بلومبرج: البنوك المرتبطة بروسيا تواجه اختباراً قاسياً مع بدء تطبيق العقوبات

التحدي الأكبر الذي يواجهه "المركزي الأوروبي" يتمثل في التأكد من تطبيق العقوبات بشكل صحيح وتتدبر أي اضطراب أوسع في السوق

كان ضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم في عام 2014 هو اللحظة التي خفض فيها عديد من البنوك العالمية تعرضه بشكل حادّ لنظام فلاديمير بوتين، لكن الشركات في بعض الدول الأوروبية لم تتوقف عن ذلك طويلاً ، بحسب بلومبرج

وبعد إغرائها بالأرباح المعروضة، زادت البنوك من إيطاليا والنمسا بالفعل أعمالها المشتركة في روسيا منذ بداية عام 2015، وفقاً لبيانات من بنك التسويات الدولية التي جمعتها “بلومبرج إنتليجنس”، كما خفضت البنوك الفرنسية قروضها الروسية خلال نفس الفترة، لكن بنك “سوسيتيه جنرال” لا يزال له حضور كبير في روسيا.

ويُعتبر بنك “يونكريديتو” الإيطالي، وبنك “رايفايزن إنترناشيونال” (Raiffeisen Bank International) النمساوي، هما البنكان الأوروبيان الآخران اللذان لديهما أكبر العمليات الروسية.

وبين 2017 والنصف الأول من عام 2021 زاد “رايفايزن” و”سوسيتيه جنرال” قروضهما لعملاء التجزئة والشركات الروسية، فيما خفضها “يونكريديتو” بشكل طفيف.

وبعد اعتراف بوتين هذا الأسبوع بجمهوريتين أعلنتا انفصالهما في شرق أوكرانيا، يبدو أن تلك الأعمال المحلية التابعة لـ”سوسيتيه جنرال” و”يونكريديتو” و”رايفايزن” باتت معرضة بشكل متزايد للآثار غير المباشرة للانتقام المالي، إذ كشف الرئيس جو بايدن يوم الثلاثاء عن إجراءات تستهدف اثنتين من أكبر المؤسسات المالية في روسيا، “في إي بي” (VEB.RF) وبنكها العسكري؛ ومن جهته، نفى الكرملين أن لديه خططاً لغزو أوكرانيا.

وربما كانت القرارات السابقة التي اتخذها “دويتشه بنك” و”نورديا بنك” الفنلندي وآخرون للتراجع عن الإنفاق في روسيا حكيمة؛ حيث بلغ تعرُّض “دويتشه بنك” الائتماني 7.9 مليار يورو (9 مليارات دولار) في عام 2012، لكن ذلك انخفض 70% تقريباً بنهاية عام 2016 بعد أن أغلق وحدة للأوراق المالية وسط فضيحة غسل الأموال؛ وبدورها، تخلّت مؤسسة “مورغان ستانلي” عن رخصتها المصرفية الروسية في عام 2019.

ويقول جون كورزين، الذي كان يدير مجموعة “غولدمان ساكس” حتى عام 1999، وأصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي ويدير الآن صندوق تحوط: “لقد أظهر الآن بوتين نياته المستقبلية، وهذا سيجعل من الصعب للغاية بالنسبة إلى معظم المستثمرين الأمريكيين والغربيين أن تكون هناك أي ثقة للقيام بأي عمل جادّ لفترة طويلة جداً من الوقت”.

ومن جانبه، أخبر فريدريك أوديا رئيس “سوسيتيه جنرال” الموظفين، يوم الجمعة، أن البنوك الأمريكية اتصلت بشركته للحصول على مساعدة محتملة في إدارة المعاملات المالية الروسية في حالة فرض عقوبات جديدة، وفقاً لـ”بلومبرج نيوز”، لكن تعليقاته جاءت قبل تصعيد بوتين الدراماتيكي يوم الاثنين.

وفي سياق متصل، رفض بنكان على الأقل في “وول ستريت” فكرة أنهما يسعيان للالتفاف على أي حظر روسي، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر فضّلت عدم الكشف عن هويتها، إذ قالت هذه المصادر إنّ معظم البنوك الأمريكية الكبرى لديها تعرُّض ضئيل فقط في روسيا الآن، لذا فإن التأثير المباشر للعقوبات سيكون محدوداً.

سيكون التأثير الأوسع للأزمة في الأسواق المالية، وأي ضرر يلحق بالتداول سيكون بمثابة مصدر قلق أكبر، وتشعر بنوك الاستثمار بالقلق من تأثير العقوبات في العقود الآجلة المرتبطة بالنفط والغاز الروسي، أو مقايضات التخلف عن السداد على الديون الروسية، وفقاً لدانفورث نيوكومب، المحامي في شركة “شيرمان آند ستيرلينغ” (Shearman & Sterling) للمحاماة، الذي يقول إن عديداً من كبار المصرفيين لديهم مخاوف أيضاً من الهجمات الإلكترونية الانتقامية على شركات التمويل الأمريكية من قِبل قراصنة مرتبطين بالكرملين.

وستقلق الشركات التي يتعامل مديرو ثرواتها مع النخب الروسية وعائلاتها أكثر بشأن الحزمة التالية المحتملة من العقوبات التي تستهدف البنوك الخاصة.

وقال فينكاتاكريشنان، الرئيس التنفيذي لشركة “باركليز”: “لقد بذلنا كثيراً من العناية واليقظة عند إدماج الكيانات الروسية والعملاء الروس”.

ويُعَدّ “سيتي جروب” هو بنك نيويورك الذي يتمتع بأكبر حضور مباشر في روسيا، ومع ذلك فإنّ ما قيمته 5.5 مليار دولار من القروض، والأوراق المالية الاستثمارية، والأصول الأخرى المرتبطة بالدولة، كانت تمثل 0.3% فقط من إجمالي المجموعة في نهاية الربع الثالث، وتخطط المجموعة للخروج من الخدمات المصرفية للأفراد هناك.

وتُظهِر بيانات “الهيئة المصرفية الأوروبية” أن الأعمال الروسية في “سوسيتيه جنرال” و”يونكريديتو” و”رايفايزن” أكبر بكثير.

ويتمثل عامل الجذب الرئيسي لروسيا في الأرباح المعروضة، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الأوروبية التي تقلصت هوامشها في أماكن أخرى. في ديسمبر كُشف النقاب عن الاستراتيجية الجديدة للمدير التنفيذي أندريا أورسيل لـ”يونكريديتو”، إذ قال البنك إن أوروبا الشرقية، بما في ذلك روسيا، ستحقق أعلى ربحية في أي منطقة من مناطق أعمال البنك.

وبذل أورسيل، الذي يترأس فريقاً من 4000 موظف في روسيا، العناية الواجبة للاستحواذ على بنك “أوتكريتي” (Otkritie Bank) الروسي، لكن الوضع في أوكرانيا جعل ذلك أمراً لا يمكن الدفاع عنه.

في عرض تقديمي عام 2019، سلّط بنك “سوسيتيه جنرال” الضوء على عوامل الجذب في روسيا بصفتها سوقاً سريعة النمو للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية، إذ كانت الإيرادات تتوسع 9% سنوياً؛ كل هذا يمكن أن يكون موضع نقاش بسبب المخاطر السياسية.

ويعتمد بنك “رايفايزن” النمساوي بشدة على روسيا، إذ تقول “بلومبرغ إنتليجنس” إن لديه نحو 11.6 مليار يورو من قروضه هناك (11% من إجماليها) ويحقق أكثر من 30% من أرباحه قبل الضريبة هناك. تراجعت أسهم “رايفايزن”، الذي خصص أموالاً في حال باتت القروض الروسية معدومة، بأكثر من 13% هذا الأسبوع.

وتمثل قروض “يونكريديتو” و”سوسيتيه جنرال” لروسيا أقل من 2% من أعمالهما، مما يحد من المخاطر؛ وبينما يحث “البنك المركزي الأوروبي” المقرضين على الاستعداد لتداعيات الأزمة، فإنه يقرّ بأن عمليات التجزئة للبنوك الأوروبية في روسيا وأوكرانيا تعتمد غالباً على التمويل المحلي، مما يجعلها أقل عرضة للإجراءات الانتقامية العابرة للحدود.

ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجهه “البنك المركزي الأوروبي” في التأكد من أن البنوك تطبق العقوبات بشكل صحيح وتتدبر أي اضطراب أوسع في السوق.

وأخطأ “سوسيتيه جنرال” -الذي يعمل في روسيا من خلال وحدته “روسبنك” (Rosbank)- في هذه المجالات من قبل.

وفي عام 2018 كان عليه دفع 1.3 مليار دولار لانتهاكه قوانين العقوبات الأمريكية ضد كوبا وإيران والسودان؛ وهو لم يكن وحيداً، فمنذ أواخر عام 2009 دفع 11 بنكاً أوروبياً رئيسياً أكثر من 19.6 مليار دولار غرامات وتسويات مع السلطات الأمريكية بسبب انتهاكات العقوبات وضعف ضوابط غسل الأموال، وفقاً لـ”بلومبرغ إنتليجنس”.

وفي الوقت الحالي، تبدو البنوك الأوروبية متفائلة بشأن الموجة الأولى من العقوبات الجديدة، إذ قال أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد البنوك إن بنكه الدولي شهد زيادة في الودائع الروسية مع نقل العملاء الأموال من البنوك المملوكة للدولة.

من جانبه قال “سوسيتيه جنرال” إنه يواصل العمل بطريقة طبيعية ضمن إطار الرقابة الحالي، فيما يُجري “يونكريديتو” تقييماً للعقوبات الجديدة؛ وكان “أورسيل” قال الشهر الماضي: “لقد مررنا بعدد من التكرارات المتتالية للعقوبات وتقلبات صعودية وهبوطية”.

بدوره، كان يوهان ستروبل، الرئيس التنفيذي لبنك “رايفايزن”، أكثر هدوءاً في اجتماع هاتفي تناول أرباح بنكه لشهر فبراير، قائلاً: “للأسف، تراكمت لدينا على مرّ السنين خبرة كبيرة في كيفية التعامل مع العقوبات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى