محمد عبد العال يكتب : الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة .. رؤية مصرية للفرص والتحديات؟

إن أمامنا مجال جيد مليئ بالتحديات ولكنها قابلة للتحول لفرص بشرط قتل البيروقراطية وتوفير بيئية استثمار جادة

في مقالنا السابق حول التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة تحت عنوان “يوم تحرير الاقتصاد الأمريكي” كنا قد انتهينا إلى حاجتنا لإجابات على بعض علامات الاستفهام المرتبطة ، مثل هل هناكً في خضم تلك المخاطر بعض الفرص الإيجابية؟ وكيف يمكن العمل على تحويل بعض تلك المخاطر إلى فرص؟

وقبل أن نصل إلى إجابة يتعين أن نأخذ في اعتبارنا حالة عدم اليقين التي تفشت عالميا وانتقلت إلى عقول المستثمرين ومعظم متخذي القرارات في العالم ، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرض قبوله التفاوض مع بعض الدول ، وهو ما يعني أن هناك ، في ظل حالة عدم القين السائدة ، آمال قد تكون محدودة بأن يقوم الرئيس الأمريكي بالعدول عن قراراته كلياً أو جزًئياً.

حقيقة الأمر أن الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي من الممكن أن تمثل لمصر فرصا حقيقية قابلة للاستثمار والاستغلال والتوسع ، خاصة في مجال المنتجات الصناعية التي تتمتع بها مصر بميزة تصديرية نسبية ، ونقوم بتصديرها فعلا للولايات المتحدة الأمريكية.

ومن تلك المنتجات ، على سبيل المثال وليس الحصر ، صناعة وتصدير المنسوجات والملابس الجاهزة ، حيث تستأثر صناعة الملابس الجاهزة بنحو 50% من الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة ، وبنسبة 1.7% من واردات أمريكا من الملابس الجاهزة ، مقارنة بما تستورده من تلك الصناعة من دول أخرى ، مثل الصين 22% ، فيتنام 18% ، بنجلاديش وإندونيسيا حوالي 5% لكل منهما ، وحيث أن نسبة الرسوم الجمركية التي فرضت على مصر هي 10% فقط ، في حين تتدرج نسب الرسوم الجمركية على الدول الأخرى بين 46% إلى 22%.

 

من هذا الفرق البين يمكن لنا أن نرصد الفُرص الحقيقية المتاحة لمصر ، والمتمثلة في إمكانية جذب الشركات العالمية من الدول المتضررة من الرسوم الجمركية الجديدة ذات الفئات المرتفعة إلى العمل والإنتاج في مصر ، حيث تتوفر العمالة الكثيفة الرخيصة والمدربة والبنية الأساسية الجاهزة ، أضف إلى ذلك سعر صرف الجنيه المنخفض ، وهذا في صالح تنافسية صادراتنا حال استطعنا زيادة إنتاجنا من الملابس ليكون بديلا عن المنتج الصيني مثلاً.

من ناحية أخرى يمكن لمصر أن تستفيد من اتفاقية الكويز ، والتي بموجبها يسمح للصادرات المصرية بالدخول إلى الولايات المتحدة دون جمارك ، بشرط أن يدخل فيها مكون اسرائيلي ، بنسبة لا تقل عن 10.5%.

وما ينطبق على المنسوجات ينطبق على سلع تصديرية أخرى يمكن لها في ظل الفرق الكبير بين فئات التعريفة الجمركية على السلع المصرية مقارنة بتلك المفروضة على ذات السلع المنتجة من الدول الأخرى ، أن تتغلغل إلى الأسواق الأمريكية.

فما المطلوب لكي نتحرك تجاه تعظيم الاستفادة من هذا المنجم الذهبي من تلك الفرص التجارية الواعدة؟

نحن في حاجة ماسة للتحرك بسرعة لنستغل الفرصة و نكسب حصة سوقية وسمعة جيدة لمنتجاتنا التصديرية ، حتي لو تم بعد ذلك إعادة الرسوم الجمركية إلى قرب ما كانت عليه ، ولكن ستكون منتجاتنا وصادراتنا قد رسخت تواجدها في أذهان المستهلكين ، وفرضت تواجدها في الأسواق.

من ناحية أخرى مطلوب المبادرة ببناء علاقات تجارية متبادلة مع الدول الكبرى المتضررة من الرسوم الجديدة مثل الصين ، ونقدم لهم تيسيرات تنافسية ، ونتيح لهم أراض مرفقة بنظام حق الامتياز لمدد طويلة ، لبناء مصانع لهم على أرض مصر ، تنتج منتجات عالمية يكون بلد المنشأ فيها اسم مصر ، وبالتالي تستفيد الشركات الدولية من ميزة انخفاض الرسوم الجمركية على المنتجات المصرية مقارنة بتلك المفروضة عليهم.

إن التحديات التي ولدتها الرسوم الأمريكية يمكن أن تتحول إلى سيناريوهات وخطط استراتيجية لتوسيع نطاق السوق أمام مختلف الصناعات المصرية التصديرية ، سواء في أمريكا أو الأسواق الدولية الأخرى ، بشرط زيادة الطاقة الإنتاجية الحالية ، عن طريق تطوير البنية الأساسية واستخدام التكنولوجيا الحديثة ، والذكاء الاصطناعي ، وتوفير التمويل اللازم بأسعار تنافسية معقولة ، وعلى فترات طويلة تتناسب مع الدورة الإنتاجية لقطاعات الصناعة ، وتدريب وتطوير العمالة الفنية اللازمة.

كما أن الأمر يحتاج إلى التعاون اللصيق بين الحكومة ومجتمع الأعمال لوضع استراتيجية لها أهداف محددة زمنياً وقابلة للقياس ، وإجراءات عمل تحكم أسلوب تعاملها مع المستثمرين بعيدا عن التعقيدات الروتينية.

إن أمامنا مجال جيد مليئ بالتحديات ولكنها قابلة للتحول إلى فرص بشرط قتل البيروقراطية وتوفير بيئية استثمار جادة.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى