رئيس “النقد العربي”: المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تساهم بـ45% في الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة

ألقى الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال الاجتماع السابع لوكلاء وزارات المالية العرب، الذي عُقد هذا العام “عن بعد”.

شارك في الاجتماع وكلاء وزارات المالية في الدول العربية وخبراء من صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى جانب صندوق النقد العربي الذي يتولى الأمانة الفنية لمجلس وزراء المالية العرب.

وقال الحميدي في كلمته إن أداء الاقتصاد العالمي شهد خلال عام 2021 بوادر تعافي من جائحة كورونا، حيث كان هناك تحسن نسبي في مستويات النشاط الاقتصادي العالمي، وحجم التجارة الدولية، وتدفقات رؤوس الأموال، على الرغم من فقدان عدد كبير من الوظائف.

وأوضح أنه فيما يتعلق بالمنطقة العربية، ساعد بدء تعافي الاقتصاد العالمي مع الاصلاحات وحزم الدعم التي قدمتها السلطات، التي تجاوزت 340 مليار دولار أمريكي مع نهاية سبتمبر 2021، لدعم الاقتصادات الوطنية خلال أزمة جائحة كورونا، على تعزيز فرص التعافي، ومع ذلك تواجه الاقتصادات العربية مجموعة من التحديات في أعقاب الجائحة تستلزم متابعة الاهتمام لدعم التعافي من خلال زيادة مستويات نشاط القطاعات الاقتصادية الحيوية، بالتالي استعادة مسار النمو الشامل والمستدام.

وأشار الحميدي إلى أنه من أبرز هذه التحديات، أهمية تحديث دور الدولة لتحفيز النمو المدفوع من القطاع الخاص والحفاظ على تيسير السياسة المالية مع تعزيز القدرة على تحمل الدين واستمرار تعزيز الاستدامة المالية، ذلك بالتخصيص الفعّال للموارد بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لمواكبة التحول الهيكلي الذي فرضته الجائحة.

وبحسب الحميدي، يتوقع صندوق النقد العربي انتعاش النمو الاقتصادي في الدول العربية خلال عامي 2021 و 2022 ليصل إلى نحو 2.7% و 5.2%، على التوالي، مقارنةً بنسبة نمو للاقتصاد العالمي بنحو 5.9% و4.9% خلال نفس الفترة، في ظل التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا، إضافةً إلى استمرار تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاحات السياسات الاقتصادية الكلية، والإصلاحات الهيكلية في المنطقة العربية لدعم الاستقرار الاقتصادي وحفز النشاط الاقتصادي وتنويع القاعدة الإنتاجية والتصديرية.

وأكد أنه من الضروري أيضاً تبني سياسات داعمة لسوق العمل بهدف الحد من فقدان الوظائف، خصوصاً في قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الذي يساهم بنحو 45% في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، ويمثل ثلث اليد العاملة في القطاع الرسمي، إضافةً إلى أهمية الحد من ارتفاع الدين العام، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة ارتفعت لتبلغ نحو 120% مع نهاية عام 2020، بينما بلغت النسبة 350% مع نهاية سبتمبر 2021 للاقتصاد العالمي.

أضاف أن من أهم سمات الإصلاحات التي تعمل عليها دولنا العربية، متابعة جهود التنويع الاقتصادي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودعم دور رقمنة المالية العامة في تعزيز الحوكمة والشفافية، وتحسين منظومة الضرائب، بما يعزز من فرص الاستدامة المالية من جهة ويشجع على خلق البيئة المحفزة لنمو القطاع الخاص وجذب الاستثمار من جهة أخرى.

وأشار الحميدي إلى أنه في ضوء تسارع استخدام التقنيات المالیة الحديثة وتنامي الاحتياجات التمويلية للحكومات، أصبح التحول الرقمي لعمليات أسواق الأوراق المالیة الحكومية محل إھتمام ودراسة لدى صناع القرار على مستوى العالم والمؤسسات المالیة الدولیة، لما له من أثر على جذب مستثمرین جدد إلى الأسواق المالیة، وتخفیض تكلفة المعاملات، وتعزیز السیولة، ورفع كفاءة البیانات والتقاریر والامتثال، إضافةً إلى تعزیز فرص اندماج الأسواق المالیة وتنشیط المعاملات عبر الحدود.

تابع “إلا أنه على الرغم من الفرص العديدة التي یتیحھا التحول الرقمي، ھناك عدداً من التحدیات التي يجب أخذها في الاعتبار، مثل مواجھة غسل الأموال وتمویل الإرهاب، والجرائم المالیة الإلكترونية، في ظل تزايد المعاملات الرقمية عن بُعد، إضافةً إلى جوانب تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية التي یجب أن توفر الإطار الملائم للتوازن بین الابتكارات المالیة وتنظيم تلك الصناعة والاشراف علیھا، وكفاءة آلیات الامتثال لها”.

وأوضح أن استحداث الأصول المالیة الرقمیة وإدارة منصاتھا یُمثل تحدیاً لأسواق الأوراق المالیة الحكومیة، لما تحتویه من أبعاد بحاجة إلى التركيز عليها، مثل إدارة المخاطر، والحفاظ على سلامة الأمن الإلكتروني، والتعامل مع بیانات العملاء والحفاظ على خصوصيتها، في إطار من التوازن مع البیانات المفتوحة، إلى جانب توفر البنیة التحتية المالیة الملاءمة، والتشغیل البیني فیما بینھا، واستحداث تقنیات جدیدة، مثل السجلات الموزعة أو سلسلة الكتل (البلوكشين) في تشغیلھا، وما یتبعه ذلك من أھمیة تفعیل العقود الذكیة لتنفیذ الحقوق والإلتزامات. یُلقي هذا الأمر بظلاله على ضرورة تعزیز منظومة حمایة حقوق المتعاملین في الخدمات والمنتجات المالیة الرقمیة.

وأكد على ضرورة الانتباه إلى القضایا الضریبیة للأصول المالیة الرقمیة والمُشفرة، وھي محط انتباه السلطات الإشرافية، التي تستوجب بذل جهود كبيرة لدراستھا وتحديد تداعیاتھا.

ولفت الحميدي إلى دراسة مُقدمة من صندوق النقد العربي، تم إعدادها بالاستناد إلى نتائج استبيان تم استيفاؤه من قبل وزارات المالية في الدول العربية، حيث تشير تلك الدراسة إلى أن السلطات في الدول العربية عملت على مدار السنوات الماضية على تطوير وتنمية أسواق التمويل المحلية، من حيث تحسين عمليات سوق الإصدارات الأولية، وتنظيم الإصدارات الحكومية ودوريتها، ومراعاة خلق منحنى عائد، ودعم أنشطة صانعي السوق، وتعزيز شفافية ونشر أسعار الأدوات المالية الحكومية، مما يؤدي بدوره إلى تعزيز السيولة في الأسواق، بالتالي خفض تكلفة إصدارات الأوراق المالية الحكومية، والمساهمة في تعزيز السيولة وتوسيع قاعدة المستثمرين.

وأكد أنه لا شك أن هناك حاجة لمتابعة واستكمال هذه الجهود وتعميقها بالاستفادة مما تتيحه التقنيات المالية الحديثة من فرص كبيرة ، لافتا إلى أنه في هذا السياق، تختلف وتيرة تفعيل خطة التحول الرقمي في أسواق الأوراق المالية الحكومية باختلاف وضع الأسواق في الدول العربية، وتنظيمها والمشاركين فيها، والأهداف المرجوة، إضافةً إلى عوامل أخرى، تشمل على سبيل الذكر وليس الحصر، مدى أمن وسلامة وتطور البنية التحتية المالية، والأطر التشريعية الحالية وما يمكن تنفيذه من تعديلات تشريعية لاحقا.

