محمد عبد العال يكتب : البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً .. سلاح ذو حدين !!
يستخدم البنك المركزي المصري 4 مؤشرات رئيسة لتحديد تلك البنوك
يفرد البنك المركزي المصري في كل تقرير من تقارير الاستقرار المالي فصلا كاملا يعرض فيه تفاصيل تطور البنوك ذات الأهمية النظامية في القطاع المصرفي المصري ، ويتابع تطوراتها ومحدداتها عن كثب.
تُرى ماهى تلك البنوك ذات الأهمية النظامية محلياًDomestic Systematic Important Banks DSIBS ؟ ولماذا يولى البنك المركزي إهتمامًا خاصا بتلك الفئة من البنوك؟!
وفقا لتعريف ومفهوم اتفاقيات بازل هي تلك البنوك التى إذا تعرضت إلى تعثر أو اضمحلال فإنها قد تتسبب في نقل جزء أو كل من مخاطرها إلى بقية وحدات الجهاز المصرفي ، بل وإلى الاقتصاد ككل ، وبعبارة أخرى أي فشل محتمل يمكن أن تتعرض له البنوك الكبرى قد تنقل تداعيات مخاطره إلى وحدات القطاع المصرفي الاخرى.
ولذلك وبعد الأزمة العالمية المالية في 2008 أقرت لجنة بازل للرقابة المصرفية مفهوم البنوك ذات الأهمية النظامية ، وأوضحت ماهيتها ، وما هي المبادئ التي تستخدم للحكم على البنوك ، وبيان ما إذا كانت ذات أهمية نظامية من عدمه، كما أقرت اللجنة بوجود بعض المتطلبات التي يجب على هذه البنوك استيفاؤها للحفاظ على استقرارها قبل وأثناء حدوث أي خلل أو أي صدمات مالية أو اقتصادية داخلية أو خارجية.
ووفقا لعقيدة البنك المركزي المصري فهو دائماً ما يقوم بمتابعة أحدث الممارسات الدولية في مجال الرقابة المصرفية ، ويطورها بما يتناسب مع ظروفنا المحلية ، ولذلك نجده يهتم بتحليل أوضاع البنوك ذات الأهمية النظامية محليا ، وقرر مجلس إدارته في جلسته المنعقدة بتاريخ 29 مارس 2017 إبلاغ البنوك عن منهجية التعامل مع تلك البنوك.
وفي إطار تلك المنهجية وضع البنك المركزي محددات وسقوف لضمان التحقق بدرجة مرتفعة من الثقة أن البنوك التى دخلت فعلا – وفقا للمقاييس والمحددات التى يضعها – إلى نطاق أو دائرة البنوك النظامية محلياً ، هى من البنوك التى يتوفر لديها استدامة المؤشرات المحددة وفقاً للمنهجية المبلغة للبنوك ، ويراجع البنك المركزي تلك المحددات والمؤشرات الموضوعة دورياً ، وبناء علية قد تخرج في مراحل المراجعات الدورية بنوك من قائمة البنوك النظامية محليا ، وقد تدخل أخرى ، وبالطبع هناك من يظل مستمراً .
ويستخدم البنك المركزي 4 مؤشرات رئيسة لتحديد البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً هى، حجم البنك ، ودرجة الارتباط بالبنوك المحلية ، ومدى توافر البدائل للخدمات المالية المماثلة المقدمة من البنك ، ودرجة تطور وتعقد الأنشطة .
ووجب هنا أن ننوه بأن الاهتمام بمخاطر البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً لا يتعارض مع كون تلك البنوك هى من أهم وحدات الجهاز المصرفي المُعتبرة ، بل ومن أهم ركائز الاقتصاد القومي ، حيث تسهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للبلد ، فهي توفر الخدمات المالية والائتمانية اللازمة لتمويل الاستثمارات والمشاريع الكبيرة، مما يدفع بمسار النمو الاقتصادي للأمام ، إلا أنه في ذات الوقت ومن وجهة نظر إدارة المخاطر فإن تلك البنوك يجب أن تخضع لرؤية أكثر عمقاً من البنوك الأخرى من ناحية حجم وتأثير مخاطرها المحتملة.
تلك البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً تعتمد على حجم أصولها الضخم وعمق عملياتها المصرفية والمالية في تحديد مكانتها كبنوك نظامية محلياً ، وغالبا ما تكون هذه البنوك كبيرة الحجم وتشارك في عمليات تمويلية كبيرة وشاملة ، تؤثر على الاقتصاد والقطاع المصرفي بشكل كبير.
وكمقياس للحجم فإن البنوك النظامية عادة ما تكون أكبر من غيرها من المؤسسات المالية المصرفية العاملة معها في الجهاز المصرفي، وغالباً ما تسيطر على حصص كبيرة من حجم الأعمال في القطاع المصرفي ، ولذلك يتعين عليها أن يكون لديها رؤوس أموال أكبر من الحد الأدنى للبنوك الأخرى غير النظامية محلياً ، من أجل ضمان قدرة أكبر نسبياً على امتصاص الصدمات والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها ويترتب عليها خسائر مالية ، وأيضاً لكى تستطيع مواجهة المتطلبات الرقابية ، خاصة فيما يتعلق بمحددات الملاءة المالية لكفاية رأس المال.
ومن هذا المنطلق يبرز الاهتمام الكبير للبنك المركزي المصري بالبنوك ذات الأهمية النظامية محلياً ،ويوجه البنك المركزي تلك البنوك بوضع تطبيقات لسيناريوهات اختبارت ضغوط أكثر تشددا ، تحسبا لتحديد وقياس حجم المخاطر المحتملة ، كما يلزم المركزي تلك البنوك تكوين متطلبات رأسمال إضافية تتراوح بين (نصف في المائة ) و (ثلاثة أرباع في المائة ) لبنكين منهما ، و (واحد وربع في المائة ) لأكبر بنك على مستوى القطاع ، وذلك وفقاً ليونيو 2023.
وبحسب تقرير الاستقرار المالي الصادر من البنك المركزي المصري عن النصف الأول من 2023 ، يمكن استخلاص بعض النتائج والملاحظات المهمة التالية على آداء البنوك ذات الأهمية النظامية المحلية ومنها:
– استحواذ البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً على نسبة كبيرة من بنود قائمة المركز المالي للقطاع المصرفي المصري ، حيث بلغ نصيبها في يونيو الماضي 62.5% وبلغت حصتها من اجمإلى قروض العملاء والبنوك 66.3% و 67.1% على مستوى إجمإلى الاستثمارات المالية وأذون الخزانة .
– انخفاض البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً وفقا لأهم بنود المركز المالي في يونيو 2023 ، عن نفس الفترة من العام السابق ، وذلك بسبب انخفاض عدد تلك البنوك من خمسة إلى ثلاثة فقط .
– استمرار الانخفاض في نسب كفاية رأس المال للبنوك ذات الأهمية النظامية محلياً ، الأمر الذى ساهم في انخفاض ذات النسبة على مستوى القطاع المصرفي ككل ، وبالطبع يرجع ذلك إلى تأثير تغير سعر الصرف بعد تحرير الجنيه في مارس من العام الحالي.
– استمرار البنوك ذات الأهمية النظامية محليا بالتمتع بمؤشرات مرتفعة من السيولة تفوق الحدود الرقابية لمقررة .
– ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع بكل من العملة المحلية والأجنبية لدى تلك البنوك.
مما سبق يتبين لنا بوضوح أهمية وجود البنوك ذات الأهمية النظامية للاقتصاد القومي ، حيث تلعب دوراً حيوياً في دعم النمو والاستقرار المالي ، ويتبين لنا أيضا الدور الحيوي والمهم الذي يلعبه البنك المركزي المصري في تفعيل أدواته الرقابية للتصدي للمخاطر المالية المحتملة ، التي يمكن أن تنشأ عن كبر حجم تلك البنوك وتشابك وعمق أنشطتها ، والعمل المستمر معها لإجراء مزيد من الدراسات والأبحاث لفهم مدى تأثير البنوك ذات الأهمية النظامية محلياً بشكل أفضل ، ولتحديد السياسات والإجراءات الفعالة للحد من المخاطر المحتملة.
محمد عبد العال
خبير مصرفي