محمد عبد العال يكتب عن .. “وان بنك” .. أول بنك رقمي في مصر 

خطوة تاريخية تستحق أن تسجل في سجل إنجازات البنك المركزي المصري 

لا أعتقد أن هناك حدث مصرفي يمكن أن يُسجل في التاريخ المعاصر للجهاز المصرفي المصري أفضل من حدث موافقة البنك المركزي المصري على منح شركة مصر للإبتكار الرقمي ، الذراع الاستثماري لبنك مصر ، الموافقة المبدئية لإطلاق أول بنك رقمي في مصر سُميي “وان بنك “One Bank“.

إن الإعلان عن منح أول رخصة لتشغيل بنك رقمي أو إلكتروني خطوة مهمة تشير إلى تقدم هذا القطاع في مصر نحو التحول الرقمي.

تاريخياً،، فإن الجهاز المصرفي في مصر قد مر بعدة مراحل تطور مهمة ، بدأت بالبنوك التقليدية التي تعتمد على العمليات الورقية والتعاملات النقدية، ومن ثم تطورت إلى تبني تقنيات الإنترنت والحوسبة السحابية لتقديم خدمات مصرفية عبر الإنترنت ، وبمرور الوقت زادت الحاجة إلى بنوك رقمية ، تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة ، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي، تقنيات التشفير، والتحليل الضخم للبيانات ، ومنح رخصة لبنك رقمي أو إلكتروني يمثل خطوة نحو تطبيق هذه التقنيات الحديثة في القطاع المصرفي المصري، مما يسهم في تحسين الخدمات المالية المقدمة للعملاء وتعزيز الإبتكار والتنافسية في هذا المجال.

ولهذا فإن إطلاق أول بنك رقمي في مصر خلال هذا العام هو خطوة تاريخية تستحق أن تسجل في سجل إنجازات البنك المركزي المصري ، وخاصة أن البنك الجديد هو بنك تابع لبنك مصر المملوك للدولة المصرية.

وتقدم البنوك الرقمية الخدمات المصرفية بشكل رقمى أو إلكتروني عن بعد ، أي أن الأمر لا يتطلب أن يتوجه العميل بنفسه إلى فرع البنك لكي ينفذ متطلبات البنك أو يُحقق احتياجاته المصرفية ، وإنما يتمم ذلك بنفسه عبر المنصات الإلكترونية ، من خلال شبكات الإنترنت وأجهزة الهواتف المحمولة الذكية.

وتحقق البنوك الرقمية الكثير من المزايا ، سواء للشركات والمؤسسات صاحبة تلك البنوك ، أو العملاء ، حيث تسمح البنوك الرقمية للأفراد بالوصول إلى حساباتهم المصرفية وإجراء المعاملات في أي وقت ومن أي مكان بفضل توافرها عبر الإنترنت على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع.

إن الخدمات المصرفية الذكية التي تقدمها البنوك الرقمية غيرت من ثقافة وأساليب وكيفية التعامل المصرفي ، فبدلا من التوجه للبنك والتحدث مع موظفين حقيقيين ، أصبح التعامل مع شاشات بمجرد اللمس ، ويتم إعتماد المعاملات بالتوقيع الإلكتروني.

كما تعتبر البنوك الرقمية عادةً أقل كلفة من البنوك التقليدية ، حيث أنها لا تحتاج إلى هيكل تكاليف مرتفع أو مقار ذات أجور أو أثمان عالية ، وهو الأمر الذي يعكس في النهاية إمكانية تقديم خدمات ومنتجات بعوائد أفضل أو تكاليف أقل ، وبالتالي يكون هناك مجال لتعظيم مؤشرات وهوامش الربحية لمساهمي البنك ، وتعزيز المراكز التنافسية لتلك البنوك.

كما تتميز البنوك الرقمية بالقدرة على تنفيذ المعاملات بشكل فوري ، وبسرعة أعلى من البنوك التقليدية ،كما تتميز بكونها مركزاً للإبتكار والتطوير التقني في صناعة وفنون الخدمات والمنتجات المصرفية ، وعن طريق استخدام تطبيقات وآليات للتشفير المتقدمة لحماية بيانات العملاء وتأمين المعاملات المالية عبر الإنترنت ، فإنها توفر قدرا كبيرا من الأمان والحماية المصرفية.

 

وفي ضوء هذا التقدم التكنولوجي العالمي وتأثيره على مستقبل الصناعة المصرفية ، كان قد قام البنك المركزي المصري ، واستنادا على قانون البنوك رقم 192 لسنة 2020 ، بإصدار قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها ، وهو ما يمثل خطوة هامة نحو ضمان ملاحقة الصناعة المصرفية المصرية لأحدث التطورات العالمية.

وتضمنت اشتراطات الترخيص للبنوك الرقمية في القطاع المصرفي المصري ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن ملياري جنيه في حالة ممارسة كافة أعمال البنوك ، باستثناء تمويل الشركات الكبرى ، مع إمكانية تمويل تلك الشركات شريطة زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه ، وكذلك أن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال في أنشطة مماثلة بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالى قيمة رأس المال ، ومن اشتراطات الحصول على الترخيص أيضاً تقديم دارسة جدوى مفصلة تتضمن تحديد الشرائح المستهدفة والمنتجات المخطط إتاحتها، وكذلك خطط تكنولوجيا المعلومات، وخطط واستراتيجيات الأمن السيبراني.

 

وتخضع البنوك الرقمية لذات القواعد والضوابط الخاصة بالرقابة والإشراف المطبقة على البنوك العاملة بجمهورية مصر العربية، وذات القوانين والضوابط الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى بعض المتطلبات الأخرى بما يتسق مع طبيعة عملها.

 

ومن المتوقع أن يستمر نمو البنوك الرقمية في مصر ويزداد الطلب عليها في المستقبل نظرًا للتطور التكنولوجي المستمر وتزايد استخدام الإنترنت والهواتف الذكية ، وسيكون الطلب عليها من قبل البنوك التقليدية القائمة التي ترغب في تطوير مجالات خدماتها ، أو من الطلب من مؤسسات أو من شركات جديدة محلية أو من فروع بنوك رقمية أجنبية من الخارج.

 

إن البنوك الرقمية هي بنوك المستقبل وهي البنوك التي ستفرض السبق في الشمول المالي وتوفير الخدمات المصرفية العصرية إلى كافة العملاء من الأجيال القديمة وليس الأجيال الشابة الجديدة فحسب ، حيث سنعيش جميعا في عالم افتراضي يحكمه الذكاء الإصطناعي.

 

محمد عبد العال 

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى