محمد عبد العال يكتب.. كيف تؤثر الحروب والنزاعات الإقليمية على دول الجوار؟
إن مصر عليها الآن أن تواجه الأمر بروح وخطط إقتصاد الحرب أو خطط إدارة الأزمات
خدعوك فقالوا إن التأثير السلبي نتيجة الحروب والنزاعات الإقليمية تقتصر فقط على تلك الدول المتحاربة أو المتنازعة والمنقسمة داخلياً ، ولكن حقيقة الأمر أن تلك الآثار ينتقل معظمها ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، بكل ما تحمله من مخاطر إقتصادية وتوترات جيوسياسية وأوضاع إجتماعية متدنية إلى دول الجوار.
ومصر على سبيل المثال ، بحكم موقعها الجغرافي ومن واقع مسئولياتها القومية التاريخية ، تواجه حالياً على أرض الواقع حزمة من توترات وحروب ونزاعات مشتعلة في منطقة ثلاثية الحدود والجبهات ، ومصر في القلب منها.
هناك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، والإسرائيلي اللبناني ، والإسرائيلي الإيراني ، ثم النزاع والإنقسام السوداني في الجنوب ، والنزاع والإنقسام الليبي في الشمال.
وفي حال استمرار تمدد تلك الصراعات وتوسع أطرافها فمن المؤكد أن يكون لها تداعيات قد تكون مشابهة لتداعيات صدمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ، لأن تلك التوترات قد يكون لها – لا قدر الله – تأثير سلبي نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب إحتمال توقف خطوط الإمداد ، وبالتالي إحتمال عودة الضغوط التضخمية ، بعد أن نجحت أدوات السياسة النقدية التقييدية للبنك المركزي المصري في كبح جماح التضخم ، وأخذ معدله ، لأول مرة منذ 5 شهور ، يسجل منحنى هبوطيا.
على الجانب الآخر لا أحد يتصور كم تتكبد مصر من مليارات الدولارات كنفقات لتلبية إحتياجات الضيوف المتواجدين على أرضها ، نتيجة نزوحهم عنوة بسبب ما يتعرضون له من مخاطر الحروب والنزاعات القائمة في بلادهم الشقيقة.
كما أن تلك الحروب والتوترات في الدول الملاصقة لنا تؤدي بشكل غير مباشر إلى تقلص ونقص ملموس في المصادر التقليدية السيادية المعروفة ، والتى تمثل حجر الأساس في توفير إحتياجات البلاد من النقد الأجنبي اللازم لتمويل عمليات الإستيراد وسد الفجوات النقدية اللازمة لضمان استقرار أسواق النقد والمال وسعر الصرف.
وخير دليل على ذلك الإنخفاض الكبير في دخل رسوم المرور في قناة السويس نتيجة توترات البحر الأحمر ، والتراجع النسبي في الدخل السياحي نتيجة خوف السياح القادمين للمنطقة مقارنة بما كان متوقع ومخطط قبل تلك الحروب ، ويترتب على ذلك آثار سلبية مباشرة وغير مباشرة على مستويات التشغيل والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر ، وعلى توازن ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
إن استمرار تلك الحروب والصراعات يؤدي حتما إلى التوجه لزيادة الإنفاق العسكري الدفاعي ، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الضغط على الموازنة والتأثير على بنود الإنفاق الأخرى.
إن تلك الحروب إن لم تتوقف سوف تكون بمثابة فرامل تبطئ من استمرار تنفيذ خطط التنمية المستدامة ، وترفع من معدلات الفقر الإجتماعي والاقتصادي لدى غالبية دول المنطقة ، وتستمر تلك الضغوط فترات طويلة حتى بعد توقف تلك الحروب.
إن مصر عليها الآن أن تواجه الأمر بروح وخطط إقتصاد الحرب أو خطط إدارة الأزمات.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر يتعين الإعتماد على الإنتاج المحلي قدر المستطاع ، ووضع خطط بديلة لتوطين الصناعة والتصنيع الزراعي وتوفير مصادر لجلب السلع الإستراتيجية ومستلزمات الإنتاج من أماكن بديلة ، وتوسيع دوائر وقنوات تصدير السلع المحلية.
إن من أهم احتياطيات المواجهة لأي تطور في حروب المنطقة هو توفير مخزون كاف من كل الإحتياجات الضرورية لفترات معقولة تحقق الأمن الغذائي بأسعار معقولة ، كما أن تكثيف وتعميق سبل التعاون والدعم من مؤسسات التمويل الدولية المختلفة لدعم مصر لمواجهة تلك الظروف الصعبة المتجددة سيكون أمر جوهرياً.
محمد عبد العال
خبير مصرفي