محمد عبد العال يكتب: أين أنفق المصريون المليارات فى العيد؟

في أقل من أسبوعين ، وقبل أجازة عيد الأضحى ، ومن ثلاثة بنوك فقط ، سحب المصريون ما يزيد عن ثلاثين مليار جنيه نقداً ، من الصرافات الآلية ، وربما يتضاعف هذا الرقم إذا أخذنا في الإعتبار ما سُحب من البنوك الأخرى.

إنه رقم كبير يعكس مضمونه مجموعة من الدلالات الإجتماعية والإقتصادية من أهمها :

* تعكس ضخامة هذا الرقم مدى التقدم الذي حققته وحدات الجهاز المصرفي فيما يتعلق بخطط التحول الرقمي ، سواء فى مجال التطبيقات والخدمات والمنتجات المقدمة ، أو في جانب البنية التحتية ، لقد كان الجهاز المصرفى رائداً فى دفع عمليات التحديث والتطوير ودفع خطط التحول الرقمي ، وعلى رأسها نشر وحدات من الصرافات الآلية للسحب والإيداع ، لتكون فى متناول العملاء طوال الأربع والعشرين ساعة بسرعة ويسر مع إعفاء تام من كافة المصروفات والعمولات.

* تعكس ضخامة هذا الرقم أيضاً أننا فى حاجة إلى تكثيف جهود التوعية لرفع ثقافة التحول الرقمى ، وأهم مظاهره التحول إلى مجتمع غير نقدى ، يكون استخدام ” الكاش ” فيه في أضيق نطاق ممكن.

* لقد تم سحب مبالغ كبيرة ولم تقصر البنوك ولم تتردد الصرافات الآلية فى الاستحابة ، ولكن أين أنفق المصريون تلك المبالغ ؟

* لن تخرج أوجه ومجالات الإنفاق عما هو معتاد ويميز سلوك المصريين في الأيام السابقة على الأعياد ، ففي كل الأيام السابقة على الأعياد ، حيث تتركز عمليات إتمام الزواج وتكاليفها الباهظة من سداد مهور وإعداد الجهاز وشراء الشقق ، وهناك تكاليف ملابس العيد الجديدة والأضاحي والعيديات ، ولا مانع من تجديد بعض الأثاث وشراء أجهزة كهربائية جديدة ، وهناك من يفضل اقتناء بعض القطع من الذهب عيار 24 كنوع من الإدخار فى ملاذ آمن ، ولا ننسى أن هذا التوقيت يتوافق مع ضرورة التوجه إلى أحد المصايف لقضاء أسبوع أو أسبوعين ينفق فيه على أسرته ومتطلبات الأجازة مبلغا لا باس به ، والبعض يأخذ فى اعتبارة إحتياجات ومصروفات المدارس بعد العودة من الأجازة مباشرة.

* بالطبع سحب مثل تلك المبالغ وأضعافها ، لا يؤثر في درجة سيولة البنوك ، حيث يمتلك الجهاز المصرفى درجة عالية وقوية من السيولة ، كما أن عوائد الشهادات الإدخارية ذات العائد المميز تتيح لأصحابها من القطاع العائلي قدراً مناسباً من الدخل الشهري الحقيقى تتيح له التمتع بالإنفاق ، وهو أمر حميد ، حيث أن ذلك يساعد على مقاومة أي مظاهر للركود نتيجة تداعيات كورونا ، حيث أن إنفاق القطاع العائلي ينشط الإقتصاد ويزيد من الطلب المشتق على السلع والخدمات ، ويتحسن مؤشر مديرى المشتريات ، وتتحسن أرباح المنتجين فيزيدون من مستوى إنتاجهم فتزداد فرص العمل وتنخفض معدلات البطالة ، وهو أمر إيجابى فى عملية دوران ونمو الإقتصاد القومي فلا إنتاج بدون إستهلاك.

* ولا أعتقد أن تلك الموجة من السحوبات الإستثنائية التي هي من الناحية النظرية ستزيد من عرض النقود المتاحة ، وهو ما يعنى احتمال تولد بعض الضغوط التضخمية ، صحيح أن هذا محتمل ولكن سيكون تأثيره محدود للغاية وسوف يظل رقم التضخم فى الحدود المتوقعة ، أحادي ، وقابعاً بين حدي معدل التضخم المركزى المستهدف الجديد أي 7% زائد او ناقص 2%، كما أننا لا يجب أن ننسى أنها كلها أيام معدودة ثم تعود الغالبية العظمى من تلك المبالغ المسحوبة إلى مأمنها الطبيعى بالمصارف مرة أخرى ، فمن سحبها سلمها لآخرين ، وهؤلاء يتعين أن يودعوها مرة أخرى فى حسباتهم المصرفية لمعاودة تمويل الحياة الاقتصادية.

محمد عبد العال

الخبير الاقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى