محمد عبد العال يكتب عن .. شخصية التضخم المصري بين توجس الصعود وعناد الهبوط!!

الخلاصة في تصوري أن معدل التضخم العام سيظل عرضياً خلال الفترة القادمة وحتى نهاية العام

تباطأ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية ، المعلن من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، مسجلا 38.5% في شهر أكتوبر الماضي ، هابطاً من 40.3% في شهر سبتمبر السابق عليه.

كما سجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للمدن معدلاً شهرياً بلغ 1% في أكتوبر 2023 مقابل 2.6% في ذات الشهر من العام السابق و 2% في شهر سبتمبر من العام الحالي ، ليسجل المعدل السنوي للتضخم العام على مستوى المدن 35.8% في أكتوبر مقابل 38% في سبتمبر.

من ناحية أخرى سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي، معدلاً شهرياً بلغ 1.8% في أكتوبر 2023 ، مقابل 3% في ذات الشهر من العام السابق و1.1% في سبتمبر 2023 ، كما سجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي38.1% في أكتوبر مقابل 39.7% في سبتمبر 2023، وبذلك يستمر معدل التصخم الأساسي للهبوط للشهر الرابع على التوالي.

فى ضو ء ذلك يبدوا لنا أن معدل التضخم العام قد بدأ في الإنحسار بعد خمس شهور متتالية من الصعود ، مُسايراً معدل التضخم الأساسي ، الذي ينحدر هابطاً للشهر الرابع على التوالي.

وهنا يثار السؤال وهو تُرى هل يستمر معدلا التضخم العام والأساسي في الاتجاه الهبوطي في الشهور القادمة أم يعاودا الارتفاع مرة أخرى محققان أرقاما قياسية جديدة؟

حقيقة الأمر أنه لا يوجد ضمان لتأكيد استمرار هذا التوجه الهبوطي لمعدل التضخم ، نظراً لحالة عدم اليقين السائدة بخصوص القوى المؤثرة على جانبي العرض أو الطلب ، ثم يأتي دور السياسة النقدية ودرجة تشددها بغية احتواء التضخم ، وكل تلك العوامل يتعين علينا وضعها تحت الدراسة عند محاولة تحليل اتجاهات معدل التضخم في الفترة المستقبلية القادمة.

ويمكن القول إنه فيما يتعلق بحالتنا الراهنة نلاحظ أن ظاهرة التضخم لدينا تتصف بصفات وتكتسب دلالات مهمة ، تشير إلى توقعات واضحة في بعض الأحيان وصعبة التوقع فى معظم الأحيان ، ومن أهم تلك الدلالات:

– رغم أن لجنة السياسة النقدية ، المنبثقة من مجلس إدارة البنك المركزى ، كانت قد خفضت الفائدة بمقدار إحدى عشرة نقطة أساس “11%” على مدى الثمانية عشر شهراً السابقة ، ورغم ذلك ظل معدل التضخم قابعاً بعيدا عن مستهدفاته الموضوعة.

– إن الهبوط الذي حدث في معدل التضخم العام في شهر أكتوبر الماضي قد يكون رد فعل لمبادرة الحكومة ، بالتعاون مع الروابط التجارية ، بخفض أسعار بعض سلع التجزئة بنسب تصل إلى 25% لمدة 6 أشهر اعتبارًا من منتصف اكتوبر 2023 ، مع إعفائها من الرسوم الجمركية ، كما أن رفع أسعار البنزين لم يصاحبه رفع أسعار المازوت ، وهو السلعة الأكثر تأثيرا في رفع أسعار السلع والخدمات.

– إن تأثير تغيرات سعر الصرف على المعدل العام لأسعار سلع المستهلكين هو العنصر الأكثر ضغطا على ارتفاع معدل التضخم .. صحيح أن اتباع سياسة نقدية فائقة التشدد ، برفع الفائدة ، نجح إلى حد كبير في إحداث تقليص نسبي في حجم السيولة المتاحة ، أي قلص جانب الطلب ، إلا أن واقع الأمور يشير إلى أن جانب العرض ، المشتق من ارتفاع أسعار السلع المستوردة وانخفاض الجنيه ، هو العامل المؤثر حالياً ومستقبلاً في مجريات توجهات معدل التضخم ، وليس رفع الفائدة.

– أحد العوامل لانخفاض معدل التضخم هذا الشهر يرجع إلى انخفاض مؤشر مديري المشتريات ، الصادر من مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات ، لشهر أكتوبر الماضى الى 47.9 نقطة من 48.7 نقطة ، مستمرا تحت مستوى الـ 50 نقطة ، وهي الحد الفاصل بين النمو والإنكماش ، وهو ما يوحي إلى التباطؤ في الأنشطة غير النفطية ، والتراجع في أحجام الأنشطة ، وظهور بعض مظاهر الركود بسبب ضعف الإنتاج وضعف الجنيه.

– هناك تحديات صعبة وجديدة على المدى القصير والمتوسط سوف تحكم ، إلى حد كبير ، قرارات البنك المركزي في نطاق سعيه لتحقيق استقرار الأسعار ، وفي ظل ظروف إدارة اقتصاد أزمة أو اقتصاد حرب ، وبالطبع سيكون ذلك متوقفا على تطورات أزمة غزة ، ومدى تأثيرها على اضطرابات سلاسل الإمداد ، ومدى استمرار الصراع في فلسطين وتكلفته وتداعياته علينا وعلى الأنشطة الاقتصادية المولدة للنقد الأجنبى كالسياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج ، ومخاطر أسواق النقد والمال ، وتأثير كل ذلك على مزيد من الضغوط على الجنيه المصري ومنافسة السوق الموازية.

والخلاصة في تصوري أن معدل التضخم العام سيظل عرضياً خلال الفترة القادمة وحتى نهاية العام ، بشرط استمرار المؤشرات الحالية في ذات المستويات السارية.

ولكن كلنا نعلم أن الاقتصاد ليس له ثوابت ، وبالتالي وكنوع من التحوط علينا التوجس من 3 عوامل هامة يتعين توقع تداعياتها ، حيث يمكن أن تشكل ضغوطا تضخمية جديدة حال تفاقمها.

– أولها المخاطر الجيوسياسية والجيوجغرافية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط بخصوص الصراع في فلسطين ، ونحن في قلب وبؤرة هذا الصراع ، وفي حال تمددها وتوسع أطرافها فمن المؤكد أن يكون لها تداعيات قد تكون مشابهة أو أخطر من صدمتى كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

ثانيها هي الضغوط القائمة علينا من صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني.

– أما العامل الثالث ، وهو المشتق من العاملين السابقين ، حيث بسببهما تتولد صورة ذهنية لدى قاعدة عريضة من المتعاملين في أسواق المال والنقد والأعمال بمختلف قدراتهم ودرجة قبول مخاطرهم ، وترسخ تلك الصورة لتتحول إلى مخاوف تدفع المتعاملين بمختلف أنشطتهم وقدراتهم إلى الخروج من الأسواق ، والتحول بإصولهم إلى ملاذات آمنة في الخارج أو الداخل ، خاصة الذهب والدولار ، حيث يقفز الأخير في السوق الموازية وترتفع فاتورة الاستيراد ويتصاعد التضخم ، وتخبو فكرة تأجيل تحريك الجنيه ، وتقترب أكثر فكرة التخفيض ، حيث قد تكاد تكون حتمية.

 

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى