“النقد العربي”: البنك المركزي المصري حريص على استقرار الاقتصاد الكلي ومكتسباته
الصندوق يتوقع استمرار الموقف التقييدي للسياسة النقدية في مصر خلال عامي 2022 و2023
أكد تقرير صادر عن صندوق النقد العربي أن البنك المركزي المصري حريص على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ومكتسباته، وأنه يؤمن بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر.
توقع الصندوق استمرار الموقف التقييدي للسياسية النقدية في مصر خلال عامي 2022 و2023، بما يساهم فى خفض الضعوطات التضخمية والوصول بمعدل التضخم إلى المستويات المستهدفة من فى إطار سياسة استهدف التضخم.
وأكد الصندوق، في تقرير أفاق الاقتصاد العربي الإصدار السادس عشر، أن إدارة السياسة النقدية تواجه تحديات خلال عامي 2022 و2023 فى ظل الضغوطات التى تواجه الاوضاع الخارجية ، نتيجة ارتفاع مستوي العجز في ميزان المعاملات الجارية والاتجاهات التصاعدية لمعدلات التضخم فى ظل التطورات العالمية الأخيرة.
وأوضح أن لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري قررت في اجتماعها الاستثنائي الأخير رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.25% و10.25% ، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم وبواقع 100 نقطة ليصل إلى 9.75%.
وأشار إلى أن بيان لجنة السياسة النقدية أكد على أنه على مدار الفترة الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري فى تحقيق العديد من المكتسبات وعلى رأسها رفع كفاءة مؤشرات الاقتصاد الكلي لمصر ، وهو ما مهد الطريق لمواجهة أى تحديات واضطرابات اقتصادية قد تطرأ نتيجة لعوامل خارجية بالأساس.
ولفت إلى الاصلاحات الهيكيلة التى تبناها البنك المركزي والحكومة المصرية بهدف توفير الدعم للمواطنين وتخفيف العبء عليهم خلال أزمة جائحة كورونا.
وأطلق الصندوق الإصدار السادس عشر من تقرير “آفاق الاقتصاد العربي”، الذي يتضمن توقعات الأداء الاقتصادي الكلي للدول العربية على عدد من الأصعدة خلال عامي 2022 و2023.
وأوضح التقرير أنه بينما كان العالم يجاهد في بداية عام 2022 للتغلب على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار فيروس كوفيد-19 ومتحوراته للعام الثالث على التوالي، شهد الاقتصاد العالمي تطوراتٍ عالميةٍ غير مواتية نتج عنها ارتفاع أسعار العديد من السلع الزراعية والصناعية ومواد الطاقة، وتحديات أكبر لسلاسل الإمداد الدولية التي لم تكن قد تعافت بعد من التأثيرات الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
وتابع “كما أدت تلك التطورات إلى تزايد مستويات المخاطر، وعدم اليقين في ظل التداعيات التي خلفتها والتي اتسع نطاق تأثيرها ليشمل كافة الدول والأسواق والأسر، ونتج عنها تراجع مستويات القوة الشرائية خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وأثارت مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي”.
وفيما كانت تقديرات المؤسسات الدولية تشير قبل تلك التطورات إلى نمو الاقتصاد العالمي بما يتراوح بين 4 و4.5% في عام 2022 بفعل استمرار التعافي المتوقع لاسيما في عدد من الاقتصادات المتقدمة والنامية، وانخفاض وتيرة النمو في عام 2023 إلى ما يتراوح بين 3.2 و3.8% نتيجة الاستمرار في السحب التدريجي لحزم التعافي، جاءت التطورات العالمية الأخيرة لتفرض تأثيراتها وتنعكس على معدلات النمو خلال أفق التوقع.
في هذا الإطار، تشير التقديرات الدولية إلى أن تلك التطورات ستؤدي إلى انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي مقارنةً بالتوقعات السابقة للتطورات الأخيرة بما يتراوح بين 0.5 و1.0 نقطة مئوية على الأقل خلال عام 2022، وسينتج عنها ارتفاع متوقع لمعدل التضخم العالمي بما يتراوح بين 2.5 و3 نقطة مئوية، فيما سينتج عن تلك التطورات انخفاض محتمل للناتج الإجمالي العالمي بنحو 1% في عام 2023، ما يمثل خسارة بنحو تريليون دولار، وارتفاع إضافي لمعدل التضخم بنحو نقطتين مئويتين.
في هذه الأثناء، تأثرت أسواق الطاقة الدولية بالانعكاسات الناتجة عن التطورات العالمية الأخيرة، ما أدى في مجمله إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز لتسجل خلال شهر مارس 2022 أعلى مستوياتها منذ عام 2008، حيث شهدت أسعار النفط والغاز الطبيعي ارتفاعاً بنسبة 40% و112% خلال الربع الأول من عام 2022 مقارنة بمتوسط الأسعار المسجلة في عام 2021.
في ظل هذه التطورات، من المتوقع ارتفاع معدل نمو الاقتصادات العربية إلى نحو 5.0% في عام 2022 مدعوماً بالزيادة في انتاج النفط وأسعاره في الأسواق الدولية، والأثر الداعم للنمو جراء استمرار حزم التحفيز في الدول العربية خلال عام 2022، التي ارتفع حجمها إلى 396 مليار دولار أمريكي.
ويعكس معدل النمو المتوقع للعام الجاري ارتفاع معدل نمو الاقتصادات العربية المصدرة للنفط بنحو 5.6% جراء الزيادات المسجلة في ناتج قطاعي النفط والغاز؛ أما فيما يتعلق بعام 2023، فمن المتوقع انخفاض معدل نمو الدول العربية كمجموعة إلى نحو 4.0% كنتيجة لتراجع الطلب العالمي، والسحب التدريجي لحزم الدعم، والانخفاض المتوقع لأسعار السلع الأساسية.
في هذا الإطار، من المتوقع ارتفاع معدل نمو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2022 ليصل إلى نحو 5.8%، مقابل 3.1% في عام 2021، بفعل مجموعة العوامل الداعمة للنمو الاقتصادي في كل من القطاعات النفطية وغير النفطية، والتأثير الإيجابي للإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى زيادة مستويات التنويع الاقتصادي، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، علاوة على الاستمرار في تبني حزم للتحفيز داعمة للتعافي من جائحة كوفيد-19، في حين من المتوقع انخفاض وتيرة نمو دول المجموعة العربية إلى 3.6% في عام 2023.
أما فيما يتعلق بالدول العربية الأخرى المصدرة للنفط، فمن المتوقع أن تستفيد من الزيادات المقررة في كميات الإنتاج في إطار “اتفاق أوبك+”، ومن الارتفاع في الأسعار العالمية للنفط والغاز، ليرتفع بذلك معدل نمو المجموعة إلى نحو 4.6% في عام 2022، مقابل 3.3% في عام 2021، فيما يتوقع تراجع معدل نمو دول المجموعة إلى 3.9% في عام 2023 بفعل الظروف الداخلية في بعض بلدان المجموعة المؤثرة على النمو الاقتصادي، والتحديات التي تواجهها على صعيد زيادة مستويات جاذبية بيئات الأعمال.
وعلى مستوى الدول العربية المستوردة للنفط، من المتوقع تسجيلها لوتيرة نمو معتدلة في عام 2022 بحدود 3.7% مقابل نحو 2.5% في عام 2021، بسبب الضغوطات التي تواجه دول المجموعة على صعيد توازناتها الداخلية والخارجية التي تؤثر على مستويات الاستهلاك والاستثمار، فيما يتوقع تحسن ملموس لمعدل النمو الاقتصادي لدول المجموعة ليسجل حوالي 5% في عام 2023، بما يُعزى إلى توقع تحسن مستويات الطلب الكلي في هذه البلدان، وانحسار تدريجي للضغوطات التي تواجه أوضاع الموازنات العامة وموازين المدفوعات نتيجة الانخفاض النسبي المتوقع لأسعار السلع الأساسية العام المقبل.
من جهة أخرى، أشار تقرير آفاق الاقتصاد العربي إلى أنه من المتوقع ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة ليسجل نحو 7.5% في عام 2022، مقارنة مع 5.7% في عام 2021، فيما يتوقع تراجع نسبي لمعدل التضخم في عام 2023 ليصل إلى حوالي 7%؛ ويعكس هذا الارتفاع المتوقع لمعدلات التضخم تأثير التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد الدولية، والارتفاعات المسجلة في أسعار السلع الزراعية والصناعية ومواد الطاقة، نتيجة للتطورات العالمية الراهنة، علاوة على تأثير الزيادة في مستويات الطلب الكلي، ورفع معدلات ضرائب الاستهلاك في بعض الدول العربية، وأثر التمرير الناتج عن انخفاض قيمة بعض العملات العربية مقابل العملات الرئيسة، وتأثير عوامل تضخمية أخرى تتباين من دولة عربية لأخرى.
وبناءً على ماسبق، من المتوقع أن تغلب الاتجاهات التقييدية على توجهات السياسة النقدية في الدول العربية خلال أفق التوقع بما يعكس توجهات المصارف المركزية الدولية في ظل تبني عدد من الدول العربية لأنظمة سعر الصرف الثابت لاسيما مقابل الدولار الأمريكي، وتوجه مماثل من بعض الدول العربية التي تتبنى نظماً مرنة للصرف لرفع الفائدة في ظل الارتفاع الأخير المسجل في معدلات التضخم، والضغوطات التي تواجه أسواق الصرف الأجنبي نتيجة للتطورات العالمية الأخيرة.
كما ستواصل المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية جهودها على صعيد تطبيق أدوات السياسة النقدية غير التقليدية لدعم التعافي وحفز النشاط الاقتصادي، والتركيز على تبني عدد من الإصلاحات التي تستهدف تحقيق الاستقرار السعري والمالي، ودعم التحول الرقمي، بما يشمل جهود إصدار عملات رقمية، وترخيص البنوك الرقمية والخدمات المصرفية المفتوحة، لزيادة الشمول المالي.
وعلى صعيد الأوضاع المالية، يُتوقع أن ينخفض العجز في الموازنة العامة المُجمعة للدول العربية في عام 2022 ليبلغ 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.6% في عام 2021 جراء الزيادة المتوقعة للإيرادات النفطية، خاصةً في ظل توقع تحسن الأوضاع المالية وتحقيق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فائضاً في موازنتها المُجمعة في عام 2022 لأول مرة منذ موجة انخفاض أسعار النفط في 2014؛ غير أنه من المتوقع بقاء عجوزات الموازنات العامة في مجموعة الدول العربية الأخرى المُصدرة للنفط، والدول العربية المستوردة له عند مستويات مرتفعة نسبياً في عام 2022.
وعلى صعيد القطاع الخارجي، سيتأثر أداء ميزان المعاملات الجارية للدول العربية كمجموعة خلال عام 2022 باستمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، إضافة إلى آثار التطورات العالمية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز والسلع الأساسية وبصفة خاصة أسعار المواد الغذائية، والضغوط الناشئة عن تواصل التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد الدولية.
كما سيتأثر أداء ميزان المعاملات الجارية بالارتفاع في مستويات الفائدة العالمية والذي بدأت أول مراحله في الظهور في شهر مارس من العام الجاري؛ إضافة إلى آثار اتخاذ بعض الدول العربية لعدد من الإجراءات الاحترازية للحد من مستويات الطلب على العملة الأجنبية في ضوء التحديات التي تواجه أسواق الصرف الأجنبي.
وفي ضوء التطورات سالفة الإشارة، من المتوقع ارتفاع فائض ميزان المعاملات الجارية للدول العربية كمجموعة في عام 2022 ليصل إلى حوالي 186.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 44.1%، ما يعادل حوالي 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية؛ وفيما يتعلق بالتوقعات خلال عام 2023، تشير التقديرات إلى انخفاض فائض ميزان المعاملات الجارية إلى حوالي 149.6 مليار دولار، ما يُعادل حوالي 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية كمجموعة.