محمد عبد العال يكتب عن .. قوة الجنيه المصري في تحمل الضغوط

لماذا يفترض البعض بأن الجنيه المصري سيواجه ضغوطاً محتملة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ؟؟

دعونا نتفق أنه منذ 2016 ، والجنيه المصري عائم ، أي أن سعر صرفه يتحدد وفقاً لظروف العرض والطلب ، ووفقا لتلك الآلية ليس عيباً أن يتحرك السعر هبوطاً أو صعودًا إذا حتمت ظروف السوق المؤثرة في عرض وطلب النقد الأجنبي ذلك.

ودعونا نناقش ببساطة شديدة العوامل التي يمكن أن تضغط على الجنيه المصري بسبب احتمال تولد قصور في النقد الأجنبي.

أول تلك العوامل هو احتمال خروج نسبة أو بعض من الأموال الساخنة للمستثمرين الأجانب ، الاستثمار الأجنبي غير المباشر، في أوراق الدين العام المحلية ، وهذا تصرف متوقع في مثل تلك الأزمات الدولية ، التي يفضل المستثمرون الخروج باستثماراتهم إلى ملاذ آمن ويهرولون إلى الدولار ، وحدث هذا معنا من قبل ، أثناء الجائحة ، ولم يتدهور في حينه الجنيه المصري ، رغم أن ظروفنا كانت أصعب ، وتم الاستعانة المرحلية بالاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي ، إلى أن استقرت الأمور عالمياً ، وعادت تلك الأموال تدريجياً وواصلت النمو مرة أخرى ، لتلامس مستوى الـ 33 مليار دولار ، تهبط تارة ، وتستقر تارة ، إنها أموال ساخنة شديدة التحرك ، والبنوك المصرية واعية لها وتعمل حساباتها، في إطار إدارة سيولتها من النقد الأجنبي.

العامل التالي هو فارق فاتورة استيراد النفط ، وبعض السلع الإستراتيجية الضرورية ، التي ارتفعت تحت تأثير الموجة التضخمية السعرية العالمية التي قد تكون مؤقتة نتيجة التوتر الجيوسياسي القائم ، فمن المتصور أن تلك التكاليف  يمكن تعويض الفاقد الأكبر منها نسبياً ، من زيادة إيرادات عدة مصادر تملكها مصر ، منها وأهمها إيرادات تصدير الغاز التي ارتفعت أسعاره عالمياً ، وأيضاً إجراءات ترشيد حجم وقيمة الاستيراد ، التي تمت فعلا من قبل الدولة ، هناك أيضا الزيادة في إيرادات قناة السويس وتحويلات  العاملين المصريين في الخارج  ، كما تم تجديد الودائع الخليجية ، وهناك إمكانية التفاهم مع بعض المؤسسات الدولية لترتيب بعض التمويلات الإضافية الاحتياطية ، كما أن هناك العديد من الأسواق الدولية التي تترقب إصدار مصر أية كمية من السندات الجديدة ، خاصة بعد قبول مصر في مؤشر جي بي مورجان لسندات الدول الناشئة ، ثم يأتي في النهاية الاحتياطي بالنقد الأجنبي المحتفظ به لدى البنك المركزي المصري ، والذي تجاوز الـ 40 مليار دولار ، والذي يمثل لنا صمام الأمن الأول والأخير والضامن لتغطية وتلبية احتياجات مصر الاستيرادية من السلع الإستراتيجية وسداد التزاماتنا الدولية لمدد تصل إلى 8  شهور ، وهو الأمر الذي يحمينا بدرجة كبيرة من مخاطر التعرض لنقص في النقد الأجنبي في الظروف غير العادية وأوقات الأزمات.

ثم نعود ونسأل.. لماذا لا نُخفض الجنيه على الأقل لكي نُنشط  التصدير والسياح؟!

سؤال مهم ، ولاسيما أنه في بعض الأحيان يكون تخفيض العملة في صالح الدولة ، كما تفعل الصين ، بهدف دعم المنافسة السعرية لسلع التصدير الصينية في الأسواق العالمية ، ولكن هل من مصلحة مصر أن تخفض عملتها كما يردد البعض الآن؟ في ظل هيكل التجارة الخارجية الحالي؟ الذي يعانى من عجز كبير في الميزان التجاري، نتيجة أننا نستورد 60% من احتياجاتنا؟!

نحن لسنا مثل الصين !

للأسف نحن نصدر سلعاً بحوالي 35 مليار دولار فقط ، ولكننا نستورد بأكثر من 70 مليار دولار سنويا ، وهو الأمر الذي يعنى أن تكلفة أية خفض للجنيه يعنى ارتفاع فاتورة الاستيراد فوراً بشكل كبير ، وزيادة العجز في الميزان التجاري ، ويترتب على ذلك زيادة الأسعار على المستهلك النهائي ، ويكون لدينا معدل تضخم مرتفع بسبب خفض الجنية ، وأيضا بسبب التضخم المستورد ، كما أن التخفيض لن يحفز السياحة ، كما يقول البعض ، لأنه لا يوجد للأسف سياحة ، فهي مُغلقة مؤقتاً والأسباب معروفة.

أي باحث اقتصادي قد يخطئ وقد يصيب  ، ولكنى لن أتردد في أن أقول أني أتوقع بدرجة عالية من الثقة أن الجنيه المصري سيظل مستقرا على مستوياته الحالية ، ولن يتراجع أو يهبط ، لأن النفع على عوائد السياحة أو التصدير من أى خفض في سعر صرف العملة سيكون محدوداً جداً ، بينما التكاليف المحتملة قد تكون مرتفعة جداً ، وسلبية على معظم المؤشرات الاقتصادية الكلية ، كما أن الفارق بين سعر الجنيه الحالي مقابل قيمته العادلة يُعتبر هامشيا جداً ، ومن ثم نؤكد أنه لا يوجد مبررات  حتمية ، ولا مصلحة ، ولا عوامل ايجابية ، تتطلب تخفيض سعر الجنيه على المدى القريب والمتوسط .

إن الكلام المرسل ، وغير الموضوعي ، وغير المبرر ، في مثل تلك الأمور الحساسة ، قد يؤثر نفسيا على تصرف توجهات بعض المتعاملين والمستثمرين ، ويعرضنا لتوتر سوق النقد وعودة ظاهرة الدولرة ، وهى أمور تخلصنا منها بدون رجعة و من زمن بعيد.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى