محمد عبد العال يكتب.. إنتحار بنك أمريكي بسبب الفائدة !!
أقول بكل الثقة إن السبب الأول والأخير هو تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية
في تصوري أن إفلاس بنك “وادى سيليكون فالي” الأمريكي ما هو إلا أحد الأعراض المباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية ، تلك الأزمة التي بدأت عسكرية ولكنها تطورت لتجمع مع الآليات العسكرية أحدث تطبيقات الحرب الاقتصادية ، وبعد مضي عام وأكثر لم يظهر كل من الجناح العسكرى الروسى أو الجناح الاوكرانى المدعم من قبل الناتو وأمريكا أي حسم لتلك الحرب .
ولكن على الجانب الاقتصادي وخلال عام واحد بدأت تظهر تداعيات تلك الحرب على اقتصاديات الغرب ، والولايات المتحدة الأمريكية ، ويكفى القول أن معدلات التضخم في تلك الدول قد سجلت معدلات غير مسبوقة في تاريخها متجاوزة كل مستهدفاتها المحددة من قبل البنوك المركزية ، وهو الأمرالذي فرض على البنوك المركزية العالمية خاصة الفيدرالي الأمريكي ، اتباع سياسات نقدية فائقة التشدد ، ترتب عليها تصاعد معدلات الفائدة من معدلاتها الصفرية إلى أرقام متوسطها 5% .
إذن الحرب لم تحسم عسكريا ، ولكن تمددت أهدافها لتنخر وتخترق أنشطة وقطاعات الاقتصاد ، خاصة القطاع المصرفي في تلك الدول .
وهذا الأسبوع تم الإعلان عن إفلاس بنك “وادي سيلكون فالي” الأمريكي ، وحينما يغلق بنك أمريكي كبير أبوابه فجأة فإن الجميع يسألون فورا عن السبب ؟ ومن المسؤول ؟ وما مدى الضرر ؟
وفي حالة هذا البنك الأمريكي، أقول بكل الثقة إن السبب الأول والأخير هو تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية .
لكن ما علاقة تلك الحرب بإفلاس البنك الأمريكي؟!
أقول العلاقة مباشرة :كيف؟!
هذا البنك بنك تجاري عادي ومتخصص أساسا في تمويل شركات التكنولوجيا الناشئة في الداخل والخارج ، وبالتالي هو يقبل الودائع ويدفع لها فوائدا ، وأيضا يقوم باستثمار تلك الودائع في تمويل الشركات والاستثمار في أصول أخرى ، وبالتالي يحقق أرباحا جيدة من فارق الفائدة المدفوعة والمحصلة.
والذي حدث أنه قبل بداية الحرب كانت أسعار الفائدة منخفضة ، سواء على جانب الأصول أو الخصوم ، وكان البنك يحقق أرباحا جيدة كما ذكرنا من قبل ، وفجأة ، و مع ارتفاع التضخم وتصاعد أسعار الفائدة اضطر البنك لدفع فوائد أكبر للمودعين وارتفعت تكلفته مع استمرار ارتفاع الفائدة في الوقت الذي كان فيه جزء من محفظة استثماراته في السندات والأذون متعاقد عليها لفترات تالية متوسطة الأجل بأسعار ثابتة ومنخفضة ، وفقا للأسعار التي كانت سائدة في ذلك الوقت ، ترتب على ذلك أن واجه البنك أزمة سيولة وباءت كل محاولات تعويمه بالفشل .
إفلاس بنك في أمريكا تاريخيا ليس أمرا سهلا لأن الأزمة يمكن أن تتطور بسرعة وتتعاظم وتنتقل تداعياتها إلى كل القطاع المصرفي الأمريكي تدريجيا ، أو على الأقل تهتز أسهم البنوك الكبرى ، كما يمكن أن تنتقل الأزمة خارج الحدود لتسبب قلقا شديداً فى الأوساط المالية والبورصات العالمية قد تتحول إلى أزمة مالية عالمية.
الأيام القليلة القادمة سوف نتابع مسلسل ” وادى سيليكون فالي” الأمريكي وكيف سوف يتم معالجته والتخفيف من تداعياته.
إنه درس عملي مهم لإدارة المخاطر المصرفية.
محمد عبد العال
خبير مصرفي