مصطفى عبده يكتب عن : معدل العائد الفعال …وقوة التركيز
المستوى الأول
ما هو معدل العائد الفعال؟ تتنوع وتتعدد معدلات العوائد فمنها المعلن ومنها الضمنى ومنها الاسمى ومنها الحقيقي، فعادة ما يعرف الشئ بضده ولذلك فإن معدل العائد الاسمي هو ذلك العائد المعلن والمتفق عليه بين طرفين والذي يٌكتب في التعاقدات أيضا، فمثلا عند الحصول على قرض من بنك ما فإنه يتم الاتفاق على مبلغ القرض الذي سوف يُحصل عليه وأيضا سيتفق حول معدل العائد الذي سوف يطلبه البنك لمنح ذلك القرض (ويمكن النظر إلى معدل العائد هنا على كونه السعر الذي يبيع به البنك منتجاته وخدماته المصرفية) ولكن بطبيعة الامور قد يكون هناك ما يسمي بالرسوم والمصاريف المدفوعة مقدماُ (upfront fees) أو المصاريف الادارية والتى أما ان تخصم من مبلغ القرض او أن تسدد مقدما، وهنا يظهر للمستثمر معدل العائد الفعال وأهميته فى اتخاذ القرارات الاستثمارية.
فعلى سبيل المثال إذا كان القرض بمبلغ مليون جنيه ومعدل العوائد 20 % اذا سيتم دفع ما قدره مليون ومئاتين الف جنيه عند سداد القرض وعوائده واذا كان هناك مصاريف مقدمة بمبلغ 100 ألف جنيه مثلا فهنا سيكون معدل العائد الفعال هو 22.2% وليس 20%(عبارة عن 200 الف عوائد مقسومة على 900 الف جنيه والتى تمثل صافي القرض المتحصل عليه).
ودعنا نتخيل المثال التالي لصديق ذهب لشراء كيلو فاكهة مثل الفراولة بمبلغ 20 جنيه للكيلو (وهذا هو السعر الأسمي والمعلن … والمتفق عليه) وعندما رجع لمنزله أكتشف (للتبسيط) أن نصف الكمية فاسدة ولا تصلح للاستخدام أي أنه إن كان يريد استخدام كيلو كامل فإنه يلزم أن يدفع 40 جنيه للحصول علي “كيلو واحد صالح للاستخدام” والذي يمثل هنا السعر الفعال (معدل العائد الفعال) وهو ” سعر ضمني ” ولم يتفق عليه وإنما هو السعر الحقيقي والفعلي لاستخدام المنتجات والحصول على الخدمات والمنافع المرتبطةبهم بعد تعديلها بالتدفقات النقدية المطلوبة للحصول على المنافع الكاملة من استخدام تلك المنتجات والخدمات.
المستوى الثاني
أكتوبر عام 2004م حضرت المؤتمر العالمي العاشر في القيادة من الألف إلى الياء بعنوان “الفاعلية في الأوقات المتغيرة “على يد نخبة من كبار القادة في العديد من المجالات وكان من ضمن المحاضرين رودلف جولياني ” Rudy Giuliani ” عمدة مدينة نيويورك والذي كان متأثرا في كلمته بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والذي اقتبس منه ” عندما أدخل أي مبني لأول مرة يكون محط تركيزي على أماكن المخارج والهروب من البداية لكي لا أصاب بالذعر عند حدوث مفاجأت أو أتأثر بمن حولي لأن الذعر يعمى عن إكتشاف المخارج من الاساس” ، والذعر هنا هو ” خطر ضمني ” بخلاف الخطر أو المفاجأة المعلنة.
وكان من ضمن المحاضرين أيضا دونالد ترامب الرئيس الامريكي السابق بوصفه أحد كبار رجال الاعمال وكان أغلب كلامه عن التركيز وأهمية التركيز في مجال الأعمال وذكر أنه كان لديه الكثير من الاصدقاء الذين فقدوا الاعمال الخاصة بهم لفقدهم القدرة على التركيز لتنمية وقيادة أعمال شركاتهم ومؤسساتهم وعندما يصدر هذا الكلام من أحد كبار رجال المال في أمريكا ممن يطلق عليهم “Tycoon”فإن ذلك يمثل إشارة مهمة على قوة التركيزوالتى يجب وضعها فوق أكثر من خط.
ولهذا لم أستغرب عندما قرأت في “صحيفة الجارديان” بعد ذلك التاريخ بعشر سنوات في عام 2014 مقالة عن شركة أفيفا “Aviva ” وهى شركة بريطانية من أحدى كبرى الشركات العالمية فى مجال التأمينات والتى يقع مقرها الرئيسي في لندن بالمملكة المتحدة والتى كانت تدرس وتبحث فكرة نقل مقرها الدائم خارج بريطانيا لأحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بعد الاستفتاء المزمع حدوثه بعد عامين من ذلك التاريخ وتحديداً في يونيو من عام 2016، وهذا ما يسمي بتحليل الضغوط “stress testing” والذي عادة ما يقصد به القيام بدراسة أسوء السيناريوهات (أو أصعبها) التى من الممكن حدوثها في ظل ظروف غير مواتية لدراسة المخاطر المحتملة (الضمنية والمتوقعة) وما سيترتب عليها من أثار وكيفية التعامل مع كل سيناريو على حدى ومع أثاره المحتملة وهنا يكون التركيز على الحلول المقترحة وليس على السيناريو نفسه.
المستوى الثالث
اختتمت المقالة السابقة والمعنونة بـ ” معامل بيتا وقوة التصورات الذهنية ” بلغز حول معامل بيتا المناسب… للعبارة الاتية ” أنك لن تستطيع إدخال دباسة معدنية … فى علبة كبريت كرتونية”.
وفي الحقيقة أعتبر هذه العبارة ” نظرية ” وليست مجرد ” لغز” لانه من البديهي أن علبة الكبريت لن تتحمل الضغط من محاولة إدخال الدباسة المعدنية ومن المؤكد أنها ستتحطم بإستمرار المحاولة بعكس الحال إن تم وضع الدباسة في درج المكتب أو على سطح المكتب او حتى وضعها في ميدان ، فمن المؤكد أنه كلما أتسع المجال كلما قلت الضغوط، فالدباسة هنا قد تكون موقف أو شخص أو أزمة أو حدث ما أو فكرة….الخ، وعلبة الكبريت قد تكون شركة أو ادارة أو حتى عقولنا وقدرتنا الاستعابية على حدوث الحدث أو الموقف أو الفكرة، فالنظرية قد تطلق على مجموعة من المشاهدات والتجارب أو تطلق على مجموعة من الافتراضات المنطقية ، هذا وكثيرا ما نشاهد أو نلاحظ أصدقاء يتعرضون لضغوط أو أزمات يؤدى التركيز عليها الى الأصابة بأمراض جسمانية أو نفسية وهذه ” تكاليف ضمنية ” غير معلنة لمجرد لأن الحدث أو الموقف أو الفكرة أصلب من أن يتم استيعابها.
وبعبارة أوضح قد تمر أزمات وأحداث لا يمكن للمرء استيعابها من شدة صعوبتها وصلابتها (وخاصة إن لم تكن في الحسبان أو لم يكن قد تم الاستعداد مسبقاً للتعامل معها بعكس الحال مع شركة ” أفيفا ” بالمثال أعلاه) وقد تكون أثارها بالتالى مدمرة على عدة مستويات منها جوانب مالية واقتصادية وأجتماعية وجمسانية ونفسية….الخوفى الحقيقة فإنه يمكننا دوما وفي أى وقت وضع هذه الفكرة أو الموقف بملف ووضعه على سطح المكتب أو حتى في ميدان عام.
وهنا تأتي أهمية وقوة التركيز وأهمية وقوة توجيه….هذا التركيز، بمعنى هل من المناسب بعد كل ما سبق أن يكون محط تركيزي على الدباسة (الحدث أو الموقف أو الازمة ….إلخ) أم توجيه… تركيزي لتوسيع المجال والنطاق الذي يحتوى ويستوعب كافة الاحداث ويتخير أسلوب التعامل الأمثل؟
الخلاصة
ما هو الرابط وحلقة الوصل بين كل المستويات السابقة ؟الرابط بين المستويات المذكورة هو أن أى قرار وخاصة الاقتصادي منه يحمل في طياته ثلاث عناصرأساسيةوهم عنصر “التكلفة” وعنصر “المخاطرة” وعنصر “العوائد”(والأخير هذا يمثل الدافع لتحمل التكلفة والمخاطرة من الاساس) وتلك العناصر يحملون في طياتهم جوانب ظاهرة معلنة وجوانب أخري ضمنية، والمستوي الاول تعرض لجانب العوائد في حين تناول المستوي الثاني جانب من المخاطر في حين تناولنا في المستوي الثالث بعض أنواع التكاليف الضمنية.
والإطار الذي يحمل تلك العناصر هو القدرة على توجيه التركيز نحو الأزمة ….. أو توجيه هذا التركيز نحو توسيع المجال الادراكي الكلي والذي يتضمن الحل من الخروج من الازمات أو أصعب السيناريوهات.
ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة ” النحل” الاية (78) ” والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون” صدق الله العظيم، أي أننا نحتاج لثلاث أدوات مجتمعين (وليس منفردين) وهم السمع والأبصار والأفئدة لكي نعلم ونستزيد من العلم الذي يساعدنا في اتخاذ القرار المناسب بعناصره الثلاثة، لذا اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن تكون أول أيه أنزلت من لدنه لخير العالمين وسيد المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم بأن أمر بالقراءة (لم يأمر الله سبحانه وتعالى في أول أيه أنزلت من لدنه بالسجود أو الحمد والتسبيح أو الركوع ….الخ مع أهميتهم البالغة) فقال سبحانه وتعالى بأول أية في سورة العلق “اقرأ باسم ربك الذي خلق” فبالقراءة يمكن أن يتحول عقل طفل صغير مثل علبة الكبريت إلى عالم كامل يستوعب الارض ومن وما عليها ومن ثم يتمكن بسهولة من توجيه تركيزه مع استخدام معامل بيتا المناسب.
فالقراءة المتأنية وباستخدام كل من السمع والأبصاروالافئدة قادرين على إفساح وتوسيع نطاق المجال الادراكي إلى حدوده القصوى وبما يغلق أية فجوات ذهنية محتملة لأي قرار وخاصة القرارات الاقتصادية.
مصطفى عبده
خبير اقتصادي