محمد عبد العال يكتب .. لماذا قَدِم ستاندرد تشارترد إلى مصر؟
فى خضم ما يسود أرجاء العالم الآن من صور وأشكال التقلبات والصدمات ، وتكرار لحالات القلق وعدم اليقين التى يواجهها الاقتصاد العالمي من جراء تداعيات “كورونا” ومتحوراته الحالية ،وربما المستقبلية ، رغم كل ذلك ، يتقدم بنك من أشهر وأعرق وأكبر البنوك البريطانية ذات الانتشار العالمي بطلب للبنك المركزي المصري للحصول على ترخيص للعمل فى مصر ، ويعلن البنك المركزي موافقته.
بالطبع تمت موافقة مجلس إدارة البنك المركزي المصري بعد أن قام بكل الدراسات اللازمة وفقا للأصول والقوانين المتبعة ، واقتنع تماماً بأن خطة البنك الإستراتيجية ، تتوافق تماماً مع متطلبات الاقتصاد المصري بشكل عام ، والجهاز المصرفي بشكل خاص ، والتأكد من أن البنك سيكون أحد المصارف التي ستدعم خطوط الإمداد والتواصل المصرفي بيننا وبين العالم.
وفى هذا النطاق فمن المؤكد أن ستاندرد تشارترد سيكون مرحبا به من مجتمع المصارف في مصر ، رغم المنافسة الشريفة المتوقعة ، وأيضا سيكون مرحباً به من العملاء المحتملين ، شركات وأفراد ، تطلعا إلى منتجات مصرفية متنوعة، وتكنولوجيا حديثة، وخدمات أفضل وتكاليف أقل.
ولذلك نقول لبنك البنوك ، البنك المركزي ، وراعي السياسة النقدية ،كما عودتنا، أحسنتم القرار والتوقيت والاختيار ، وأهلا بالبنك الجديد.
ولكن لماذا جاء ستاندرد شارترد إلى مصر ؟
وبعبارة أخرى ، لماذا لم يتردد هذا البنك المتميز أو تأثر بتلك الأقاويل التي يهمس بها البعض ، متوقعاً حدوث ضغوط يمكن أن تؤثر سلباً على بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل التعرض لحالة عجز فى السيولة النقدية وبالتالي الضغط على الجنيه، أو يمكن توقع هجرة الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أوراق الدين الحكومية، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار فى الخارج …. إلخ من الأقاويل والإشاعات التي يرددها البعض في مثل هذا الوقت من كل عام، سواء عن حسن نية بسبب عدم الفهم الصحيح للأمور ، أو بسوء نية مستهدفاً التأثير السلبي على مسيرة وانطلاق رحلة الاقتصاد المصري الناجحة.
لا ، لم تُؤثر مثل تلك الإشاعات والأقاويل المغرضة في قرار البنك الوافد الجديد ، ولم تثنه عن عزمه افتتاح أول فرع له بالقاهرة في سبتمبر القادم ويليه فروع أخرى.
لقد كان أمامه هدف ورسالة واحدة مؤداها هو العمل على تحقيق القيم والمصالح المشتركة والمتبادلة بينه وبين الاقتصاد والجهاز المصرفي المصري.
ماذا رأى البنك الجديد وهو يُقيم قرار اختيار مصر لتكون المركز الجديد لتوسع نشاطه الدولي؟ ، رغم أن معظم البنوك الدولية حالياً تقلص من تفرعها وانتشارها الجغرافي خارج حدودها.
فى تصوري أن هناك العديد من الأسباب الهامة والإستراتيجية التي دفعته للقدوم إلى مصر ، ومن أهم تلك الأسباب :
- رأى ستاندرد تشارترد، التطور الذي حدث في القطاع المصرفي المصري ، والذي كان احد أهم أسباب نجاحه هو برنامج الإصلاح الاقتصادي ، الذي انعكس على كفاءة مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي ، وأظهر قوته لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي المستدام ، حيث ارتفع المركز المالي المجمع للبنوك ليصل إلى 8.5 تريليون جنيه ،وارتفعت الودائع إلى ما يفوق الـ 6 تريليونات جنيه ، والتمويلات إلى قرب الـ 3 تريليونات جنيه ، ومتوسط الملاءة المالية 19.5%.
- لقد جاء البنك الجديد لأنه يعلم أن السوق المصرية لديها الاستعداد لاستيعاب عدد أكبر من البنوك الأجنبية للاستفادة من خبراتها وإمكانياتها ، ورأس المال الخاص بها ، وتطبيقاتها التكنولوجية الجديدة ، وعلاقاتها الدولية ، ودورها في تيسير التجارة الدولية بين مصر والعالم ، وهو ما يتماشى مع إستراتيجية الدولة المصرية في الشمول المالي والتحول الرقمي ، وأيضا هو يعلم أن الساحة المصرفية المصرية تضم سوقا ضخما في بلد تعداد سكانه يزيد على مائة مليون نسمة ويعمل به 38 بنكاً فقط ، بينما بلد مثل لبنان تضم 60 بنكا ، رغم أن عدد سكانها 4.5 مليون نسمة فقط.
- لقد جاء ستاندرد تشارتر إلى مصر لانها دولة لديها خطة اقتصادية واجتماعية طموحة ، على سبيل المثال تستهدف خطة العام الجديد تحقيق معدل نمو 5.4% ، ورفع معدل الاستثمار إلى 17.6% ، واحتواء معدل التضخم عند 6% ، والوصول بمعدل البطالة فى حدود 7.3% ،وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.4% ، ومضاعفة معدل الادخار إلى نحو 11.2% ، وتستهدف الدولة ضخ استثمارات تصل إلى 1.25 تريليون جنيه هذا العام.
- هو يعلم أن الاقتصاد المصري سوف يتحسن أكثر نتيجة بدأ ظهور آثار مبادرات دعم الدولة والسياسة النقدية فائقة التيسير التي أتاحها المركزي المصري للأنشطة الاقتصادية المختلفة.
- لقد تفهم ستاندرد شارترد اهتمام الدولة والبنك المركزي بتمويل أنشطة الصناعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، حيث يكون تمويل مثل تلك الأنشطة مجالا جيدا للبنوك للتوجه إليها ، كما أن هناك سوق واعد في ظل اقتصاد يتجه للتحول الرقمي والى مجتمع غير نقدي تسوده ثقافة التعامل من خلال المحافظ الالكترونية وتطبيقات الدفع عبر الهاتف وانتشار أجهزة الصراف الآلي.
- لقد جاء ستاندرد تشارتر،لأنه يعلم أن الاقتصاد المصري اثبت مرونة وقدرة على الصمود خلال أزمة كورونا ،إلى جانب أن كبريات مؤسسات التقييم الدولية قررت تثبيت التصنيف الائتماني لمصر طوال العامين الماضيين مع نظرة مستقبلية مستقرة .
- جاء ستاندرد تشارتر ، لأنه يعي تماما انه رغم ما أصاب أسواق النقد العالمية في العامين الماضيين ، وخاصة في الدول الناشئة من اضطراب ، إلا أن الجنيه المصري كان احد العملات الذي حافظ على استقراره مع معدل تحسن معقول ، سواء من ناحية سعر صرفه أو معدل عائده الحقيقي.
وهو يعلم أن استقرار الجنيه المصري في المرحلة القادمة سيكون مدعما بتحويلات المصريين العاملين في الخارج التي حققت في العام الماضي 33 مليار دولار كما حققت في العشر شهور الأولى من عام 2021 ، ستة وعشرون مليار دولار ، هذا بالإضافة إلى إيرادات قناة السويس التي حققت أعلى إيراد في تاريخها رغم الجائحة ، حيث حققت 6 مليارات دولار ، وعلى الجانب الآخر حقق تصدير غاز حقل ظهر 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تتصاعد إيرادات السياحة وتعافيها تدريجياً ، وصولا إلى 6 مليارات دولار ، ولن ننسى الدعم الرئيسي للجنيه المصري المتمثل في احتياطي بالنقد الأجنبي تجاوز الـ 40.9 مليار دولار بالإضافة إلى استقرار متوسط حيازة الأجانب من أذون الخزانة التي وصلت إلى 30 مليار دولار.
أهلا بتواجد ستاندرد شارترد بنك في مصر الاستثمار .. مصر الاستقرار .. مصر الأمان.
محمد عبد العال
خبير مصرفي