محمد عبد العال يكتب: البنك المركزي ومحفزات استباقية للسياحة

من المعروف أن قطاع السياحة يعتبر من أهم مصادر الدخل القومي لمصر ،  ومن أهم روافد النقد الأجنبي ،‏ كما يعتبر من المحركات الأساسية لكافة أنشطة قطاعات الإقتصاد الأخرى ، كالطيران والسفر ،  والمطاعم و مراكز  التسوق و الخدمات  والترفيه ، وخدمات  النقل والتوزيع ، و الأغذية والبناء والتشييد ، كما يؤثر في القطاع المصرفي والمالي ، بما يوفره من  حصائل بالنقد الأجنبي تدعم الاحتياطى النقدى للبلاد ، وهو ما يساعد على استقرار سعر الصرف للجنيه المصري.

 

كما يعتبر قطاع السياحة من أفضل القطاعات التى تتيح فرص عمل ، فمن  بين كل 10 فرص عمل جديدة يتيح قطاع السياحة فرصة عمل واحدة على الأقل.

 

‏وللأسف تسببت جائحة كورونا العالمية في أضرار فادحة لهذا القطاع المهم  بسبب التدابير‏ الإحترازية التي فرضتها دول العالم لاحتواء تداعيات انتشار الفيروس ، حيث تضررت   السياحة في العالم ومصر بنسبة تتراوح ما بين 60% و80% ، وهو الأمر الذي دعا الدولة المصرية إلى أن تهتم باتخاذ حزمة منوعة ومتلاحقة ومتجددة من الإجراءات  والتيسيرات والمبادرات لمواجهة  تداعيات الأزمة على هذا القطاع، سواء في الدعم المستمر لمساندته إبان موجات الأزمة ، أو  بمبادرات الدعم  الاستباقي لضمان نجاح القطاع في التعامل بكفاءة فى المستقبل مع قرب  تعافى الاقتصادات العالمية  وترقب العودة المتدرجة للنشاط السياحي.

 

لقد اتخذت الخطط الإستراتيجية للدولة المصرية عدة مسارات كلها  تهدف لضمان توفير الإستدامة لهذا القطاع وتقديم كل صور الدعم التسويقي والقانوني والمالي ، وتوفير السيولة اللازمة  لمعالجة الأضرار وتمويل عمليات التطوير والتدريب وتمكين المنشآت السياحية والعاملين فيها من مواجهة تداعيات كورونا وزيادة الإحترافية والإنتاجية اثناء وبعد الأزمة.

 

وفى تصوري أنه يمكن بلورة خطط الدولة فى دعم قطاع السياحة منذ الجائحة وحتى الآن فى المسارين الآتيين :-

الأول المسار  الحكومي : وتبلور  ذلك فى مداومة وإصرار  الحكومة على استمرار تجديد سريان الآليات السابق الإعلان عنها لدعم القطاع ، ومن أهمها إعفاء العقارات المستخدمة فى المجالات السياحية والفندقية التابعة لوزارة الطيران المدنى من الضريبة  العقارية ، والإعفاء من كثير من الرسوم التى تقلل من التكاليف وتجعل مصر مقصدا سياحياً منافسا لدول الجوار.

 

كما أعلنت وزارة التضامن الإجتماعى مؤخراً عن صرف الدفعة الثالثة من الدعم الإستثنائي للمرشدين السياحيين ، بالإضافة إلى محاولات وزارة السياحة المستمرة والتنسيق مع الدول لإعادة أفواجها السياحية، وهناك تكهنات مؤكدة يقرب عودة الأفواج الروسية والألمانية.

 

الثاني : مسار البنك المركزى المصري : حيث كان دور  البنك المركزي المصري حاسما فى دعم هذا القطاع ، وظهر انحيازه الكامل لدعم مسيرته منذ بداية الجائحة ، بل وقبلها  ، ومساعدته على العمل على تطوير  وصيانة بنيته الأساسية ومنشآته ،  ودعم العاملين فيه وعدم الإستغناء عنهم ، وجعل وحدات وأنشطة هذا القطاع أكثر قدرة على الصمود وتحمل تداعيات الإنحسار السياحى  ، العالمي والمحلي ، وأيضا على الجانب الآخر  فى إعلانه عن مبادرات استباقية مؤخراً تسمح للقطاع أن يعاود الإنطلاق بشكل آمن، وتوفير الدعم بكل أنواعه لكى يتمكن من معاودة الانتعاش مع مظاهر التعافي.

 

لقد مثلت عملية دعم البنك المركزي المصري، عبر وحدات الجهاز المصرفى،  لقطاع السياحة منظومة متكاملة متدرجة ومتلاحقة فى شكل مبادرات تحدد وتكمل وتحدث كل مبادرة سابقتها.

 

لقد بدأت المنظومة ‏بمبادرة تمويل الشركات والمنشآت السياحية الصادرة في يناير.    2020 وملحقاتها،  بخصوص إحلال وتجديد فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحي ، والتي بموجبها أتاح البنك المركزي 50 مليار جنيه من خلال البنوك بسعر فائدة ميسر  8% متناقصة ، كما خصص البنك المركزى فى تعديل لاحق  شريحة من هذا التمويل بمبلغ 3 مليارات جنيه بضمان وزارة المالية لسداد  الرواتب والأجور والإلتزامات القائمة لدى الموردين .. إلخ بسعر فائدة 5% متناقصة.

 

كما أعلن البنك المركزي على مراحل متقاربة بعض التعديلات الأخرى على  تلك المبادرات ، استهدفت كلها تحسين  آداء وتيسير استخدام تلك المبادرات وزيادة الطلب عليها ، وزيادة  القيم المضافة المتولدة عنها.

 

ومن أبرز تلك التعديلات ، على سبيل المثال وليس الحصر ، ‏ السماح  بعدم ربط قيمة التسهيلات الائتمانية بفترة محددة لتصبح قيمة القرض بحد أقصى 30 مليون جنيه للعميل الواحد ، وتصل إلى 40 مليون جنيه للعميل والشركات المرتبطة  ، وهو ما يمنح شركات  السياحة القدرة على سداد الإلتزامات القائمة حاليا ، وكذا إلتزاماتها المستقبلية حتى نهاية العام الجاري ، و يتيح  لهم دعم سيولى أكبر ومرونة فى السداد.

 

من الإضافات المهمه فى سلسلة مبادرات البنك المركزى لدعم قطاع السياحة أيضا ، تفعيل دور شركة ضمان مخاطر الائتمان لتغطية مخاطر التسهيلات الممنوحة للقطاع.

 

وهنا نأتى لآخر التعديلات التي أعلن عنها البنك المركزي مؤخرا ، حيث تم الاحتفاظ بكل مميزات بنود المبادرة السابقة وتعديلاتها اللاحقة، مع إضافة واستحداث بعض التعديلات والإضافات الجديدة ، منها السماح للبنوك بتمويل  90© بدلاً من 75% من إجمالى تكلفة الإحلال والتجديد ؜ ، كما تم رفع ضمانة شركة ضمان مخاطر الائتمان الى 70% بدلا من 60% من مخاطر الائتمان للتسهيلات الممنوحة على أن تتحمل البنوك 30%% فقط بدلا من 40%.

 

على الجانب الآخر أعلن البنك المركزى أيضا عن مد العمل بمبادرة تمويل وسداد رواتب وأجور العاملين بالقطاع السياحي السابق ذكرها لمدة 6 أشهر إضافية، على أن تنتهي فى نهاية ديسمبر 2021  بدلا من  شهر يونيو  الجاري ،   أو لحين استنفاذ المبلغ المخصص لها أيهما أقرب.

 

كما تم الموافقة على مد فترة السماح ضمن المبادرة إلى نهاية يونيو من هذا العام ، على أن يبدأ سداد أول قسط فى يوليو 2022 ولمدة عامين.

 

إننا نتوقع ان تمثل تلك المبادرات شريان حياة لمستقبل قطاع السياحة المصري.

 

محمد عبد العال

الخبير المصرفي والإقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى