محمد عبد العال يكتب: هل يمكن لمصر التفاوض لمراجعة بعض شروط صندوق النقد الدولي؟
قولا واحدا إن ذلك لا يقلل من مكانة مصر المعنوية أو الأدبية بل بالعكس فسوف يزداد إحترام العالم لها
منذ صرح الرئيس عبد الفتاح السيسى عن طلبه من الحكومة مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي أخذت تطفوا على السطح حزمة من علامات الاستفهام المهمة شغلت إهتمام المهتمين والمراقبين ، من أهمها مدى أحقية مصر في التقدم للصندوق بطلب للمراجعة؟ وهل هذا يؤثر على انتظام واستمرار البرنامج؟ وهل يؤثر ذلك سلباً على وضعها الأدبي ، ومكانتها الإستراتيجية ، أو نظرة وكالات التصنيف الائتماني لها؟ وهل سبق لمصر أن تعاملت مع الصندوق في مثل تلك الحالة؟ وهل هناك تاريخيا أمثلة لدول سبق لها أن طلبت مراجعة بعض شروط الصندوق ونجحت في ذلك؟
وقبل أن نحاول الإقتراب من إجابات لتلك الأسئلة ، يتعين أن نوضح أن مصر لم تتأخر في تاريخها عن سداد أي إلتزام ، سواء أكان أقساط قروض أو فوائد ، ولكنها وفقا لما ذكرة الرئيس ، نجحت فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2106 ، لأن الظروف العالمية والإقليمية كانت مواتية ومستقرة ، أما في البرنامج الحالي فقد واجهت مصر مع كل العالم تداعيات 3 صدمات خارجية صعبة ، منذ صدمة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ، ثم حرب غزة ، بل إن مصر الآن محاطة إقليمياً بمخاطر لا تتعرض لها أية دولة ناشئة في العالم ، هناك المخاطر الجيوسياسية والجيوجغرافية الجديدة والقديمة المتجددة ، والمشتعلة في منطقة الشرق الأوسط بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطينى من ناحية ، وإيران وإسرائيل من ناحية أخرى ، ولبنان وإسرائيل من ناحية ثالثة ، ونحن في قلب وبؤرة هذا الصراع ، وفي حال تمددها وتوسع أطرافها – لا قدر الله – فمن المؤكد أن يكون لها تداعيات على خطوط الإمداد وبالتالي إرتفاع الأسعار ، هذا بالإضافة إلى توترات البحر الأحمر التي كان من تداعياتها أن فقدت مصر نحو 60% من إيرادتها المعتادة.
ومن الطبيعى بناءا على مثل تلك الظروف وفقا للأعراف الدولية ، عندما تواجه دولة ظروفًا خارجية غير متوقعة مثل الحروب أو التوترات الجيوسياسية الخارجة عن إرادتها ، فيمكن لها التقدم إلى صندوق النقد الدولي لطلب مراجعة بعض شروط البرنامج بالتخفيف أو التأجيل وليس الإلغاء.
وفي هذه الحالات تعتبر مثل تلك الطلبات جزءًا من علاقة التعاون المستمرة بين الدولة وصندوق النقد الدولي، حيث يسعى كل من الحكومة والصندوق إلى تحقيق توازن بين تنفيذ الإصلاحات الضرورية والحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعي.
نعم من الممكن أن يوافق صندوق النقد الدولي على مراجعة شروط البرنامج وتأجيل بعض بنوده بناءًا على طلب الدولة المعنية ، حيث يتفهم الصندوق أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية يمكن أن تتغير بشكل يؤثر على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وبالتالي قد يكون مرنًا في إعادة التفاوض بشأن الشروط.
وبالنسبة لمصر فقد سبق إبان تنفيذ البرنامج أن واجهتها تحديات عديدة مثل التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما دفع الحكومة إلى طلب تعديلات في بعض بنود البرنامج في عدة مناسبات، وتم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق لتخفيف بعض الشروط أو تأجيل تنفيذ أهداف معينة لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك تجارب تاريخية دولية توثق سابقةً التفاهم مع الصندوق على شروط أكثر ملاءمة خلال فترات تنفيذها لبرامج الإصلاح الاقتصادي.
فعلى سبيل المثال تمكنت الأرجنتين من التفاوض على شروط أكثر ملاءمة خلال محادثاتها مع صندوق النقد الدولي ، خاصة في ضوء الأزمات الاقتصادية التي مرت بها ، وتم تعديل بعض الشروط لتحسين الحماية الاجتماعية وإعطاء الحكومة مزيدًا من المرونة في التعامل مع القضايا الاقتصادية المحلية.
كما استجابت أوروبا وصندوق النقد الدولي لتغير الظروف في اليونان ، عن طريق تخفيف بعض المتطلبات، مثل تمديد المواعيد النهائية لتنفيذ الإصلاحات وتقليل الأهداف المالية التي كان يتعين على اليونان تحقيقها.
وفى حالة مماثلة سابقة استطاعت باكستان إقناع صندوق النقد بتخفيف متطلبات معينة لتمكين الحكومة من تنفيذ سياسات تهدف إلى دعم الفئات الأكثر ضعفًا.
أحيانًا يُسمح بتعديل في الجداول الزمنية للإصلاحات أو تعديل الأهداف المالية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة ، ولكن الأمر ليس بالسهولة التى قد نتصورها فالأمر يحتاج وقتا وجهدا ومفاوضات قد تطول دون سقف زمني ، ولكن يتعين على مصر أن تجهز ملفا كاملا مفصلا ، يوضح ملابسات وأسباب تقديم الطلب وعرضا للأوضاع الاقتصادية والنقدية الطارئة من كل النواحي وانعكاساتها على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين ، وتقديم تصور عن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المحتملة بدقة وشفافية ، والتي تبرر تقديم طلب التفاوض على بعض المراجعات التي يتعين تحديدها بدقة وشفافية ، كما يتعين تقديم خطط وسيناريوهات ومقترحات بديلة لما هو مطلوب تعديله.
من ناحية أخرى من المتصور أن تسعى مصر للحصول على تأييد ودعم الدول الصديقة والداعمة ، وإذا نجحت مصر في إتمام ذلك تكون قد خففت عن كاهل مواطنيها بعضا من قسوة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي ، وتضمن في ذات الوقت تعاون الصندوق ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى ودول الدعم في الإلتزام بسداد المخصصات المحددة من قبلهم لمصر دون توقف أو تأخير.
قولا واحدا إن ذلك لا يقلل من مكانة مصر المعنوية أو الأدبية بل بالعكس فسوف يزداد إحترام العالم لها.
محمد عبد العال
خبير مصرفي