محمد عبد العال يكتب عن.. القيمة الاقتصادية لمصر في توطين صناعة أشباه المُوَصِلات؟
يمكن القول إن صناعة أشباه الموصلات تعتبر عمودًا فقريًا للاقتصاد المصري وتلعب دورًا حيويًا في تعزيز التقدم التكنولوجي والاقتصادي
تتطلع مصر إلى الدخول المتوازن والمتدرج في مجال توطين صناعة أشباه المُوصلات ، أو الرقائق الإلكترونية ، أو عناقيد الرقائق الإلكترونية ، ويرجع ذلك إلى الأهمية الإستراتيجية لتلك المواد ، باعتبارها أحد عناصر الأمن القومي حالياً ومستقبلا على المستوى الإقتصادي والسياسي ، حيث تُعتبر صناعة أشباه الموصلات قطاعًا اقتصاديًا ذو قيمة عالية و تشكل جزءًا كبيرًا من اقتصاد العديد من الدول.
وتُستخدم أجهزة الإلكترونيات التي تحتوي على أشباه الموصلات في مجموعة واسعة من الصناعات ، مثل الحوسبة، الاتصالات، الطاقة الشمسية، الرعاية الصحية، والعديد من التطبيقات الأخرى التي تدخل في عصب حياتنا اليومية ، كما تعتبر صناعة أشباه الموصلات حافزًا للإبتكار والتطور التكنولوجي في العديد من الصناعات الأخرى.
وتوفر صناعة أشباه الموصلات فرص عمل للعديد من الأشخاص في مختلف المجالات ، مثل البحث والتطوير التصميم، التصنيع، والمبيعات ، كما تلعب تلعب الشركات الرائدة في صناعة أشباه الموصلات دورًا حيويًا في الاقتصاد، وتسهم في تعزيز مكانة الدول التي تمتلك هذه الشركات في السوق العالمية.
ولذلك ، يمكن القول إن صناعة أشباه الموصلات تعتبر عمودًا فقريًا للاقتصاد المصري ، وتلعب دورًا حيويًا في تعزيز التقدم التكنولوجي والاقتصادي.
ولكن بالنظر إلى تعقيد صناعة أشباه الموصلات والاستثمارات الضخمة المطلوبة لبناء البنية التحتية وتطوير التكنولوجيا اللازمة، فإن الدول النامية ذات الدخل المحدود والدول الناشئة ، مثل مصر ، قد تواجه تحديات كبيرة في بدء توطين صناعة أشباه الموصلات ، حيث لا يتوفر لدى معظم تلك الدول البنية الأساسية والتكنولوجية اللازمة ، ويكون من الصعب بدء العمل في هذا المجال بدون توفر الموارد الضرورية والتكنولوجيا المتقدمة.
ولكن هذا لا يعني أنه من المستحيل بالنسبة لبعض الدول ، مثل مصر ، أن تبدأ في توطين صناعة أشباه الموصلات ، حيث أن مصر تملك ميزة نسبية قوية ومتفردة تجعلها فى وضع أفضل عن الدول الناشئة الأخرى ، حيث يتوفر لدى مصر الخامات المعدنية التي تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية ، فمصر تتمتع بأنقى رمال بيضاء في العالم ، وتصل درجة نقاوتها إلى 98% ، وهى المكون الأساسي لتلك الصناعة ، وبالتالي من الممكن اتباع استراتيجيات متطورة تسمح بتعزيز البنية التحتية التكنولوجية وتشجيع الإبتكار والاستثمار في البحث والتطوير ، وهذا ما اهتمت به مصر في الآونة الأخيرة.
ومن الأمثلة على هذه الاستراتيجيات تشكيل المجلس الوطنى لتوطين التكنولوجيا الخاصة بتصنيع الرقائق الإلكترونية ، ووضع الخطة الاستراتيجية الوطنية تحت شعار “مصر تصنع الإلكترونيات” ، كما تتبنى الدولة المصرية استراتيجة تبنى على تشجيع الشراكات من القطاع العام والخاص لتطوير الصناعة، وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير البنية التحتية التكنولوجية، مع الاستمرار في تقديم المزيد من الدعم للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وتشجيع الشركات الناشئة والابتكارية في هذا المجال.
بالتأكيد فإن تحقيق تلك الأهداف الصعبة يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين وتدفقات واتفاقات تمويلية واستثمارية ضخمة ، ولكن من الممكن أن تحقق مصر تقدمًا في صناعة أشباه الموصلات ، حيث تعمل مصر على تعزيز التعاون الدولي والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية الرائدة في صناعة أشباه الموصلات ، ومنحها حوافزا كبيرة لإنشاء مصانع لها في مصر وإعفاء ضريبي وجمركي ، ورد جزء من ثمن الأرض ، ودعم التصدير ،، كل ذلك بغرض الاستفادة من نقل التكنولوجيا والمعرفة من تلك الشركات لتسريع عمليات تطوير الصناعة وتعزيز قدرتها التنافسية ، وفق استراتيجية وطنية لتحويل مصر إلى مركز اقليمى لتصنيع الإلكترونيات وأجهزة الاتصالات محلياً.
وقد قامت مصر بالإضافة إلى ذلك بزيادة الاستثمار في التعليم والتدريب الفني ، لتأهيل القوى العاملة المحلية بالمهارات اللازمة في مجال صناعة أشباه الموصلات ، كما تم تأسيس مراكز بحثية وتطوير تكنولوجي لدعم الابتكار وتطوير التكنولوجيا المحلية ، ومنها مركز التصميم الإلكتروني بمدينةالمعرفة في العاصمة الإدارية الجديدة.
بالطبع عن طريق تلك التوجهات والاستراتيجيات والتعاون الدولي، يمكن لمصر جزئياً وتدريجياً توطين صناعة أشباه الموصلات والمساهمة في الابتكار التكنولوجي وتحقيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى وتعاونا شاملا بين القطاعين الحكومي والخاص والأكاديمي.
محمد عبد العال
خبير مصرفي