محمد عبد العال يكتب عن.. إلتزام البنوك بتوفير متطلبات الاستيراد من النقد الأجنبي
لقد نجح البنك المركزي بسياسته النقدية المتميزة وقراراته الحكيمة والحاكمة المتتابعة في تحقيق مرونة سعر الصرف
في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية يبرز دور البنوك كركيزة أساسية في دعم القطاعات الإقتصادية المختلفة، وذلك من خلال توفير النقد اللازم لتلبية احتياجات الاستيراد.
في هذا السياق صرّح رئيس إتحاد بنوك مصر أمس بأن جميع البنوك العاملة في البلاد تلتزم بتوفير النقد اللازم لاستيراد متطلبات الأنشطة الاقتصادية دون فرض قيود أو اشتراطات على العملاء تتعلق بتدبير العملات الأجنبية من خارج النظام المصرفي الرسمي.
صَدَقَ رئيس اتحاد بنوك مصر حينما نوه إلى ذلك في هذا التوقيت ، ونحن نواجه على الساحة موجات من الإشاعات المغرضة ومحاولات يائسة من خفافيش الظلام وأباطرة ، الدولرة ، وتجار العملة لطمس الحقيقة والتأثير سلباً على الجهود الشاملة والحيوية التي يقودها البنك المركزي المصري لتعزيز استقرار أوضاع النقد الأجنبي ، وتحقيق استقرار الأسعار في الأسواق، مما يعكس الدور المحوري الذي يؤديه البنك المركزي المصري ، ووحدات الجهاز المصرفي من أجل تيسير العمليات التجارية وتلبية احتياجات العملاء والقطاعات الإنتاجية من النقد الأجنبي.
لقد كانت كلمات بيان رئيس اتحاد البنوك مختصرة ولكنها أعادت للذاكرة مسيرة خطط واستراتيجيات البنك المركزي المصري منذ السادس من أكتوبر 2024 ، حينما تم تحرير سعر الصرف وتوحيده ، وبالتالي إختفاء السوق الموازية ، الشهير بالسوق الأسود للنقد الأجنبي.
إذن فالقول بأن هناك ثمة قيود أياً كانت لدفع العملاء لتلبية احتياجاتهم من النقد الأجنبي لتغطية عملياتهم الاستيرادية وتسوية اعتماداتهم المستندية ومستندات التحصيل من مصادر بعيدة عن البنوك يكون قولا غير منطقي ، لأنه لا يوجد في الأساس حالياً على الساحة مصدراً للنقد الأجنبي غير البنوك ، بعد أن تم غلق السوق الأسود بالضبة والمفتاح.
ويتساءل البعض ولكن ما الدليل أن البنوك دبرت وما زالت تُدبر احتياجات العملاء من النقد الأجنبي لتسوية عملياتهم الاستيرادية الحاضرة والآجلة بمجرد تداول المستندات والإفراج عن البضائع من المنافذ الجمركية بمجرد وصولها؟
ولهؤلاء أقول إنه لا يوجد حاليا في وحدات الجهاز المصرفي أية معلقات (Backlog ) ولا طوابير إنتظار لتدبير النقد الأجنبي ، آخذين في الاعتبار أنه كان قد تم إلغاء القيود التي كانت موضوعة سابقا لقصر تنفيذ صفقات التجارة الخارجية على الاعتمادات المستندية فقط ، دون مستندات التحصيل ، ومن ناحية أخرى لا يوجد في الجمارك بضائع محجوزة أو متراكمة لعدم توفر نقد أجنبي.
هل تعلمون أن مصر قد استوردت سلعا خلال النصف الاول من هذا العام فقط بلغت قيمتها نحو 42 مليار دولار ؟ كلها تمت عبر اعتمادات مستندية ومستندات تحصيل وفرتها البنوك المصرية للعملاء! وسوف تدبر لهم بالطبع احتياجات النصف الثاني.
لقد دبرت البنوك وليس مصادر أخرى النقد النقد الأجنبي اللازم لاستيراد القمح وكل السلع الإستراتيجية والخامات ومستلزمات الإنتاج لأغراض توطين الصناعة وتصنيع بدائل الاستيراد ، كما يعطي البنك المركزي أولوية قصوى لتوفير المكون الدولاري اللازم لتوفير السلع والمنتجات الأكثر ضرورة وطلباً في السوق مثل لبن الأطفال وأدوية الأمراض المزمنة وبعض المواد الغذائية لضمان توازن الأسعار والأسواق.
لقد أوضح جدول سداد الديون المعلن بواسطة البنك الدولي ، أن إلتزامات مصر حتى الربع الثاني من هذا العام بلغت نحو 30 مليار دولار ، تم سدادها بالكامل ، وباقى مثلهم ستدفعهم في الربع الثالث والرابع ، بمجموع إلتزامات خلال العام المالي الجاري يصل إلى 60 مليار دولار.
فإذا كنا ندفع بالنقد الأجنبي مثل تلك المبالغ لاستيراد قوت الناس وندبر تلك المبالغ الضخمة لسداد إلتزاماتنا الدولية ، سواء أقساط قروض أو فوائد ، دونما أي تأخير أو تردد ، فكيف يمكن القول أن هناك ثمة محاولات لوضع قيود أو شروط تحول دون أن يحصل العملاء على احتياجاتهم من النقد الأجنبي من بنوكهم لإنجاز معاملاتهم التجارية الدولية؟؟ لا يوجد مبرر منطقى لذلك.
ألا نتذكر كيف قام البنك المركزي بتوجيه البنوك برفع حدود إستخدام البطاقات الائتمانية بالنقد الأجنبي بالخارج؟ ، وتوجيهه للبنوك برفع الشريحة المدبرة من النقد الأجنبي للمسافرين؟ كيف يمكن أن يتم ذلك دون تواجد وفرة كافية من النقد الأجنبي لدى البنوك؟.
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة عالمياً والأوضاع الجيوسياسية الإقليمية وتوترات البحر الأحمر التي أدت إلى فقدان القناة ما يقرب من 60% من عوائدها المعتادة ، استطاعت مصر أن تعوض من مصادرها الأخرى ذلك النقص.
لقد جذبت مصر نحو 121.5 مليار دولار خلال العام المالى 2023/2024 ، حيث تضاعف الاستثمار الأجنبي المباشر 4 مرات تحت زخم صفقة رأس الحكمة الشهيرة وما بعدها ، مسجلاً 46.1 مليار دولار ، اما الاستثمار الأجنبى غير المباشر أو حيازات المستثمرين الأجانب من أوراق الدين العام فقد لامست الـ 37 مليار دولار ، كما تخلصت تحويلات المصرين العاملين في الخارج من إغراءات السوق الأسود وتحولت إلى مدخرات واستثمارات وتنازلات عبر شرايين الجهاز المصرفي بنحو 21 مليار دولار ، ولا تنسى تحسن إيرادات السياحة وأيضاً التصدير.
والأسبوع القادم ستصل القاهرة مديرة صندوق النقد الدولي وفريق عملها من خبراء الصندوق لإتمام المراجعة الرابعة، ودراسة إمكانية مراجعة الأطر الزمنية لبعض البنود التي قد تخفف من ضغط ارتفاع الأسعار على المواطنين.
لقد نجح البنك المركزي بسياسته النقدية المتميزة وقراراته الحكيمة والحاكمة المتتابعة في تحقيق مرونة سعر الصرف ، الأمر الذي أمن عملية استمرار تدفق النقد الأجنبي من كل المصادر ، وتخلص من مخاطر تكرار فجوات سيولة بالنقد الأجنبي يصعب تغطيتها.
دعنا نتذكر أن البنك المركزى لدية صافي احتياطي بالنقد الأجنبي على مشارف أن يسجل 47 مليار دولار ،. وتستورد مصر بما يعادل متوسط 7 مليارات دولار شهريًا من السلع والمنتجات من الخارج، بإجمالى سنوى يقدر بأكثر من 70 مليار دولار، وبالتالى فإن المتوسط الحالى للاحتياطى يكفى نحو 8 أشهر من الواردات السلعية لمصر، وهى أعلى من المتوسط العالمي البالغ نحو 3 أشهر.
أعود وأكرر انتبهوا للإشاعات الاقتصادية ، إن تأثيرها الضار اكبر بكثير من الاشاعات التقليدية لأن الإشاعة الاقتصادية تضر المواطن والوطن في آن واحد.
محمد عبد العال
خبير مصرفي