في الظروف المالية وعلامات قوة الاقتصاد قج تمنح اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بعض الوقت للحكم على ما إذا كان التضخم يتقارب بشكل مستدام مع هدف 2%”.

في الواقع، يمكن القول إن باول وزملاءه يمكن أن يأخذوا وقتهم قبل بدء تيسير السياسة النقدية لأنهم لن يخفضوا أسعار الفائدة لمواجهة الانكماش الاقتصادي، كما حدث في كثير من الأحيان في الماضي. وبدلاً من ذلك، يتعين عليهم معايرة السياسة النقدية بحيث تعكس انخفاضاً حاداً مفاجئاً في التضخم من أعلى مستوى له منذ عدة عقود منذ عام ونصف العام.

“يبدو أن الهبوط السلس أصبح واضحاً بشكل متزايد، وفق ديفيد راسل من “تريد ستيشن”.

أضاف: “السؤال المهم الآن هو مدى سرعة قيام جيروم باول بتيسير السياسة النقدية عندما لا تكون هناك حاجة فورية لذلك ، البيانات ستصبح أقل أهمية في المستقبل، والمناقشات الداخلية داخل الاحتياطي الفيدرالي هي الأكثر أهمية”.

من جهة أخرى، يرى غوس فوشر من “بي إن سي” إن الاحتياطي الفيدرالي لا يحتاج إلى بلوغ معدل التضخم 2% على أساس سنوي لخفض أسعار الفائدة، ولكنه سيكون حذراً نظراً لاحتمال أن يؤدي ضيق سوق العمل والنمو القوي للإنقاق الاستهلاكي إلى إشعال الضغوط التضخمية من جديد.

وقال جيفري روتش، من “إل بي إل فاينانشال”، إنه مازال أمام الاحتياطي الفيدرالي المزيد من العمل الذي يتعين عليه القيام به، ولا ينبغي له أن يستسلم لإغراء الإعلان أن “المهمة انتهت”.

وقال كريشنا جوها، من “إيفر سكور” : “مع السيطرة بشكل كبير على التضخم، يتحول السؤال بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى كيفية الحفاظ عليه عند هذا المستوى، وعلى وجه الخصوص، إلى أي مدى يمكن خفض أسعار الفائدة في 2024 لتحقيق بيئة أكثر حيادية”.

وأضاف: “لا يزال النمو قوياً في الوقت الحالي، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن أن يكون النمو المحايد على المدى القصير أعلى مما تشير إليه معظم التقديرات، وهو ما يفضل أيضاً الانتظار لفترة أطول قليلاً وعدم التسرع في مارس”.

وبجانب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل، سيتابع المتداولون عن كثب أحدث أرقام سوق العمل.

وتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت بلومبرج آراءهم أن ترتفع كشوف الأجور الأميركية بنحو 180 ألف وظيفة في يناير بعد زيادة قدرها 216 ألف وظيفة في ديسمبر.

وعندما تقوم وزارة الخزانة بمعاينة أحجام مزادات الأذون والسندات للأشهر الثلاثة المقبلة في 31 يناير، فمن المرجح أن تكون بعض الأحجام المتوقعة هي الأكبر التي شهدها المستثمرون على الإطلاق.

وانخفضت عائدات السندات بحدة منذ أكتوبر تحسباً لأن الاحتياطي الفيدرالي، الذي رفع أسعار الفائدة 11 مرة خلال العامين الماضيين لوقف ارتفاع التضخم، سيبدأ في خفضها هذا العام.

وأغرقت الشركات والحكومات الأسواق الدولية بـ721 مليار دولار من الديون الجديدة هذا الشهر، وهو مبلغ قياسي شهد حرص المستثمرين على تحمل مخاطر الائتمان في حين لا يزال العائد وفيراً. فالمستثمرون شرهون في الأسواق الأولية، حيث يقبلون على الديون ذات العائدات المرتفعة قبل أن يبدأ محافظو البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة.

وسيُكشف خلال الأسبوع المقبل أيضاً بنتائج بعض الشركات العملاقة التي عززت نهوض الأسهم الأميركية من قاع أكتوبر 2022، بما في ذلك شركات “أبل”، و”مايكروسوفت”، و”ألفابت” -الشركة الأم لـ”جوجل”.

ورغم أن هوس الذكاء الاصطناعي والتفاؤل الاقتصادي المتزايد ساعدا في رفع أسعار الأسهم، إلا أن موسم أرباح الربع الرابع الحالي سيكون عاملاً رئيسياً في تحديد اتجاه الأسهم هذا العام ، خاصة في ظل انقسام الخبراء في الآونة الأخيرة، حيث يرى البعض أن هذا الارتفاع القوي هو علامة على تشبع السوق شرائياً، بينما يتوقع البعض الآخر استمرار الصعود في المستقبل.

وقال مارك هاكيت من “نيشن وايد” :”تم تعزيز الصعود الفني المثير للإعجاب هذا الأسبوع ببيانات الاقتصاد الكلي المشجعة ، فقد خففت البيانات الاقتصادية المثالية (النمو القوي، وتقهقر التضخم) من مخاوف المستثمرين قبيل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل ، في حين أن البيانات الاقتصادية وبيانات السوق مثيرة للإعجاب، فإن النتائج المختلطة لموسم الأرباح يمكن أن تكون بمثابة رياح معاكسة، رغم أننا سنعرف المزيد بعد إعلانات نتائج الأعمال الكثيرة المنتظرة الأسبوع المقبل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى