محمد عبد العال يكتب: عام مضى.. ومازالت الحرب ماضية !!
الحقيقة الوحيدة التى أراها حاليا هي أنه لا أحد من دول العالم سيخرج منتصراً أو فائزاً ولكن الكل خاسر خاصة في الجوانب الاقتصادية
في مثل هذا اليوم من العام الماضي تحركت المقاتلات والمشاة الروسية عابرة الحدود الأوكرانية ، وأياً كانت مبررات هذا الغزو ، الذي لم ينجح حتى الآن في تحقيق أهدافه الاستراتيجية ، بدليل أن نيران الحرب العسكرية مازالت مشتعلة بل ويقوى لهيبها يوماً بعد يوم ، فهناك أصابع قوى ظاهرة وأخرى خفية منوعة المقاصد والدوافع منها من يقف خلف الدب الروسي ومنها من يحيط القط الأوكراني بالدعم والحب ومنها من يلعب على الحبلين.
لقد فجرت تلك الحرب ، التي لم تكن متوقعة ، واقعا جديدا ومتغيرات جديدة على مستوى كل دول العالم غنية وفقيرة كبيرة وصغيرة ، نترك تقييمها إلى سجلات التاريخ.
في تصوري أن العالم في مراحل نضجه الاقتصادي الحالي وبأوضاعه وتكتلاته وثرواته وتقدمه العلمي والتكنولوجي الهائل لم يستطع أن يواجه أو يحسم تداعيات تلك الحرب ، التي بدأت محلية عسكرية بين دولتين لتتحول بين ليلة وضُحاها إلى حرب إقتصادية عالمية ، سيظل تأثيرها الاقتصادي السلبي مستمرا لسنوات ، حتى يمكن أن تعود الأمور إلى شبه ما كانت عليه.
لن نتحدث تفصيلا عن صدمة تلك الحرب بل فقط تذكير عن الأحداث الإقتصادية التي طرأت وأخذت تهدر كالموج لتضرب اقتصادات العالم ، توقفت إمدادات الغذاء والحبوب والطاقة وارتفعت معدلات التضخم في كل دول العالم لأرقام غير مسبوقة ، واشتعلت حروب الخنق والحصار الاقتصادي المتبادلة ، تقودها أنماط مختلفة من الأمم والدول والأحلاف ، وعجزت وسائل وإمكانيات بعض الحكومات وهي تحاول إحداث التوازن بين متطلبات الاستمرار في خطط التنمية الاقتصادية وبين متطلبات الدعم الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها ، انقلبت السياسات المالية والنقدية رأسا على عقب ، تحولت معظمها من سياسات نقدية فائقة التيسير إلى سياسات نقدية فائقة التقييد والتشديد ، الهدف هو كبح جماع التضخم الرهيب الذى أكل القوة الشرائية للعملات والتهم الدخل النقدي والحقيقي للمواطنين ، وفي بعض الدول انتقلت الأزمة من التضخم إلى التضخم المصحوب بالركود ، وما خفي ربما يكون أعظم خطراً.
لقد مر عام وهكذا أصبح اقتصاد العالم ، بعد أن خرج جريحاً من صدمة كوفيد 19 ليصطدم بأخرى أشد وأكبر ضرراً .
فإذا ما كانت تلك الحرب قد وضعت البشرية كلها في هذا الوضع الاقتصادي الكارثي في خلال عام واحد فقط ! تُرى كيف نتوقع أن يكون الوضع إذا لم تتوقف تلك الحرب واستمرت عاما آخر؟؟
أما نحن في مصرنا الحبيبة ، فكلنا نعيش بصبر وتحمل واقع وآثار وآلام تلك الحرب ، أسوة بكل العالم النامي ونحن جزء منه، والطريق لن يكون سهلا ، إلا إذا كنا – واقعيا – قد استوعبنا الدرس وآمنا أنه لا حل إلا إذا أنتجنا وصنعنا وزرعنا كل ما نحتاجه من قوت وسلع إستراتيجية ، وجعلنا السياحة والإستثمار الأجنبي المباشر فى مقدمة أهدافنا القومية للسنوات الخمس القادمة ، بعدها يمكن أن نقول رب ضارة نافعة ، وأننا وإن كنا تضررنا كثيراً لكننا على الأقل قد كسبنا التجربة والخبرة والقدرة على تحليل عناصر القوة والضعف والمخاوف والتهديدات وأيضا اقتربنا من بعض الفرص التي كانت غائبة.
الحقيقة الوحيدة التى أراها حاليا – وحتى تنتهي تلك الحرب – هي أنه لا أحد من دول العالم سيخرج منتصراً أو فائزاً ، ولكن الكل خاسر ، خاصة في الجوانب الاقتصادية.
محمد عبد العال
خبير مصرفي