طارق متولي يكتب عن .. “الدواء المر” الذي ليس لدينا بديل غيره حاليا
لدينا كل الثقة فيمن يديرون المشهد حاليا في البنك المركزي على تجاوز هذه الأزمة
إن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي المصري يوم الخميس الماضي رغم قسوتها إلا أنها خطوة طال انتظارها لوضع الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح مرة أخرى ، حيث أن الإجراءات التي تمت على مدار الشهور الماضية منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية مثل الخفض التدريجي للجنيه مقابل الدولار وتثبيت سعر الفائدة وتحجيم الاستيراد كانت مجرد مسكنات لم تأت بثمارها ، ولهذا كان هذا التحرك مهم من جانب المركزي.
إن الإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية كان لا يمكن أن يستمر في ظل وجود سوق صرف غير منتظمة ، ووجود سعرين للعملة ، وتعاملات يتم معظمها من خلال السوق الموازية ، ولهذا كان قرار التعويم طبقا لقوى العرض والطلب بهدف خلق سوق صرف منتظمة ومستقرة ، كهدف رئيسي لجذب لاستثمارات واستقرار الأسعار وتنشيط حركة التجارة ، واكتمل القرار بإتاحة “العقود الآجلة” و “العقود الآجلة غير القابلة للتسليم”.
ومن المتعارف عليه أنه في التجارة إما يتم الدفع فوريا ، وهو يمثل نسبة بسيطة جدا في التعاملات ، او الدفع الآجل الذي يمثل الغالبية من حجم التجارة الدولية ، وبناءا عليه كانت من الأهمية بمكان توافر آليات تتيح التعامل المستقبلي للعملة وتحديد سعرها المستقبلي من الآن ، مما يوفر الكثير من عدم الضغط على موارد السوق الحرة بالتزامات مستقبلية يمكن تأجيلها في ميعاد الاستحقاق وبدون تحميل العميل مخاطر العملة ، سواء كان مستثمرا أو مستوردا أو صانعا ، كما تعمل على استقرار الأسواق وتسعير المنتجات بطريقة أفضل تعود على الجميع والمستهلك بصفة خاصة بالنفع.
وصاحب ذلك أيضا من القرارات المهمة جدا “من وجهة نظري” إلغاء قرارات الاستيراد السابقة بشكل تدريجي والانتهاء منها كليا بنهاية ديسمبر المقبل ، مع رفع قيمة السلع المستثناة من قرار الاعتمادات المستندية إلى 500 ألف دولار بدلا من 5 آلاف دولار ، وهو ما سيكون له الأثر الأكبر في إتاحة السلع بالأسواق تدريجيا ، وتخفيض أسعارها بصورة أكبر من أثر خفض سعر العملة ، وإن كان ذلك سيأخذ بعض الوقت نتيجة لعدم كفاءة الأسواق.
فلا يخفى على أحد أنه مع نقص المعروض نتيجة القرارات السابقة الخاصة بالاستيراد أصبح تسعير المنتجات يتم عشوائيا وبصورة مبالغ فيها جدا ، أدت إلى زيادات كبيرة في أسعار السلع والمنتجات لضبابية الموقف ، حيث كانت الزيادات في معظم الأحيان بأرقام مضاعفة عن زيادة سعر الدولار بالسوق الموازية ، وبالتالي فإننا نتوقع انخفاض الأسعار بعد استقرار سوق الصرف وتوافر السلع وعودة حركة التجارة إلى معدلاتها العادية ، خاصة وأن معظم السلع الموجودة حاليا كانت تسعر بسعر قريب جدا من السعر الحالي للدولار بعد التعويم.
إن النجاح خلال الفترة القريبة المقبلة في القضا على السوق الموازية واستقرار سوق الصرف ، مع طرح وعاء ادخاري جديد بفائدة 17.25% لمدة 3 سنوات ، وإمكانية طرح وعاء ادخاري آخر لمدة عام بفائدة 20% عل الأقل لجذب المدخرات وإغراء العملاء للتخلي عن الدولار والقضاء على الدولرة خلال تلك الفترة وجذب استثمارات جديدة ، هو البداية الحقيقية للاصلاح ، مع تلافي الأخطاء السابقة ، والتعامل الجيد مع الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين ، وأن تكون بصورة مؤقتة لحين جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، والتي يجب التركيز عليها للخروج من الأزمات ، وكذلك إطالة آجال المديونية الخارجية كلما أمكن ذلك.
إنه الدواء المر الذي ليس لدينا بديل آخر غيره حاليا ، مع كل الثقة فيمن يديرون المشهد حاليا في البنك المركزي على تجاوز هذه الأزمة ، ويتبقى الدور الأكبر للحكومة ونجاحها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، في ظل توافر جميع المقومات لدينا ، من بنية تحتية وتوافر مصادر الطاقة ، والمشهد العالمي المضطرب والتوجه نحو مناطق استثمار بديلة ، ونقص الطاقة في أوروبا ، كلها فرص يجب أن نحسن استغلالها ، وهو التحدي والتقيييم الحقيقي للحكومة الحالية ولا مجال فيه إلا للنجاح فقط.
نعم عانى المواطن كثيرا وتحمل كثيرا ولكن لا يزال لدينا الأمل في ظل هذه الأزمات ، والتي تخلق فرصا ، ويتبقى حسن اآىداء والعمل ، واغتنام الفرص ، واختيار الكفاءات القادرة على التعامل مع المستثمر سواء المصري أو الأجنبي ، والجدية في التعامل ، وتذليل العقبات بقرارات سيادية وفورية ، والاقتداء بما تم في ملف الغاز والنجاح الكبير للدولة فيه ” Role Model” ، وهو ما يجب أن يكون نموذجا يحتذى به في العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية لباقي القطاعات.
طارق متولي
نائب رئيس بنك بلوم مصر سابقا