“بتكوين” تقود العملات المشفرة لانخفاض حاد في تعاملات الأحد
قادت “بتكوين” العملات المشفرة إلى انخفاض حاد في تعاملات اليوم الأحد، متأثرة بتقارير تفيد بمزيد من القيود من جانب السلطات الأمريكية على أسواق العملات الرقمية التي يشتبه تنفيذ عمليات غسيل أموال من خلالها.
وهوت قيمة “بتكوين” أكثر من غيرها من العملات المشفرة، بعد أيام فقط من الوصول إلى مستوى قياسي، حيث انخفض بنسبة 8.5٪ إلى 55.7 ألف دولار خلال تعاملات اليوم الأحد في سنغافورة، وذلك بعد أن هوت أكبر عملة رقيمة بنسبة 15.1% إلى 51.7 ألف دلار في وقت سابق، وهو أكبر تراجع يومي لـ”بتكوين” منذ فبراير الماضي.
وانخفضت قيمة عملة إيثيريوم، ثاني أكبر عملة مشفرة ، بنسبة 18% قبل أن تقلص خسائرها في وقت لاحق من اليوم.
وعزت العديد من التقارير عبر الإنترنت هذا الهبوط إلى تكهنات بأن وزارة الخزانة الأمريكية قد تتخذ إجراءات صارمة ضد غسيل الأموال الذي يتم من خلال الأصول الرقمية.
وسجلت عملة بتكوين مستوى قياسيًا مرتفعًا بلغ 64.8 ألف دولار الأسبوع الماضي قبل بدء التداول الأول لبورصة العملات المشفرة”كوين بيس” في بورصة ناسداك يوم الأربعاء الماضي.
وتقدر القيمة السوقية لـ”بتكوين”، أكبر عملة مشفرة ، بأكثر من تريليون دولار بعد ارتفاعها بأكثر من 800% في العام الماضي.
وأدى تزايد الإقبال على العملات المشفرة إلى ارتفاع أسعار بتكوين بمعدلات قياسية، كما زادت أسعار العملات المشفرة الأخرى إلى مستويات قياسية.
وزاد الاهتمام بالعملات المشفرة مرة أخرى بعد أن بدأت الشركات من”باي بال” إلى Square في تمكين التعامل بعملة بتكوين على أنظمة الدفع الخاصة بها ، كما بدأت شركات في وول ستريت مثل”مورغان ستانلي” في توفير حلول وتقينات لوصول عملائها الكبار إلى سوق العملات الرقيمة.
ويأتي هذا على الرغم من المخاوف المستمرة بشأن تقلبها وفائدتها كوسيلة للدفع. وتقوم الحكومات بفحص المخاطر المتعلقة بقطاع العملات الرقمية عن كثب مع اتساع قاعدة المستثمرينر في هذا النشاط.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي إن بتكوين “تشبه الذهب إلى حد ما” من حيث أنها وسيلة للمضاربة أكثر من الدفع.
واستهدفت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد في يناير دور “بتكوين” عندما قالت إنها تسهل النشاط الإجرامي، مضيفة أن العملة المشفرة تتيح “عملًا مضحكًا”.
وحظر البنك المركزي التركي استخدام العملات المشفرة كشكل من أشكال الدفع اعتبارًا من 30 أبريل، قائلاً إن مستوى إخفاء الهوية وراء الرموز الرقمية يجلب مخاطر وخسائر “غير القابلة للاسترداد”.
وأفادت وكالة رويترز في مارس، نقلاً عن مسؤول حكومي كبير على دراية مباشرة بالخطة ، أن الهند ستقترح قانونًا يحظر العملات المشفرة ويفرض غرامات على أي شخص يتداول أو يمتلك مثل هذه الأصول.
ويقول المتداولون أو المستثمرون النشطون في البتكوين إنَّ هذه العملة الرقمية هي أفضل تحوّط على الإطلاق ضد ارتفاع أسعار المستهلك؛ ومنطقهم وراء ذلك هو أنَّ البتكوين – على عكس الدولار الأمريكي أو أي عملة عادية أخرى – مصمم بحيث تكون كمية المعروض منه محدودة، كي لا يمكن خفض قيمته من طرف أي حكومة أو بنك مركزي من خلال توزيع كمية زائدة عن الحد منه.
ومؤخرًا، تبدو كل حالة طلب تقريبًا (أو ارتفاع في السعر) للبتكوين بمثابة عامل تنبؤي: فالعملة الرقمية متداولة حاليًا بسعر فوق 60 ألف دولار أمريكي تقريبًا للبتكوين الواحد بزيادة 100% خلال هذا العام مقارنة باغلاق 2020؛ وهو ما أضاف بدوره بعض الضجة على قصة التضخم هذه.
ومع تحسّن آفاق الاقتصاد وتراجع حالات جائحة “كوفيد-19” ووجود المزيد من الحوافز المالية تلوح في الأفق، يبدو أنَّ المستثمرين بجميع أنواع الأصول يتوقعون حدوث ارتفاع طفيف في الأسعار؛ لكنَّ أساس هذا التوقّع متواضع للغاية، لا سيما وأنَّ معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال العام الماضي كان 1.7%، ثم إنَّ هناك مسألة ما إذا كان هذا الأصل الرقمي سيشكّل تحوّطًا فعالاً فعليًا.
ووفقًا لكام هارفي، كبير مستشاري الأبحاث بشركة “ريسرش أفيلييتس” وأستاذ العلوم المالية بجامعة ديوك، أنه ليس لدى البتكوين تاريخ طويل بما يكفي لإثبات صحة ذلك، لكن من الناحية النظرية، إذا اعتبره المستثمرون مثيلاً للذهب، فمن المحتمل أن يتمكن البتكوين من الاحتفاظ بقيمته على المدى الطويل، خلال قرن من الزمان مثلاً أو يزيد، على حد قول هارفي.
أمَّا بالنسبة للذهب، فقد وجد هارفي وزملاؤه – من خلال بحثهم حوله – أنَّه استطاع الاحتفاظ بقيمته جيدًا لآلاف السنين، لكنَّهم أيضًا وجدوا أنَّه عرضة لجنون الأسعار وانهيارها على مدى فترات أقصر.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الذهب قد تراجع بنسبة 9% هذا العام، رغم كل هذا الحديث عن حدوث تضخم.
وقد شهد البتكوين بدوره تأرجحًا كبيرًا في أسعاره خلال عمره القصير، لأسعار لا تكاد تكون لها علاقة برأي أي شخص عن التضخم.
وتابع هارفي: “ما الذي سيحدث مع البتكوين؟ الأمر غير واضح إطلاقًا؛ لأنَّ السعر ليس مدفوعًا بقاعدة العرض والطلب فحسب، بل هناك أيضًا قوى مضاربة أخرى، ولهذا فإنَّ سعرها متقلب بأضعاف عن سوق البورصة”.
وأشار إلى أنه من الوارد أنَّ أية نوبة تضخم من الممكن أن يكون لها تأثير معاكس للتأثير المتوقع على البتكوين: على سبيل المثال، إذا تسبب التضخم في حدوث ركود، فقد يستجيب المستثمرون على ذلك بالابتعاد عن الأصول التي تنطوي على خطورة أكبر، كالعملات الرقمية.
وعندما تسبب المستثمرون القلقون من التضخم في الأسابيع الماضية بارتفاع عائد سندات الخزينة لأجل 10 سنوات من 1.34% وصولاً إلى 1.62%، عانى البتكوين من أسوأ تراجع له منذ شهور.
وبينما يؤكد مؤيدو العملات المشفَّرة أنَّ متداولي البتكوين توقعوا منذ وقت طويل بأنَّ عائد السندات سيرتفع – وقد حدث فعلاً لاحقًا ارتفاع مفاجئ في العائدات، صاحبه ارتفاعًا في العملات الرقمية – فإنَّ تحركات البتكوين الأخيرة تحمل تشابهًا عابرًا على الأقل مع التداولات المباشرة أكثر في سوق المضاربة.
ومع ذلك، فقد حاز البتكوين موافقة عدد ليس بالقليل من الشخصيات البارزة في وول ستريت (منهم مدير صناديق التحوّط المخضرم بول تيودور جونز)، الذين يقولون إنَّه نال استحسانهم باعتباره مخزنًا للثروة.
ومن جانبه صرح مايكل سونينشين، الرئيس التنفيذي لشركة جراي سكيل إنفستمنتس – وهي شركة منوطة بإدارة صندوق استثمار يحتفظ بعملات بتكوين – أنه بالتأكيد هذا عامل كان له الفضل في تحفيز الاستثمارات المؤسسية، خاصةً في أعقاب أداء صنَّاع السياسات فيما يتعلق بتنشيط الاقتصاد” بعد تباطئه من جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، مضيفًا أنه من المؤكد أنَّه ليس هناك نقص في عدد المستثمرين في الاقتصاد الكلي على مستوى العالم الذين كانت إضافة البتكوين بالنسبة إليهم بمثابة تحوّط ضد التضخم.
من الناحية الأخرى، يرى أشد المدافعين عن البتكوين الارتفاع في الأسعار بمثابة علامة تحذيرية مبكرة بأنَّ النظام المالي التقليدي هشّ، ويزعمون أنَّ العملات المشفرة قد ترتفع أكثر من هذا، مع بحث المستثمرين عن ملاذ للاستثمار؛ غير أنَّ الحُجج التي من هذا القبيل تعتمد على فكرة أنَّ التضخم لن يتصاعد تدريجيًا مع الاقتصاد المتنامي ببساطة، بل ربما ينفجر من جراء ما يُسمى بطباعة النقود.
وكان قد صرح جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في شهادة أدلى بها مؤخرًا أمام الكونجرس بأنَّ نمو المعروض النقدي لم يعد يحمل تداعيات مهمة على آفاق الاقتصاد، قائلاً “لقد حققنا نموًا ضخمًا في المجاميع النقدية في فترات مختلفة دون تضخم، لذا فإنَّ هذا الارتباط هو أمر علينا تناسيه”.
وهو رأي يتفق معه جيم بولسن، كبير المحللين الاستراتيجيين في مجال الاستثمار بمجموعة “لوثولد”، مشيراً إلى أنه صحيح أنَّ كمية النقود زادت، إلا أنَّ سرعة دورانها أو وتيرة تداولها انخفضت؛ وهذا عامل بالغ الأهمية لأنَّه يبين أنَّ الأموال تُدّخر بدلاً من أن تُنفق، وهو ما يُبقي ضغوط الأسعار مكتومة؛ لكن حتى لو زادت سرعة دوران النقود، فلا يزال من الممكن أن تؤدي العوامل المضادة للتضخم المعاوضة دورها، والتي من بينها شيخوخة السكان وميل التقنيات الرقمية إلى الهبوط بالأسعار.
وتابع بولسن: “صحيح أنَّ التضخم بدأ يرتفع قليلاً، لكن لا أعتقد أن هذا يعني أنَّ العملات الرقمية ستشهد ارتفاعًا جنونيًا”.
وأوضح أن ما يجعل البتكوين مختلفًا عن بقية التحوّطات الأخرى ضد التضخم هو أنَّ قيمته معتمدة كليًا على رغبة الآخرين في الاحتفاظ به؛ إذ إنَّ هذا التوكن الرقمي ليس مربوطًا بأي أصل آخر قد ترتفع قيمته بصورة طبيعية مع ارتفاع أسعار المستهلك (كالنفط أو العقارات أو أرباح الأعمال التجارية.
ومن المحتمل أن يرتفع معدل التضخم، ويرتفع معه سعر البتكوين أيضًا؛ لكنَّهما غير مرتبطان ببعضهما بالضرورة.
حتى أن كاثي وود؛ مؤسسة شركة “آرك إنفستمنت مانجمنت”، وواحدة من أشهر المضاربين على صعود البتكوين على الإطلاققد صرَّحت في ندوة عبر الإنترنت (ويبنار) أٌقيمت مؤخرًا بأنَّها تخشى قوى الانكماش (أو تراجع الأسعار) بقدر ما تخشى التضخم.
ومن ناحيته قال مارك شاندلر، كبير استراتيجيي السوق لدى “بانوكبيرن جلوبال فوركس، إنَّ وقود التضخم موجود، لكن يجب على كل مستثمر أن يتخذ قراره بشأن ما إذا كانت الشرارة الموجودة كافية لتأجيج نيرانه.
وتابع “بدلاً من النظر إلى البتكوين على أنَّه أداة لمعرفة اتجاه التضخم، يُفضّل مارك شاندلر النظر إلى دلائل أخرى، من قبيل أسعار النفط وتكاليف الشحن، بل وحتى أسعار أشباه الموصلات: كلها بدأت ترتفع مع تزايد قوة الاقتصاد، لكن هذا لا يعني أنَّ الدولار يضعُف نتيجة لطباعة سيل من النقود.
وتابع “إنًّ الشخصيات الريادية البارزة في مجال العملات الرقمية تبحث عن أي سبب يؤيد قضيتهم. أمَّا أنا، فمازلت أجد في نفسي حرجًا من اعتقاد أنَّ البتكوين يخبرنا أي شيء عن المتغيرات الاقتصادية سريعة الوتيرة”.