محمد عبد العال يكتب: ‏رضينا أم أبينا.. البنوك الرقمية في الطريق إلينا!!

من المتوقع أن يستمر نمو البنوك الرقمية في مصر ويزداد الطلب عليها في المستقبل نظرًا للتطور التكنولوجي المستمر وتزايد استخدام الإنترنت والهواتف الذكية

في عصر الاقتصاد الرقمي أصبح العالم اليوم أكثر قربا وتأثراً وتفاعلاً بكل ما هو ذكي ، فهناك السيارات الذكية ، المنازل الذكية ، الهواتف الذكية ، الطائرات المُسيرة ، والعديد من الأمور في شتى مناحي وأنشطة الحياة ، والتي استفادت من التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

ورغم أن القطاع المصرفي العالمي بكل أسسه وهياكله يتسم بالتريث والتحفظ في أساليب تعاملاته التقليدية ، إلا أنه لم يبتعد ولم يتأخر عن التأثر بتلك الثورة في عالم الاقتصاد الرقمي ، فجاءت البنوك الرقمية الذكية كنموذج حي لهذا التطور ، باعتبارها أحد أهم إفرازات التطور التقني الهائل في تكنولوجيا المال والأعمال في عصرنا الراهن ، وفي المستقبل القريب ، وكضرورة حتمية فُرضت على قطاع الصناعة المصرفية لمواكبة تطور  احتياجات العملاء من المنتجات والخدمات المصرفية المتطورة ، و لمواجهة المنافسة المتوقعة في عالم الاقتصاد الافتراضي والبلوك تشين والذكاء الاصطناعي ، والتحول الرقمي والمجتمع غير النقدي.

البنوك الرقمية ، بهذا المفهوم ، هي مؤسسات مالية تعمل عبر الإنترنت ، وتقدم خدمات مصرفية بشكل رقمي أو إلكتروني عن بعد ، أي أن الأمر لا يتطلب أن يتوجه العميل بنفسه إلى فرع البنك لكي ينفذ متطلبات البنك أو يُحقق احتياجاته المصرفية ، وإنما يتمم ذلك بنفسه عبر المنصات الإلكترونية من خلال شبكات الإنترنت وأجهزة الهواتف المحمولة الذكية.

وتحقق البنوك الرقمية الكثير من المزايا سواء للشركات والمؤسسات صاحبة تلك البنوك ، أو العملاء ، حيث تسمح تلك البنوك للأفراد بالوصول إلى حساباتهم المصرفية وإجراء المعاملات في أي وقت ومن أى مكان ، بفضل توافرها عبر الإنترنت على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع.

إن الخدمات المصرفية الذكية التي تقدمها البنوك الرقمية غيرت من ثقافة وأساليب وكيفية التعامل المصرفي ، فبدلا من التوجه للبنك والتحدث مع موظفين حقيقيين أصبح التعامل مع شاشات بمجرد اللمس ، ويتم إعتماد المعاملات بالتوقيع الإلكتروني ، كما تعتبر البنوك الرقمية عادةً أقل كلفة من البنوك التقليدية ، حيث أنها لا تحتاج  إلى هيكل تكاليف مرتفع أو مقار ذات أجور أو أثمان عالية ، وهو الأمر الذي يعكس في النهاية إمكانية تقديم خدمات ومنتجات بعوائد أفضل أو تكاليف أقل ، وبالتالي يكون هناك مجال لتعظيم مؤشرات وهوامش الربحية لمساهمي البنك ، وتعزيز المراكز التنافسية لتلك البنوك.

كما تتميز البنوك الرقمية بالقدرة على تنفيذ المعاملات بشكل فوري وبسرعة أعلى من البنوك التقليدية ، كما تتميز بكونها مركزاً للإبتكار والتطوير التقني في صناعة وفنون الخدمات والمنتجات المصرفية ، وعن طريق استخدام تطبيقات وآليات للتشفير المتقدمة لحماية بيانات العملاء وتأمين المعاملات المالية عبر الإنترنت ، فإنها توفر قدرا كبيرا من الأمان والحماية المصرفية.

وفي ضوء هذا التقدم التكنولوجي العالمي ، وتأثيره على مستقبل الصناعة المصرفية ، قام البنك المركزي المصري ، واستنادا على قانون البنوك رقم 192 لسنة 2020 ، بإصدار قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها ، وهو ما يمثل خطوة هامة نحو ضمان ملاحقة الصناعة المصرفية المصرية لأحدث التطورات العالمية.

وتضمنت اشتراطات الترخيص للبنوك الرقمية في القطاع المصرفي المصري ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن ملياري جنيه فى حالة ممارسة كافة أعمال البنوك ، باستثناء تمويل الشركات الكبرى ، مع إمكانية تمويل تلك الشركات شريطة زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه ، وكذلك أن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال في أنشطة مماثلة بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالى قيمة رأس المال ، ومن اشتراطات الحصول على الترخيص أيضاً تقديم دارسة جدوى مفصلة تتضمن تحديد الشرائح المستهدفة والمنتجات المخطط إتاحتها، وكذلك خطط تكنولوجيا المعلومات، وخطط واستراتيجيات الأمن السيبرانى.

كما تخضع البنوك الرقمية لذات القواعد والضوابط الخاصة بالرقابة والإشراف المطبقة على البنوك العاملة بجمهورية مصر العربية، وذات القوانين والضوابط الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى بعض المتطلبات الأخرى بما يتسق مع طبيعة عملها.

من المتوقع أن يستمر نمو البنوك الرقمية في مصر ، ويزداد الطلب عليها في المستقبل ، نظرًا للتطور التكنولوجي المستمر وتزايد استخدام الإنترنت والهواتف الذكية ، وسيكون الطلب عليها من قبل البنوك التقليدية القائمة التي ترغب في تطوير مجالات خدماتها ، أو من الطلب من مؤسسات أو من شركات جديدة محلية أو من فروع بنوك رقمية أجنبيه من الخارج.

إن البنوك الرقمية هي لا محال بنوك المستقبل ، وهي البنوك التي ستفرض السبق في الشمول المالي ، وتوفر الخدمات المصرفية العصرية إلى كافة العملاء من الأجيال القديمة وليس الأجيال الشابة الجديدة فحسب ، حيث سنعيش جميعا فى عالم افتراضي يحكمه الذكاء الاصطناعي.

 

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى