محمد عبد العال يكتب.. التضخم.. محرك الفائدة!!

قضية تحديد مصير الفائدة هو أمر إستراتيجي وعميق ويتطلب من الجميع تقديرا دقيقا للعوامل الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية المؤثرة

يأتي إجتماع لجنة السياسة النقدية المنبثقة عن مجلس إدارة البنك المركزي المصري الموقر ، يوم الخميس المقبل ، بخصوص أسعار الفائدة الرسمية في ظل ظواهر وتوجهات اقتصادية متعددة تشهدها مصر حاليا ، ويشكل بعضها نقاط قوة ، وأخرى قد تشكل ضغوطاً  ، ولذلك نلاحظ إختلافا ملحوظا بين رهان الخبراء والمحللين حول توقعات قرار اللجنة القادم ؟ وما إذا كان سيتم إبقاء الفائدة على ما هي عليه ( التثبيت) ؟ أم الرفع ، أم يفوز رهان ناشئ جديد بدأ يتشكل له مؤيدون وينادي .. لا للتثبيت .. ولا للرفع.. ولكن نعم للتخفيض.

ولذلك فإن قضية تحديد مصير الفائدة هو أمر إستراتيجي ، وعميق ويتطلب من الجميع تقديرا دقيقا للعوامل الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية المؤثرة.

وبحسب التوجه المعلن من لجنة السياسة النقدية  ، في بياناتها الأخيرة، فإنها تستهدف التضخم  بالدرجة الأولى ، ومن هنا يمكن القول أن  درجة معالجة واحتواء التضخم الإقتصادي ستكون دائماً المحرك الرئيسي للتعديلات المحتملة في أسعار الفائدة على المدى المتوسط ، ومن ثم فإن فهم تأثير التضخم على تغيرات أسعار الفائدة ضروري لتقدير الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية في مصر.

وعلينا نحن كمراقبين أن نتوقع تغيرات أسعار الفائدة ، بناءا على توجهات السياسة النقدية في مواجه التضخم.

إذن دعنا نُقَيم إحتمال أي تغير محتمل في أسعار الفائدة على ضوء مؤشرات التضخم  المعلنة ، كمحرك وحيد لها ، وفي تصوري فإن هناك مجموعة عوامل وظواهر رئيسية قد توحي بأن اللجنة الموقرة قد تأخذ بقرار  إبقاء أسعار الفائدة على ما هي عليه ، وذلك في ضوء الحيثيات التالية:

  •  رغم ميل معدل التضخم للتباطؤ ، إلا أن أنه من الملاحظ استمرار كلٍ من معدلي التضخم العام والأساسي بعيدين بمسافة كبيرة عن مستهدفات التضخم الموضوعة.

ووفقا لتقرير البنك المركزي المصري فقد تباطأ معدل التضخم العام في الحضر ليسجل 32.5% في أبريل 2024، مقابل 33.3% في مارس 2024، ويعود التباطؤ إلى انكسار النمط التصاعدي لمعدل تضخم السلع الغذائية والذي لوحظ منذ عام 2021، بالإضافة إلى الأثر الإيجابي لفترة الأساس ، كما شهد المعدل السنوي للتضخم الأساسي تباطؤا في أبريل 2024 ليسجل 31.8% مقابل 33.7% في مارس 2024، وهو ما يعكس انخفاض مساهمة السلع الغذائية الأساسية في التضخم الأساسي، ويأتي ذلك متسقا مع المعدل الشهري للتضخم الأساسي الذي سجل 0.3% في أبريل 2024 مقابل 1.7% خلال ذات الشهر من العام الماضي،،، إذن الأمر في حالتنا تلك ربما يعنى أن الإبقاء على مستويات أسعار الفائدة الحالية في ظل استقرار سعر الصرف هو أفضل الحلول الممكنة.

  • من المعروف أن كلا من السياسة النقدية والسياسة المالية تحتاجان إلى فترات طويلة ليحققا تأثيرهما على ظاهرة التضخم ، ومع تحرير سعر الصرف في السادس من مارس الماضي ، والذي تلازم معه الرفع التاريخي لسعر الفائدة ، لمدى جديد و بعيد جدا وصل إلى 600 نقطة أساس ، كما سبق رفعها بنسبة 200 نقطة أساس مطلع العام ، ليصل مجموع الرفع إلى 800 نقطة أساس مع نهاية الربع الأول من العام الحالي ، ولذلك فإن الأمر بطبيعة الأحوال يقتضي التريث ومنح الفرصة لهذا الرفع ، غير المسبوق ، ليحدث تأثيره على تحجيم جانب الطلب مرحلياً من ناحية ، وخفض أسعار السلع ومستلزمات الإنتاج من ناحية أخرى.
  • على الجانب الآخر توسع المركزي مع مطلع شهر مايو الحالي في سحب السيولة الفائضة لدى البنوك كما قام بتغيير نظام قبول الودائع الأسبوعية من التخصيص إلى القبول المطلق ، وقَبل نحو تريليون جنيه في أكبر  عملية قبول إيداع في يوم واحد ، وبعائد مجزي ، أفضل من متوسط صافى عائد أذون الخزانة و مثل هذا الإجراء يعكس تصميم البنك المركزى على تجفيف أية سيولة فائضة ممكن أن تشكل ضغطا على جانب الطلب الاستهلاكي أو حتى طلباً غير مبرر على النقد الأجنبي ، الأمر الذي يعنى أن المركزي يتوجه حاليا إلى تصعيد أدواته الأخرى غير أداة  الفائدة.
  • كما نلاحظ تنسيقا أكبر بين السياسة النقدية والسياسة المالية في التوجه – على سبيل المثال – لمنع الوحدات الحكومية من الاقتراض من البنك المركزي ،فيما عدى وزارة المالية ، وهو ما يعني ضغط بعض صور الإنفاق العام وتقليص التمويل التضخمي.
  • رغم أن النشاط الاقتصادي عالمياً اتسم بضعف معدلات النمو وانخفاض الضغوط التضخمية ، نتيجة السياسات النقدية التقييدية التي اتّبعتها البنوك المركزية العالمية في الفترة السابقة وتراجع توقعات معدلات التضخم لتلك الاقتصادات ، إلا أن التخوف من تولد بعض الضغوط التضخمية مرة أخرى أملت على السلطات النقدية في البنوك المركزية بالولايات المتحدة وأوروبا مزيداً من التحوط واستمرار السياسة النقدية التقييدية لفترة أخرى ، وهو الأمر الذي قد يجعلنا نفضل التمسك بسياسة نقدية انكماشية لاحتواء الضخم.

 في ضوء ما سبق نرى أن لجنة السياسة النقدية في الغالب الأعم سوف تأخذ بالتثبيت في جولتها التالية.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى