محمد عبد العال يكتب عن .. يوم تحرير الاقتصاد الأمريكي!!
ألا تكمن في خضم تلك المخاطر بعض الفرص الإيجابية؟

هكذا أطلق الرئيس الأمريكي رونالد ترامب على يوم الأربعاء الثانى من أبريل 2025 بأنه يوم من أعظم أيام الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها المعاصر.
ففي ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم من قرارات الرئيس الأمريكي منذ مطلع ولايته الثانية ، تأتي قرارات فرض الرسوم الجمركية المتبادلة كإحدى أدواته السياسة الاقتصادية التي استحدثها ، مستهدفاً إعادة التوازن أو التكافؤ التجارى مع البلدان الأخرى ، وبحسب قوله محاولة استرداد حق أمريكا الضائع ، بعد أن تعرضت بلادة لعقود طويلة للنهب والسلب والاغتصاب وعدم العدالة في المعاملة التجارية من قبل دول قريبة وبعيدة، صديقة كانت أم معادية.
وفي هذا السياق، وقع الرئيس ترامب في يوم تحرير الاقتصاد الأمريكي أمرا تنفيذيا يفرض رسوم جمركية تبادلية على نحو 200 دولة ومنطقة حول العالم ، وتراوحت تلك الرسوم بين حدها الأدنى البالغ 10% صعودا إلى 50% لبعض الدول ، ومن أهمها فرض رسوم بنسبة 34% على الصين، و24% على اليابان ، و31% على سويسرا، و46% على فيتنام، و32% على تايوان، و26% على الهند، و50% على ليسوتو، بينما فرض على الاتحاد الأوروبي رسوماً بنسبة 20%.
وشدد الرئيس الأمريكي على أن الرسوم المفروضة ستحسب دائماً بنصف ما تفرضه الدول الأخرى على الولايات المتحدة.
كما فرض تعريفة جمركية على السيارات المصنعة خارج الولايات المتحدة بنسبة 25% ، وكان نصيب معظم الدول العربية نسبة 10% ، وشمل ذلك مصر والسودان ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين والمغرب وموريتانيا وعُمان وجزر القمر، أما سوريا فجاء نصيبها بنسبة 41% والعراق 39% ، والأردن 20% ، في حين فرضت 28% على تونس، و 30% على الجزائر، و31%على ليبيا.
ومن الجدير بالذكر أن الرسوم الجمركية الجديدة التي تشمل الدول العربية، لم ترتكز في أصلها على فارق الفائض بين الصادرات والواردات كالدول الأوروبية، بل بُنيَت على مبدأ “المعاملة بالمثل” ، فمثلاً مصر التي كانت تتمتع بإعفاءات جمركية طبقاً لاتفاقية “الكويز”، لاسيما فيما يتعلق بالملابس التي تصدرها مصر إلى الولايات المتحدة ، بما يقدر بـ 1.1 مليار دولار، ومع ذلك، كانت تفرض ضرائب بنسبة 10% على البضائع الأمريكية المستوردة، الأمر الذي قد يعنى وفقاً للقرارات الجديدة ووفقاً إلى مبدأ “المعاملة بالمثل” خضوع صادرات مصر دون استثناء لنسبة الـ 10%.
ويتفق كبار الاقتصاديين في الدول المتضررة أن تلك الرسوم ستسبب في أن تعم الفوضى والخسائر معظم قطاعات وأنشطة الاقتصاد العالمى ، بل سيطال الضرر الاقتصاد الأمريكي نفسه ، كما أعلنت معظم الدول الكبرى انها مستعدة للحرب التجارية ، سواء أكان ذلك بشكل فردي أو جماعي.
وحذر معظم اقتصادي العالم من احتمالات دخول العالم في حالة من الركود التضخمي ، ناقلاً تداعيتها تدريجيا في شكل موجات من التضخم واضطراب الأسواق والبورصات ، وسوف تتأثر سلباً بشكل كبير قطاعات مهمة ، وعلى الأخص صناعة السيارات والأدوية وخدمات التكنولوجيا ، وهو الأمر الذي سوف ينعكس سلبا على أمريكا وكل دول العالم .
ولكن كيف سيكون الموقف في مصر ، هل سيكون هناك تداعيات سلبية أم إيجابية أو مخاوف أو تهديدات ، أو فرص محتملةً قد تنشأ نتيجة لتلك الإجراءات على الاقتصاد المصري من ناحية ، أو على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من ناحية أخرى؟ هل من المرجح أن تتسبب هذه الرسوم في ضغوطات على السياسات النقدية والمالية المصرية الراهنة لضبط التضخم والحفاظ على استقرار أسعار الصرف؟
بالنسبة لمعظم الدول النامية مثل مصر، التي تعتمد بشكل كبيرعلى الاستيراد لتلبية احتياجاتها من سلع أساسية ووسيطة ورأسمالية، بالطبع من المتوقع أن يكون هناك هناك تأثير محدود مباشر للتعريفات الجمركية والناتج من حجم التجارة المتبادل بين مصر والولايات المتحدة ، حيث أنه بناء على البيانات المتاحة حتى أكتوبر 2024، تقدر قيمة التجارة الثنائية بين مصر والولايات المتحدة بحوالي 8.6 مليار دولار ، مها صادرات مصرية بقيمة 2.5 مليار دولار ، وواردات بقيمة 6.1 مليار دولار.
إذًا، فإن حجم التبادل التجاري المباشر مع الولايات المتحدة يمثل بالفعل نسبة صغيرة نسبيًا من إجمالي التجارة الخارجية لمصر ، وبالتالي فإن أي تعريفات جمركية مباشرة تفرضها الولايات المتحدة على الواردات من مصر، أو العكس، سيكون تأثيرها المباشر محصورا ومحدوداً.
ومع ذلك، فإن الخطر الأكبر على الاقتصادات النامية كمصر ، يكمن في التأثير غير المباشر ، الناتج عن تصاعد التوترات التجارية العالمية واحتمالية حدوث ركود تضخمي عالمي ، فهذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكلفة الواردات من جميع أنحاء العالم، وتراجع في الصادرات، واضطراب في سلاسل الإمداد، وضغوط على العملة المحلية، مما سيكون له تأثير سلبي كبير على معدل التضخم واستقرار أسواق النقد الأجنبي في معظم الدول النامية ، ومنها مصر .
وهنا يتبادر سؤالان إلى أذهاننا:
الأول – ألا تكمن في خضم تلك المخاطر ، بعض الفرص الإيجابية؟
والثانى – هل ثمة خطوات يمكن يمكن أن تتخذها مصر لمواجهة مخاطر تلك الإجراءات؟ أو تحويل المخاطر إلى فرص؟
والإجابة المختصرةً لكلًا السؤالين هو ” نعم ” ، ولكن دع التفاصيل للمقال التالي.
محمد عبد العال
الخبير المصرفي