وأضاف أن التحولات الرقمية انعكست أيضا على آليات عمل وأداء السياسات الاقتصادية الكلية، من بينها المالية العامة بهدف تطوير آليات أكثر كفاءة لإدارة الإيرادات والنفقات العامة، بما يُحقق أهداف السياسة المالية ، لافتا في هذا السياق إلى أن  رقمنة التحصيل الضريبي تلعب دوراً مهماً على صعيد توسيع القاعدة الضريبية، ومحاربة التهرب الضريبي، وزيادة كفاءة الأداء الضريبي، من خلال التحول للنظم الإلكترونية للامتثال والتحصيل.

وبحسب الحميدي تشير الإحصاءات إلى ضعف الإيرادات الضريبية في المنطقة العربية، حيث تبلغ نسبة الإيرادات الضريبية نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 حسب تقديرات صندوق النقد العربي، مقارنة بالمعدل العالمي المُقدر بـحوالي 15% وفق تقديرات البنك الدولي ، وبناءً على ذلك، ولتعزيز كفاءة التحصيل الضريبي، التي سجلت مستويات قليلة نسبياً، إذ تبلغ في المتوسط 54% في المنطقة العربية، عملت الدول العربية على تنفيذ عددٍ من الإجراءات والخطوات الاستباقية التي تُمهّد لرقمنة التحصيل الضريبي، بما يشمل وضع الإطار القانوني الداعم للتحول من التحصيل المادي للتحصيل الإلكتروني، وإعادة هندسة الإجراءات الخاصة بكل عملية من عمليات التحصيل الضريبي، إضافةً إلى تبني نظم للتسجيل الضريبي للمكلفين ضريبياً والفوترة الإلكترونية وتوفير المنصات الإلكترونية الضرورية لتلقي ومعالجة التصاريح والأداءات الإلكترونية، بالتالي زيادة مستويات كفاءة السياسة المالية.

كما تشير الدراسة المُقدمة من صندوق النقد العربي، التي تم إعدادها بالاستناد إلى نتائج استبيان تم استيفاؤه من قبل وزارات المالية في الدول العربية، إلى إحراز عددٍ من الدول العربية تقدماً في إطار رقمنة التحصيل الضريبي على عدة أصعدة خلال السنوات السابقة، لاسيما الدول ذات الاقتصادات المتنوعة قديمة العهد بالنظم الضريبية، فيما تسعى الدول العربية الأخرى إلى تبني هذه النظم في إطار إصلاحات تنويع الإيرادات العامة التي نفذتها في أعقاب التراجع المسجل في الأسعار العالمية للنفط في عام 2014، وشرعت بمقتضاها في تطبيق الضرائب لاسيما ضريبة القيمة المضافة.

وأصاف أن رقمنة التحصيل الضريبي ساهمت في توسيع القاعدة الضريبية، وزيادة دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية للاقتصاد، وتسهيل وتبسيط إجراءات التحصيل الضريبي، بما ساعد على زيادة مستويات الامتثال ومحاربة التهرب الضريبي، وزيادة الحصيلة الضريبية لبعض الأوعية الضريبية بنسبة تقدر بنحو 14% في بعض الدول العربية.

وأكد الحميدي أن وزارات المالية لها دور مهم في تعزيز مساهمات القطاع الخاص في النمو الشامل والمستدام، خاصة في الدول التي تشهد قيوداً مالية ومحدودية أدوات السياسة الاقتصادية لتحفيز النمو ، لافتا  في هذا الإطار إلى أنه يجب التنويه بضرورة دعم جهود النهوض بالقطاع الخاص في الدول العربية، من خلال اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة ووضع الخطط والاستراتيجيات الملاءمة، بما يعزز ريادة هذا القطاع الحيوي ودوره في تحقيق الأهداف المنشودة.

وأوضح أن هناك العديد من الخطوات المهمة التي يجب التركيز عليها،بهدف تعزيز البيئة المحفزة لقطاع الأعمال وتوفير فرص شراكة مثمرة مع القطاع الخاص لرفع مساهمته في تحقيق النمو الاقتصادي، لعلَّ أهمها التشاور مع الجهات المعنية بهذا القطاع حول التحديات الرئيسة التي يواجهها على صعيد السياسات المؤثرة في قطاع الأعمال والاستثمار والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وانتهاج سياسات وبرامج تمكّن القطاع الخاص من لعب دور محوري في دفع عجلة الاقتصاد الوطني بكفاءة لتعزيز تنافسيته وإنتاجيته، تماشياً مع أهداف الدول في جعل القطاع الخاص قاطرة للنمو الاقتصادي.

وأشار إلى أن دراسة للصندوق أكدت أن تركُّز التوظيف في القطاع العام في المنطقة العربية يؤدي إلى بعض الاختلالات في أسواق العمل، فيما يتعلق بخلق فرص العمل في القطاع الخاص، كما كشفت الدراسة أن الشركات المملوكة للدولة في المنطقة العربية أقل ربحية من شركات القطاع الخاص.

وتابع “مع ذلك، فإن فجوة الربحية في المنطقة العربية أصغر مقارنة ببقية العالم. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الحاجة إلى إصلاح واسع النطاق للشركات المملوكة للدولة في إطار إعادة تقييم أكثر شمولية لدور الدولة في اقتصادات المنطقة العربية ، كما أشارت إلى ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، من خلال إصلاح سياسات المنافسة وتحسين بيئة الأعمال، وما يتطلبه ذلك من تركيز الدول على تيسير الأنشطة التجارية في المنطقة العربية”.

​وأشار  إلى تأثر الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بالإجراءات الإحترازية الصحية والوقائية التي تم تبنيها، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ حركة النشاط الاقتصادي بوجه عام ، وبدايةً من النصف الثاني لعام 2021، تراجعت مستويات الانكماش الاقتصادي مع الإزالة التدريجية للقيود الصحية وانتعاش النشاط الاقتصادي في عددٍ من القطاعات الإنتاجية، في حين استمر تأثر قطاعات اقتصادية أخرى بسبب تلك القيود في بعض الدول العربية.

لفت إلى أنه بالرغم من التباين القائم بين الدول العربية من حيث هياكلها الصحية والتمويل المخصص لها، إلاّ أن بعضها تمكن من التكيف والاستجابة السريعة على صعيدي السياسات واحتواء الجائحة على حدٍّ سواء.

وفي المقابل، هناك دول أخرى في المنطقة العربية تواجه عدداً من التحديات للحد من الآثار السلبية لجائحة كورونا على المستويين الاقتصادي والصحي.

لفت إلى أنه يمكن التنويه في هذا السياق بضرورة استخدام البيانات كعنصر ضروري ومحوري لصنع سياسات الصحة العامة، ويمكن الاستفادة من التقدم المحرز في هذا الصدد للقيام بالإصلاحات اللازمة للحد من تداعيات الأزمات.

أضاف أن التقرير المُقدم من البنك الدولي يبرز كيفية ارتباط تكاليف أزمة جائحة كورونا بالعوامل الاقتصادية وعوامل الصحة العامة على حدٍّ سواء في المنطقة العربية، وكيف أن الإنفاق العام على الرعاية الصحية في أعقاب التطورات الداخلية في بعض الدول العربية طغت عليه زيادة الانفاق الحكومي على التوظيف، كما يتناول التقرير تقييم جاهزية نظام الصحة العامة في المنطقة العربية قبيل تفشي جائحة كورونا، حيث إن العديد من دول المنطقة أظهرت تفاؤلاً فيما يتعلق بقدرة نُظمها الصحية العامة على الحد من تداعيات الجائحة.

في الختام، تطرق التقرير إلى المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن تحقيقها باستخدام نظم المعلومات الرقمية الذكية في مجال الصحة العامة في المنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى