دكتور زكريا صلاح يكتب عن .. الدولار … والقوى الناعمة
بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج نحو 30 مليار دولار فيما يتراوح عددهم من 10 إلى 12 مليون مصري يعمل بالخارج
لم تعد مسألة سعر صرف الدولار من المسائل التي يعنى بها الاقتصاديون فقط ، فرجل الشارع والقاصي والداني والبائعين الذين يفترشون الشوارع والحارات، أصبحوا يتناولون في نقاشاتهم اليومية موضوع الدولار وسعره اليومى وانعكاساته، وربما يذهبون لأبعد من ذلك بطرح الأفكار والحلول والتوقعات المستقبلية.
ونظراً لأن مصادر الحصول على الدولار تنحصر في السياحة ورسوم قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والصادرات ، وهى مصادر محدودة في الوقت الحالي ، في مواجهة سداد الالتزامات الخارجية وسداد فاتورة الواردات ، خاصة في ظل أن الهيكل الإنتاجي والصادرات مازالت في دور التطوير وإعادة الهيكلة ، وهو ما قد يتطلب بعض الوقت.
فالأمر يستدعى استخدام مصر لقواها الناعمة في زيادة المتحصلات من العملات الأجنبية ، فمصر الحضارة التي تمتلك ثلث أثار العالم والمناخ المعتدل وشواطئ تداعبها المياه الزرقاء وخفة دم أبنائها في تعاملهم مع الغرباء، كل هذه عوامل من شأنها أن تجذب السائحين ، لذا يجب على وزارات السياحة والآثار والثقافة أن يكون لهم دور بارز في عودة وزيادة عدد السائحين ، وأن يتم وضعه كمؤشر آداء يحاسب عليه هؤلاء الوزراء أمام الحكومة بصورة دورية.
فمنذ عام 2011 ولم تعد السياحة كحالاتها ولم تعد حتى لمستواها الطبيعى قبل ذلك العام، وعلى الرغم من ان الظروف العالمية تؤثر على جميع الدول إلا أن السياحة في تزايد مستمر في العديد من الدول الأخرى التي تمتلك إمكانيات أقل من مصر، ولم نر العى الآن خططا معلنة توضح استهداف أرقام معينة للسائحين ، وكأننا استسلمنا للأوضاع القائمة ، ومن يرغب في القدوم أهلا به ومن لا يرغب ليست مشكلة.
إن الظروف تستدعى التفكير ليل نهار في عودة السائحين ، سواء بتقديم حوافز أو بالدعاية أو بتأهيل المتعاملين مع السائحين وتأمينهم بالقدر الكافى لعدم مضايقتهم ، والإعلان عن بعض الإجراءات اللازمة لحماية أمن وسلامة السائح ، ومده بالمساعدات والإجابة على استفسارته في أي وقت ، مثل الإعلان عن خط ساخن على الواتس (إن لم يكن موجود) يتبع وزارة السياحة للإبلاغ عن اية مضايقات أو عند الحاجة لمساعدات ، أو التفكير في إعداد وإخراج تنفيذ عرض فرعونى يقوم به مجموعة من الممثلين من شباب الجامعات وغيرهم ، يعرض موكب للفرعون بالملابس والمركبات الفرعونية عند سفح الهرم ، ويتكرر هذا الموكب لمرتين في اليوم كنوع من إيجاد شيء جديد يتم مشاهدته والذهاب له من قبل السائحين.
لذا يجب التنسيق بين الوزارات الثلاث لوضع خطة متكاملة لجذب السائحين ، خاصة وأن لدينا صناعة وخبرة طويلة في مجال السياحة.
وعلى الرغم من التزايد المستمر في تحويلات المصريين العاملين بالخارج “حفظهم الله” ، إلا أن هؤلاء يحتاجون لبعض الحوافز لتشجيعهم على تحويل المزيد ، خاصة في الظروف الحالية.
فبحسبة بسيطة بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج نحو 30 مليار دولار ، فيما يتراوح عددهم من 10 إلى 12 مليون مصري يعمل بالخارج ، حوالى 70% منهم مؤهلات عالية ومتوسطة ، وبالتالي فإن متوسط ما يحولونه سنويا من 2500 إلى 2900 دولار ، وشهريا بنحو 250 إلى 300 دولار ، وهى أرقام متواضعة جدا بالنسبة لدخول هؤلاء المصريين بالخارج ، لذا من المهم أيضاً التفكير في بعض الإجراءات التي تجعلنا نستفيد من وجودهم بالخارج كمصدر للعملة الصعبة ، أو التفكير في بعض الحوافز التي تشجعهم على تحويل المزيد من الأموال ، مثل أن يقوموا بإيداع في حدود 10000 دولار بأحد البنوك بالعائد المقرر مقابل السماح لهم على سبيل المثال بإدخال سيارة معفاة من الجمارك أو بنسبة من إجمالي الجمارك وخلافه ، خاصة وأنه عندما يتم إصدار سندات بالدولار في الخارج فإننا ندفع عليها عائدا ، فمن الممكن أن تعتبر الدولة مبالغ الإعفاء من الجمارك مقابلة لتكلفة السندات.
أيضاً يمكن أن تلعب قناة السويس دورا أكبر في الوقت الحالي ، بالتفكير في بعض الحوافز لشركات الملاحة والسفن العابرة بصورة منتظمة ، كإجراء نسبة خصم إذا تم سداد رسوم على عدد من الرحلات مقدما، واستغلال المنطقة الاقتصادية التي أعلن عنها من فترة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة كما كان مخطط لها.
الأمر جد يحتاج إلى تضافر الجهود ، واستخدام قوى مصر الناعمة لزيادة المتحصلات من النقد الأجنبي ، على الرغم من نجاح الإجراءات التي تم تنفيذها لتقليل فاتورة الواردات ، خاصة وأن لدينا مجموعة من الوزراء في السياحة والآثار والثقافة ووزيرة هجرة، لكن قد يكون ما تم تناوله في هذا المقال نوع من التذكرة ، ونأمل من الوزراء الجدد أن يتم التنسيق فيما بينهم.
والله من وراء القصد،،
دكتور زكريا صلاح الجندى
الخبير المصرفى