هاني حافظ يكتب عن .. ضرورة الاستمرار في متابعة الإصلاحات

بما في ذلك تعزيز السياسة التجارية والتسهيلات وكذلك التحسينات في بيئة الأعمال التجارية الأوسع وإطلاق العنان لإمكانات القطاع الخاص

تتجه الأنظار نحو أبرز القضايا الاقتصادية والمالية للعام 2023 التي يُعول عليها المواطن المصري، فماذا تشير التوقعات في العام الجديد؟

مع بداية عام 2023 المثقل بأوضاع اقتصادية صعبة خلفتها الأزمة الروسية الأوكرانية، بدأ العام دون ظهور أية بوادر للحل أو الحد من تلك التوترات الجيوسياسية، واستمرار لحالة عدم اليقين وعدم تأقلم الدول العظمى مع نظام عالمي متعدد الأقطاب، فإننا سوف نعاصر عالماً شديد الاضطراب تصاحبه أحداث اقتصادية حادة.

هذا ومن المرجح أن يكون النصف الأول من العام الجديد متقلباً لحد ما، بعد أن عانت الأسواق العالمية من أكبر انخفاض لها منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ويعزز تلك الفرضية ظهور المؤشرات العالمية مصحوبة بتوقعات نمو بنسب منخفضة جداً لكافة الاقتصاديات الدولية لعام 2023، مع احتمالية استمرار معدلات التضخم العالمية خلال ربعين متتالين على الأقل لعام 2023، مما يلوح في الأفق خطر حدوث الركود التضخمي.

وتأسيسا على ما سبق فإن مستقبل الاقتصاد العالمي لعام 2023 مرهون بمدي الاستمرار في حالة عدم اليقين، نظرا لاستمرار تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وهنا نجد أنفسنا أمام أكبر التحديات على الإطلاق، والتي تتمثل في كيفية التصدي لأزمة التكاليف الأساسية للحياة وضمان تحقيق الأمن الغذائي، وهنا يطفو على السطح وجوب انتهاج استراتيجية تحديد الأوليات ، والتي من شأنها تحديد السياسات الاقتصادية والمالية خلال الفترة المقبلة.

وبمزيد من الدراسة والتحليل بشأن الاقتصاد المصري، فإنه من المتوقع أن تظل العملة المحلية تحت الضغط في عام 2023 ، نظرا إلى حجم الواردات، بالإضافة إلى أعباء خدمة الدين للقروض الخارجية.

ويبقى أن نرى ما إذا كان البنك المركزي المصري سيسمح لسعر الصرف وأسعار الفائدة بالتعديل بما يكفي لجذب تدفقات أجنبية جديدة.

ويحد من ذلك الخطر نمو الصادرات المصرية ، ومنها مخرجات القطاع الزراعي وقطاع الغاز الطبيعي، فضلا عن إطلاق البنك المركزي مؤشر الجنيه المصري أمام سلة العملات والذهب ، وكذا بدء تفعيل اتفاقية الانضمام لبنك البريكس ، الأمر الذي يساعد على توفير المزيد من حصيلة العملات الأجنبية ، مما يقلل الضغط نسبياً على الاحتياطي الأجنبي.

وتأسيسا على المؤشرات السابق الإشارة اليها، وبالإضافة إلى المنهجية الحديثة التي يتبعها البنك المركزي مؤخراً، أتوقع صمود البنوك المصرية أمام انخفاض قيمة الجنيه ، ويرجع ذلك إلى أن نسب رأس المال التنظيمي للبنوك المصرية مدعومة بتوليد رأسمال داخلي سليم، كما يدعم استقرار القطاع المصرفي التحسن النسبي المتوقع بشأن الوضع الاقتصادي المصري خلال عام 2023، ويعزز أسس التوقعات التي استندت إليها، التقارير الصادرة من & Fitch Ratings Moody’s Corporation.

وفي ذات السياق فإن البنوك المصرية تتمتع باستمرارية المرونة بشأن أداء القروض والتسهيلات الائتمانية، وكذا قاعدة الودائع الكبيرة للعملاء، مما مكنها من دعم الاقتصاد في مواجهة مشكلتي التضخم ونقص العملة الأجنبية، وهنا يتعاظم دور البنوك كونها شريان الاقتصاد الوطني، والتي تعمل على التأثير بشكل مباشر على كافة جوانب الاقتصاد.

ومن ثم فهناك أدوار حيوية للقطاع المصرفي غاية في الأهمية يجب أن تتعاظم خلال الفترة المقبلة وتتمثل فيما يلي: –

– عمليات المشتقات المالية: 

تبدأ البنوك المصرية في العام الجديد تفعيل أدوات التحوط من المخاطر ، من خلال إصدار البنك المركزي للضوابط الرقابية الخاصة باستخدام عمليات المشتقات المالية في سوق الصرف ، بهدف تقديم خدمة مالية متكاملة تتيح لعملاء البنوك التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار الصرف وأسعار السلع ، وتتمثل تلك المشتقات المالية في (IRS) و(SWAPS) و(Options) و(FWD) و(NDF) ، ويدعم فاعلية تلك المشتقات المالية الزيادة الكبيرة في أرباح البنوك من النقد الأجنبي سواء من السوق المحلي أو من تحويلات المصريين بالخارج، وكذلك من قطاع السياحة، فضلا عن أنه تم رصد دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق المصري في الفترة الأخيرة.

– التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي:

توقعات بمزيد من تضافر جهود الحكومة والبنك المركزي المصري بشأن النضوج الرقمي المبني على إنتاج المعلومات (البيانات) وجمعها وحمايتها، مما يؤدي إلى ظهور أسواق جديدة وفرص عمل عبر القطاعات الاقتصادية ، بما في ذلك الخدمات المصرفية، فضلا عن زيادة الوعي وتعريف المستفيدين وتعريف المستفيدين بالمجالات التي تولد دخلًا مستدامًا ومساعدة الناس على تحسيت أوضاعهم المالية، وسوف تصبح البيانات أحد الأصول الأساسية والميزة التنافسي لأي دولة في تطور ونمو اقتصادها.

– القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به: 

التوقعات بقفزة وزيادة صادرات مصر من الفواكه والخضروات عام 2023 ، يعزز قدرة البنوك على التوسع في تقرير تمويلات ائتمانية للقطاع الزراعي ، ويرجع ذلك إلى التغيير في نهج الحكومة لإدارة العملة المحلية ، ومن جانب آخر تعظيم القدرة التنافسية العالمية للسلع المصرية في الأسواق الخارجية، الأمر الذي يعد دافعًا جيدًا لتوسيع أحجام الإنتاج، وتستند تلك التوقعات كون مصر من أكبر 25 دولة مصدرة للفواكه والخضروات، وتتيح هذه الصادرات لها الحصول على عوائد بالعملة الأجنبية اللازمة لضمان استيراد الحبوب الغذائية والأعلاف.

– مجالات التنمية المستدامة:

إصدار البنك المركزي تعليمات قيام البنوك بإنشاء إدارات الائتمان والمخاطر لتعزيز القدرة على تقديم تسهيلات ائتمانية لمشروعات التنمية المستدامة خلال عام 2023 ، وتشمل على سبيل المثال مشروعات التحول من نظم الري التقليدي إلى نظم الري الحديث ، توليد الكهرباء من خلال خلايا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، بوادر انتاج الهيدروجين الأخضر كوقود تمهيدا للحد من الانبعاثات الكربونية للوقود الأحفوري، ومن خلال مشاركة القطاع المصرفي تمويل تلك المشروعات النوعية الجديدة ، والتي تنعكس بشكل إيجابي على مخرجات الاقتصاد الوطني.

في النهاية أود التأكيد علي ضرورة الاستمرار في متابعة الإصلاحات ، بما في ذلك تعزيز السياسة التجارية والتسهيلات وكذلك التحسينات في بيئة الأعمال التجارية الأوسع ، مع إطلاق العنان لإمكانات القطاع الخاص في الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى والموجهة نحو التصدير ، مما يعمل على توفير المزيد من فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة ، فضلا عن الاستمرار في حزم التخفيف الاجتماعي ، التي تشمل توسيع تغطية برامج التكافل والكرامة للتحويلات النقدية ، ورفع المعاشات التقاعدية وأجور القطاع العام ، والتدابير الضريبية ، وكذا إجراءات أخرى للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار ، علاوة على ذلك ضرورة المضي قدماً في تنفيذ برنامج اقتصادي شامل لمعالجة التداعيات السلبية للظروف الاقتصادية العالمية، واستعادة الاستقرار المالي الكلي، وترسيخ برنامج الإصلاح الهيكلي.

 

هاني حافظ

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى