“بلومبرج” تستعرض اتجاهات السياسة النقدية بالبنوك المركزية العالمية هذا الأسبوع

من المرجح أن تخطف الأضواء الزيادة الوشيكة في سعر الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

تطرح البنوك المركزية على مستوى العالم خلال الأسبوع الجاري أكبر عملية تقدير جماعي لوضع الاقتصاد العالمي الذي شابه التغيّر منذ أن تجددت اضطرابات الإمدادات واندلعت أزمة التضخم المفاجئة لاقتصاديات عديدة جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.

ومن المقرر أن يعقد مسئولو السياسات النقدية في 8 دول أعضاء من مجموعة العشرين اجتماعاً، حيث من المرجح أن تخطف الأضواء الزيادةُ الوشيكة في سعر الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ، بحسب بلومبرج

ستعرض البنوك الأخرى مجموعة متنوعة من رؤى دقيقة للسياسات تعكس التأثيرات المتباينة للصراع في اقتصاد عالمي يعمل على التأقلم فعلياً مع تصاعد الأسعار. ستتراوح القرارات الصادرة بين التشدد والتساهل في السياسة النقدية، حيث من المحتمل أن يقدم بنك إنجلترا المركزي الذي يتبني موقفاً متشدداً على زيادة سعر الفائدة مرة أخرى، بينما من المرجح أن تتواصل سياسة التيسير النقدي لدى بنك اليابان المركزي.

تأتي هذه الإعلانات بعد قرار مفاجئ للبنك المركزي الأوروبي خلال الأسبوع الماضي لتسريع عملية الخفض في برامج التحفيز المالي، وهو ما جعل المستثمرين يتساءلون عن التحولات الأخرى التي ربما تحدث بعد ذلك.

الصين

سيكون أول اجتماع قادم لبنك الشعب الصيني يوم الثلاثاء. يتابع المحللون باهتمام ما إذا كان سيجري تقليص سعر الفائدة الاساسي للمرة الثانية خلال السنة الجارية.

بينما ستكشف بيانات النشاط الاقتصادي لشهري يناير وفبراير الماضيين -على الأرجح- حدوث تحسن محدود، حيث توجد مخاطر وشيكة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وزيادة أسعار النفط الخام. قد يعني النمو الجديد المستهدف للصين عند 5.5% تقريباً خلال السنة الحالية وجود حاجة لتوفير الدعم من قبل البنك المركزي.

جدير بالذكر أن معدل نمو الائتمان الصيني تباطأ في شهر فبراير الماضي بسبب العطلة المطولة وهبوط سوق الإسكان، وأسفر ذلك عن معدل أقل لاقتراض الأفراد والشركات.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

يقول الاقتصادي ديفيد تشو: “تفيد توقعاتنا بأن بنك الشعب الصيني سيقلص نسبة متطلبات الاحتياطي النقدي بهدف توفير سيولة أكبر للبنوك لتمويل عمليات الإقراض، ثم تخفيض أسعار الفائدة الأساسية من أجل تعزيز تحفيز النمو الاقتصادي.”

الولايات المتحدة

يأتي اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في صدارة الأحداث المتوقعة يوم الأربعاء. ستكون الزيادة المنتظرة بمقدار ربع نقطة لسعر الفائدة هي الأولى منذ سنة 2018. يتوجب على رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول أن يحدث حالة من التوازن بين معدلات التضخم الأكثر ارتفاعاً منذ 4 عقود وحالة عدم اليقين ذات الصلة بالحرب في أوكرانيا.

كشفت بيانات نشرت الأسبوع الماضي عن صعود في مؤشر أسعار المستهلكين 7.9% خلال شهر فبراير بالمقارنة مع السنة السابقة، وأن التضخم مهيأ للتقدم أكثر في ظل تصاعد تكاليف السلع الأساسية.

عشية صدور قرار الاحتياطي الفيدرالي، سيحصل المستثمرون على بيانات مهمة أخرى، في ظل احتمال ارتفاع كبير في مؤشر أسعار المنتجين.

استناداً إلى معدلات تضخم أعلى كثيراً من المعدل المستهدف لدى الاحتياطي الفيدرالي والذي يبلغ 2%، سيسفر نقص الأيدي العاملة عن زيادة الأجور، وهي قوة أخرى تعزز ضغوطات الأسعار.

علاوة على رفع سعر الفائدة، يعتزم الاحتياطي الفيدرالي تقليص ميزانيته العمومية التي تصل إلى نحو 9 تريليونات دولار في وقت لاحق من العام الحالي، عقب وقف برنامج شراء السندات خلال الشهر الحالي والذي كان يرمي إلى توفير الدعم للاقتصاد خلال فترة تفشي وباء كورونا.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

وفقاً لآنا وونغ، ويلينا شوليتيفا، وأندرو هوسبي، وإليزا وينغر “يأتي هذا القرار عقب صدور تحذيرات بلا هوادة من أرقام التضخم العالية. في ظل الظروف الاعتيادية، قد تسهم البيانات التي تتخلل الاجتماع في دعم اتخاذ قرار برفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس. بيد أن الظروف تعتبر استثنائية في الوقت الراهن”.

البرازيل

في أعقاب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقرر يوم الأربعاء، تشير التوقعات إلى أن البنك المركزي البرازيلي سيزيد سعر الفائدة للمرة التاسعة على التوالي، ليصل إلى 11.75%. كان سعر الفائدة 2% قبل سنة.

تمثل زيادة أسعار المستهلك قوة دافعة لدورة التشديد النقدي الجريئة؛ حيث يجابه روبرتو كامبوس نيتو رئيس البنك المركزي معدلات تضخم تفوق 10% حالياً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المعدل الرسمي المستهدف له.

قبيل مرور شهر واحد فقط، كان المضاربون والمحللون في البرازيل يتوقعون أن تصل ذروة سعر الفائدة الأساسي إلى حوالي 12.25%، بيد أن التوقعات ترجح بلوغ 13.75% حالياً. بالنسبة لاقتصاد من المتوقع أن ينمو بصعوبة بالغة خلال السنة الجارية، فإن هذا الوضع يمثّل حبة دواء مذاقها مُر يتعين ابتلاعها.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

تقول الاقتصادية أدريانا دوبيتا: “ما زال لدينا توقعات بأن سعر الفائدة سيرتفع بمقدار 100 نقطة أساس خلال الأسبوع المقبل، بيد أننا نرى مخاطر كبيرة بأن عمليات رفع سعر الفائدة النهائي ستتجاوز توقعاتنا التي تبلغ 12.25%.”

إندونيسيا

يتجه التركيز يوم الخميس المقبل صوب بنك إندونيسيا المركزي الذي سيأخذ بالحسبان المخاطر المرتبطة بالسلع الأساسية وتكاليف المواد الغذائية عند اتخاذ قراره الذي من المتوقع أن يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير.

أوضح البنك المركزي في الآونة الأخيرة أنه يتابع صعود معدلات التضخم المستوردة من الخارج، رغم أنه يتوقع أن تكون أسعار المستهلكين عند مستوى يسمح بالتحكم فيها بطريقة نسبية. في شهر فبراير، بقي كل من معدل التضخم العام والأساسي عند الطرف الأدنى من نطاق هدفه الذي يترواح ما بين 2% و4%، بينما وعدت الحكومة بكبح تكاليف الغذاء المتقلبة.

ربما تؤثر ضغوطات الأسعار التي تصعد بطريقة أسرع مما كان متوقعاً على الجدول الزمني لعمليات رفع أسعار الفائدة الأساسية لدى بنك إندونيسيا المركزي، حيث يتوقع خبراء الاقتصاد صعوداً خلال النصف الثاني من العام الحالي. في غضون ذبك، ساهم انتعاش السلع الأساسية في التصدي لضغوطات البيع على الروبية حيث ما تزال قيّم وكميات الصادرات قوية.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

“نرى أن بنك إندونيسيا سيبقي سعر فائدة إعادة الشراء العكسي لأجل 7 أيام دون تعديل. ويدل سعر صرف الروبية والتضخم الأساسي على أنه ما زال هناك وقت أمام التعافي لاكتساب قوة أكثر”.

تركيا

في وقت لاحق من يوم الخميس المقبل، من المحتمل أن يبقي البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 14%. يتماشى ذلك مع نهج الرئيس رجب طيب أردوغان غير التقليدي الذي يفضل سياسة نقدية أكثر تساهلاً عوضاً عن تشديدها، لكبح جماح التضخم الذي وصل أعلى مستوياته خلال 20 سنة.

في فبراير الماضي، ارتفعت أسعار المستهلكين 54% على أساس سنوي، مدفوعة بتكاليف الطاقة والغذاء. وربما يسفر التأثير العالمي للحرب في أوكرانيا عن تفاقم هذه الضغوطات.

سيخلق ذلك تهديداً بإطالة الفترة الزمنية لضغوطات ارتفاع تكلفة المعيشة التي تتعرض لها العلائلات التركية، وهي حالة قد تشتد في ظل قرب انعقاد الانتخابات في البلاد خلال سنة 2023.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

“بلغت معدلات صعود التضخم أعلى مستوياتها منذ 20 سنة، ومن المحتمل أن يسفر غزو روسيا لأوكرانيا عن استمرار تقدمها. بيد ان رفع أسعار الفائدة الأساسي يعد أمراً غير ذي جدوى من الناحية السياسية”.

إنجلترا

عقب مدة زمنية قصيرة من صدور قرار تركيا، يبدو أن بنك إنجلترا المركزي سيعيد بكل تأكيد سعر الفائدة إلى مستوى ما قبل تفشي وباء كوفيد، وهو أول بنك مركزي كبير سيقدم على هذه الخطوة المهمة.

في مواجهة توقعات بتفاقم صعود التضخم الذي تقول “بلومبرج إيكونوميكس” إنه قد يبلغ 10% في وقت لاحق من السنة الحالية، تشير التوقعات إلى أن مسؤولي بنك إنجلترا سيرفعون سعر الفائدة إلى 0.75%.

وفي ظل سقوط المملكة المتحدة أيضاً في قبضة أزمة تزايد تكلفة المعيشة، يتوقع بعض خبراء الاقتصاد أن تضغط أقلية من المسؤولين مرة ثانية لإقرار رفع غير مسبوق بمقدار 50 نقطة أساس.

إن زيادة سعر الفائدة بأي نسبة سيشكل الارتفاع الثالث على التوالي، وهي وتيرة ليس لها مثيل خلال القرن الحالي. تتوقع الأسواق أيضاً أن يعطي صانعو السياسة النقدية، بقيادة رئيس البنك أندرو بيلي، إشارة إلى أن المزيد من التدابير قادمة. وحالياً، يرجح المستثمرون أن أسعار الفائدة ستبلغ حوالي 2% بنهاية السنة الجارية.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

يقول دان هانسون، كبير خبراء الاقتصاد لسوق المملكة المتحدة: “بعد الشهر الحالي، تشير توقعاتنا إلى أنه سيجري الحد من نطاق تشديد السياسة النقدية جراء القلق حيال التأثير الاقتصادي الناجم عن الحرب الروسية على أوكرانيا. ونرى أن الخطر يتمثل في أن أرقام التضخم العالية خلال السنة الجارية تنذر بنك إنجلترا بوجود خطر”.

اليابان

في ظل تخلف معدلات التضخم عن المستويات المتسارعة في أغلب أنحاء العالم، تشير التوقعات إلى أن بنك اليابان المركزي سيُبقي على كافة الأوضاع دون تعديل يوم الجمعة، وأنه سيلتزم بالظروف التي تفيد بأن نمو الأسعار المحلية ما يزال ضعيفاً للغاية.

بيد أن صعوبة مهمة نقل المعلومات تتفاقم. شدد رئيس البنك هاروهيكو كورودا وزملاؤه في الآونة الأخيرة على أهمية تحقيق نمو أقوى للأجور لضمان أن يمثل التضخم جزءاً من دورة نمو اقتصادي تتمتع بالفاعلية. تعد النقطة البارزة هي أن برنامج التيسير النقدي لا بد أن يتواصل لمدة زمنية أطول.

ووفقاً لمصادر مطلعة، يدرك بنك اليابان أن أسعار النفط العالية تدفع التضخم فعلياً إلى ما يفوق توقعاته.

علاوة على الضيق الذي تعاني منه العائلات والشركات، بلغ سعر صرف الـين مستوى هو الأضعف له منذ ما يزيد عن 5 اعوام يوم الجمعة في أعقاب تحرك البنك المركزي الأوروبي المتفائل بطريقة غير متوقعة، وتزايد معدلات التضخم في الولايات المتحدة. سيهم المزيد من التيسير النقدي في وضع اليابان في موقف صعب بطريقة متنامية.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

“هناك عاملان مؤثران في تغير ديناميكيات النمو والتضخم في اليابان، وهما الحرب الروسية الأوكرانية وتوسيع القيود المفروضة للسيطرة على تفشي الفيروسات. سينصب تركيزنا على تقدير بنك اليابان للموقف وأي توجيه سيصدر عنه “.

روسيا

يختتم الأسبوع بأول اجتماع دوري خاص بسعر الفائدة لبنك روسيا المركزي، منذ غزو أوكرانيا الذي أسفر عن توقيع عقوبات صارمة ومصادرة جزء ضخم من احتياطيات البنك من النقد الأجنبي التي تفوق 640 مليار دولار.

يوجد مبرر بالنسبة للمسؤولين للحفاظ على الأوضاع النقدية دون تعديل والبقاء في حالة مراقبة للتطورات، عقب مضاعفة سعر الفائدة فعلياً إلى 20% في 28 فبراير الماضي. كان هذا واحد من بين سلسلة من التدابير الدفاعية التي تحاول الحد من التكالب على بيع الأصول الروسية بما في ذلك الروبل الذي هبط سعر صرفه بما يزيد على 35% خلال أقل من شهر.

قاد تراجع العملة الروسية والتوقعات بتعثر التجارة إلى دفع أسعار المستهلكين نحو واحدة من بين أكبر الزيادات خلال القرن الجاري. خلال أول أسبوع كامل منذ الغزو الروسي صعد معدل التضخم إلى 2.2%. يعتبر هذا أكبر صعود منذ بدء رصد البيانات في سنة 2008، ويفوق ضعف الرقم القياسي السابق.

رأي “بلومبرج إيكونوميكس”

” انطلقت فعلياً عملية صعود معدلات التضخم ولا يوجد لدى السياسة النقدية الكثير لفعله حالياً لكبح جماحه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى