محمد عبد العال يكتب.. هل ترحل أسعار الفائدة إلى العام الجديد دون تغيير؟
نكرر أنه لا توجد أية مصالح للعملاء الأفراد أو البنوك أو الاقتصاد القومي في رفع الفائدة
هناك تباين شديد في التكهنات والتوقعات حول مسار أسعار الفائدة ، خاصة مع تثبيت “الفيدرالي الأمريكي” الفائدة على الدولار ، وأيضا الصين والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ، ثم ظهور عامل جديد على الساحة مشتق من التوترات الجيوسياسية الأمنية في البحر الأحمر ، والتي ربما يكون لها تأثير سلبي على نمو معدلات التضخم عالميا ومحليا إذا ما تفاقمت الأمور ، على الجانب الآخر نلاحظ مواصلة التضخم العام إنخفاضه خلال شهر نوفمبر الماضي ، متخذا منحنى هبوطيا للشهر الثاني على التوالي ، وأيضاً الانخفاض التدريجي المستمر لمعدل التضخم الأساسي ، الأمر الذي عمق وعدد من علامات الاستفهام المتعارضة عن إحتمالات رفع الفائدة أو تثبيتها في اجتماع لجنة السياسة النقدية غدا الخميس ، وهو الاجتماع الأخير فى سلسلة اجتماعات هذا العام.
في تصورى أن معدل التضخم المصري العنيد قد فقد ، على الأقل ولو مؤقتا ، بعضاً من حدة عناده وبدأ في التفاعل مع تغيرات سعر الفائدة ، وهذا لا يتعارض مع تأكيدنا أن سعر الصرف في ظروفنا الحالية مازال هو صاحب التأثير المباشر والمتبادل على معدلات التضخم ، وأن معالجة أسباب الضغوط الحالية على سعر الصرف ووقف استمرار وتكرار تخفيض الجنيه المصري مقابل الدولار هو أحد أهم المفاتيح لاحتواء معدلاته المرتفعة الحالية.
وبعبارة أخرى لكي تنجح أداة رفع الفائدة محلياً في احتواء التضخم لابد من السعي أولا لتحقيق استقرار سعر الصرف ، حيث أن التركيز على سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هى عليه الآن قد لا يجدى نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي في شقيه النقدي والمالي.
وفي تصوري فإن لجنة السياسة النقدية في اجتماعها غدا قد ترى أن تثبيت الفائدة هو أفضل الحلول في المرحلة الحالية ، وذلك للأسباب التالية:
إن الاستمرار في رفع الفائدة قد لا يحقق أية مصالح للإقتصاد القومي ولا للبنوك ولا للأفراد ، ولا يساعد السياسة النقدية فى استهداف التضخم ، لأن رفع الفائدة يعني أن ترفع البنوك فائدة التمويل أو الإقراض للمنتجين ، مما يدفعهم لترحيل تكلفة الرفع إلى المستهلك ، وهو ما يعني ارتفاع الأسعار وتولد مزيد من الضغوط التضخمية ، ويزداد فرق الفائدة السلبي ، وينخفض الدخل الحقيقي للمستهلكين ، ويكون من نتيجة ذلك مباشرة تراجع نسبي في الاستثمار المباشر الأجنبي والمحلي ، حيث ترتفع تكلفة التمويل عن العائد المتوقع ، وهو ما يؤدى إلى انكماش الإنتاج والاستثمار وينخفض معدل النمو الاقتصادي وينخفض معدل التشغيل.
إن رفع الفائدة سوف يؤدى أيضا ، إذا ما حدث ، إلى ارتفاع أسعار أذون الخزانة بأكثر مما هي عليه ، وبالتالى يزداد عبء خدمة الدين المحلي وعجز الموازنة ، حيث أن ان كل رفع 1% في الفائدة يعني زيادة عجز الموازنة بنحو 30 مليار جنيه ، ترتفع وفقا لارتفاع التكلفة.
ولا ننسى أن نذكر أن آلية رفع سعر الفائدة قد فقدت تأثيرها على احتواء معدل التضخم المصري العنيد ، فقد تم تخفيض الفائدة بمجموع 11% على 6 مرات منها 3% في اجتماعي مارس وأغسطس الماضيين، و8% في العام الماضي، لتصل إلى مستوى 19.25% للإيداع، و20.25% للإقراض ، ورغم ذلك مازال معدل التضخم مرتفعاً وبعيدا عن مستهدفاته الموضوعة.
إن رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن ، وبشكل عام على المستوى الرسمي ، قد يؤدي إلى التأثير السلبي على قاعدة عملاء المصارف من شريحة المستفيدين من القروض الشخصية أو الاستهلاكية ، أو منتجات خدمات التجزئة ، بكل أنواعها ، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الإقراض أو بسبب انخفاض نسبة الإقراض إلى الدخل ، كما أن إرتفاع تكلفة التمويل سوف يترتب علية تضرر كل أنشطة التمويل المتوسط والأصغر ، وقد يرفع من معدلات التعثر.
الخلاصة:
في تصورى أن التوجه الاستراتيجي الآن يتعين أن يتركز في منح أولوية تفضيلية لحوافز جذب تدفقات وودائع النقد الأجنبي ومنح أسعار فائدة فائقة التميز لشهادات وودائع الدولار ، قد تصل لأسعار فائدة غير قابلة للمنافسة في شكل شهادات دولارية لمدة عام واحد وبحد أدنى 10 آلاف دولار للشهادة.
ونكرر أنه لا توجد أية مصالح للعملاء الأفراد ، أو البنوك أو الاقتصاد القومي في رفع الفائدة أو إصدار أوعية أو شهادات بالعملة المصرية محددة بأسعار عائد تعلوا القائم حالياً.
محمد عبد العال
خبير مصرفي