محمد عبد العال يكتب : مرة أخرى .. تثبيت الفائدة قد يكون الخيار الأنسب!؟
ويبقى القرار النهائي في يد لجنة السياسة النقدية التي تمتلك رؤية شاملة ومتعمقة للوضع على مستوى الاقتصاد الكلي
مع اقتراب موعد اجتماع لجنة السياسة النقدية المنبثقة عن مجلس إدارة البنك المركزي المصري الموقر ، والمقرر انعقاده يوم الخميس المقبل الثامن عشر من يوليو الجاري ، تثار الكثير من التساؤلات والتخمينات حول قرار اللجنة المتعلق بسعر الفائدة، تُرى كيف سيكون قرار اللجنة؟ رفع الفائدة؟ أو خفضها؟ أو الإبقاء عليها كما هي محلك سر أي التثبيت؟.
وكل سيناريو يستند على مجموعة من الحقائق والافتراضات ، دعونا نحللها باختصار ، ساعين للإقتراب من تصور أقرب إلى واقع الأمور.
أولا : هناك حزمة من الافتراضات العامة يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي:
– تباطؤ التضخم العام والأساسي : حيث شهد كل من معدل التضخم العام والتضخم الأساسي خلال الأشهر الأربعة الماضية تباطؤا ملحوظًا ، إلا أنه على الرغم من هذا التباطؤ فإن مستويات التضخم لا تزال أعلى من المستهدفات التي وضعها البنك المركزي.
– السياسة النقدية التقييدية للبنك المركزي : حيث لا يخفى على أحد أن البنك المركزي المصري ، ومنذ شهر مارس الماضي ، يتبنى سياسة نقدية شديدة التقييد ، مستخدمًا كافة الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة ، سواء حينما رفع الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس خلال النصف الأول من العام الجاري ، أو من خلال آليات السوق المفتوح ، حينما قبل من البنوك فائض أموالهم بشكل مطلق ، ودونما تخصيص ، وبسعر العملية الرئيسيةً ، بهدف امتصاص السيولة وتقليص المعروض النقدي ، ولإعطاء الفرصة للبنوك لتوظيف فوائضها قصيرة الأجل في وعاء يمنحهم متوسط عائد مرتفع.
– تحسن بعض المؤشرات الاقتصاد الكلي : فرغم أن السياسة التقييدية برفع اسعار الفائدة بغرض مواجهة التضخم تؤدي حتما ، أكاديميا ، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي ، الا أن تطور الأمور ، واقعياً ، يؤكد أن هناك تطوراً إيجابياً ملموسا في بعض مؤشرات الاقتصاد المصرية نذكر منها على سبيل المثال ، تحسن مؤشر مديري المشتريات عن شهر يونيو ، وقرب ملامسته حد التوازن بين النمو والانكماش ، حيث سجل 49.9 نقطة ، وتحسن رصيد الاحتياطي بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي ليصل لأعلى مستوى تاريخي في شهر يونيو 2024 مسجلاً 46.348 مليار دولار ، بجانب تحول صافي عجز أصول الجهاز المصرفي من سالب إلى موجب ، ليسجل فائضاً بنحو 14.29 مليار دولار بنهاية مايو الماضي ، للمرة الأولى منذ 28 شهراً ، مما يعكس تحسناً كبيراً في آداء القطاع المصرفي ، وكذلك انخفاض الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الأول من العام الجاري ، ليصل إلى 160.607 مليار دولار، مقابل 168.034 مليار دولار في الربع المنتهي في ديسمبر الماضي.
ثانياً : في ضوء الافتراضات السابقة تكون السيناريوهات المحتملة:
- رفع الفائدة .. ومن أهم دوافع ذلك حاجة البنك المركزي إلى التضييق أكثر على السيولة في السوق للحد من التضخم القائم ، وتحسبا من إمكانية تولد موجات تضخمية محلية ، وأخذا في الإعتبار الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة ، واستمرار السياسات النقدية الدولية المتحفظة تجاه التضخم العالمي.
ومن أهم تبعات هذا القرار حدوث مزيد من الضغط على الاقتصاد ، وارتفاع تكلفة الاقتراض لكل من الحكومة والقطاع الخاص، وإمكانية تباطؤ النمو الاقتصادي.
- تثبيت الفائدة .. ومن أهم دوافع هذا القرار ، بجانب الدوافع السابقة ، محاولة المحافظة على التوازن بين السيطرة على التضخم وعدم خنق النمو الاقتصادي ، كما أن التباطؤ الأخير في معدلات التضخم يعطي الأمل في أن السياسات النقدية الحالية بدأت تؤتي ثمارها ، خاصة بعد استقرار الجنيه وتوحيد سوق الصرف.
ومن أهم تبعات هذا القرار حدوث استقرار نسبي في السوق ، مع إتاحة المجال لمراقبة التطورات الاقتصادية عن قرب، ودعم معتدل للنمو الاقتصادي.
- خفض الفائدة .. ومن دوافع هذا القرار الحاجة لتحفيز النمو الاقتصادي ، وتخفيف عبء الدين على الحكومة والقطاع الخاص.
ومن أهم تبعات هذا القرار المخاطرة بارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وزيادة التحديات في تحقيق استقرار العملة والأسعار.
التوقع الأنسب:
في ضوء الحقائق والافتراضات المذكورة ، يبقى الخيار الأنسب فى تصوري هو تثبيت الفائدة ، وإبقائها على ما عليه 27.25% للإيداع 28.25% للإقراض.
هذا الخيار يتيح التريث والاستمرار في مراقبة تأثير السياسات الحالية على التضخم ، وفي الوقت نفسه يدعم الاقتصاد عبر عدم زيادة أعباء الاقتراض الحكومي والخاص.
ويبقى القرار النهائي في يد لجنة السياسة النقدية الموقرة ، التي تمتلك رؤية شاملة ومتعمقة للوضع على مستوى الاقتصاد الكلي ، ودائماً ما تتخذ قرارها بما يحقق مصلحة الاقتصاد المصري ككل، ويكفل التوازن بين احتواء التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي.
محمد عبد العال
خبير مصرفي