“النقد العربي”: مساهمة قطاع التأمين لا تزيد عن 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي بالدول العربية
أصول القطاع عالمياً تصل لنحو 35.4 تريليون دولار وتوقعات بنمو الطلب على التأمين بنحو 3.9 % عام 2022
أصدر صندوق النقد العربي العدد الثالث والعشرين من سلسلة موجز سياسات بعنوان “واقع وآفاق القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية: قطاع التأمين”.
ويُلقي الموجز الضوء على الوضع الراهن لأوضاع الرقابة على قطاع التأمين ومسؤوليات ودور السلطات الإشرافية ذات الصلة بتطوير المؤسسات العاملة في القطاع، وضمان التزامها بالمعايير الدولية، بما يدعم النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. كما يرصد الموجز الآثار الأولية لجائحة كوفيد-19 على أنشطة القطاع، والتدابير المُتبناة من قبل السلطات الإشرافية المعنية لمواجهة تلك الآثار.
واهتم هذا العدد من موجز السياسات بإلقاء الضوء على واقع قطاع التأمين العالمي في أعقاب جائحة كوفيد-19، حيث أشار الموجز إلى أن حجم أصول قطاع التأمين قد بلغ عالمياً نحو 35.4 تريليون دولار في عام 2019 تمثل نحو 17.6% من إجمالي أصول القطاع المالي غير المصرفي بنسبة نمو بلغت نحو 9% مقارنة بالمستويات المسجلة في عام 2018، ما يمثل أعلى نسبة نمو للقطاع منذ عام 2002 وفق بيانات مجلس الاستقرار المالي، بما يعكس نمو عمليات التأمين في الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة، وكذلك اتساع أنشطة التحوط ضد المخاطر لصناديق الاستثمار على مستوى العالم.
وبحسب الصندوق، تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على نحو 31.5% من إجمالي سوق التأمين العالمي، فيما يبلغ نصيب منطقة اليورو نحو 27.2%، واليابان نحو 3.4%، وتسيطر الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة على حوالي 11.2%.
وشهد قطاع التأمين العالمي تحولات ملموسة في عام 2020 في أعقاب جائحة كوفيد-19 التي زادت من مستويات الطلب على خدمات التأمين لتعزيز مستويات تحوط الأفراد والمؤسسات ضد المخاطر المحتملة خاصة منها ما يتعلق بالتأمين على الحياة، والتأمين الصحي، أو تأمين العمليات في ظل المخاطر التي تعرضت لها سلاسل الإمداد العالمية، وكذلك مخاطر الهجمات السيبرانية في ظل انتشار بيئات الأعمال الإلكترونية. بناءً عليه، ارتفعت القيمة الإجمالية للأقساط التأمينية على مستوى العالم بنسب تراوحت بين 1.7 إلى 1.9%، وبالتالي فقد كان أداء القطاع أفضل من أداء باقي القطاعات الاقتصادية والمالية الأخرى.
وأوضح الموجز انه على الرغم من جائحة كوفيد-19 وبنهاية عام 2020، انخفضت القيمة الحقيقية لأقساط التأمين على مستوى العالم بنحو 1.3% ما يمثل فقط حوالي ثلث معدل الانخفاض المسجل في إجمالي الناتج العالمي. جاء هذا الانخفاض المحدود كمحصلة لنمو الأقساط التأمينية في الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة بنحو 0.8% لاسيما في الصين التي سجلت الأقساط التأمينية بها نمواً بنسبة 3.6% في عام 2020، فيما سجلت الأقساط التأمينية انخفاضاً بنحو 1.8% في الاقتصادات المتقدمة كنتيجة للانكماش الأكبر المسجل للناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول.
كما أوضح الموجز أنه من المتوقع نمو الطلب العالمي على التأمين بما يفوق 3.3% في عام 2021، و3.9% في عام 2022، بوتيرة للتعافي تعتبر الأقوى والأسرع على مدار العشرين عاماً الماضية نتيجة الزيادة الكبيرة المتوقعة في الأقساط التأمينية بنحو 10% مقارنة بمستوياتها المسجلة قبل جائحة كوفيد-19.
على مستوى الدول العربية، شهد قطاع التأمين نمواً خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع التطورات التي تشهدها اقتصادات المنطقة العربية التي تعزز الحاجة لخدمات التأمين، حيث بلغ إجمالي أقساط التأمين القائمة في نهاية عام 2020 ما يُقارب 39.5 مليار دولار لجميع أنواع التأمين التقليدية والمتوافقة مع الشريعة؛ مقابل 38.9 مليار دولار في نهاية عام 2019.
وأوضح الموجز أنه على الرغم من النمو المسجّل في الرصيد القائم لأقساط التأمين، إلا أنه لا تزال هناك فرص للاستفادة بشكل أكبر من خدمات القطاع بما يعكس الفرص المتاحة لنمو القطاع، حيث لا تتجاوز نسبة عمق التأمين (نسبة الأقساط التأمينية إلى الناتج المحلي الإجمالي) نحو 1.9% في الدول العربية كمجموعة.
كذلك تمثل الحصة السوقية لقطاع التأمين في الدول العربية ما نسبته 0.75% من السوق العالمية للتأمين، الأمر الذي يعكس أهمية مواصلة الجهود الساعية إلى تطوير هذا القطاع.
وأدت جائحة كوفيد-19 إلى تأثيرات متباينة على نشاط قطاع التأمين في الدول العربية. فمن جهة نتج عن الجائحة تراجع الأقساط التأمينية نتيجة انكماش القطاعات التي تشكل محركاً أساسياً لنمو الاقتصادات العربية على غرار الصناعة والتجارة والسياحة والنقل، كما تأثرت نتائج أعمال شركات التأمين بسبب ارتفاع التعويضات المدفوعة في التأمين على الحياة والصحة. لكن في المقابل، زادت الجائحة والتأثيرات الناجمة عنها من مستويات الطلب على بعض خدمات التأمين لاسيما التأمين على الحياة، والتأمين الطبي، وتأمين العمليات التجارية، وأنشطة الأعمال ضد بعض المخاطر التي زادت أهميتها في أعقاب انتشار الجائحة.
كما يُلاحظ في هذا الصدد، تفاوت تأثير الجائحة على قطاع التأمين من دولة عربية إلى أخرى، حيث كان التأثير محدوداً في بعض الدول العربية، نتيجة حزم التحفيز المالي التي تم تبنيها للتخفيف من أثر الجائحة، والاتجاه إلى زيادة مستويات التأمين الطبي، علاوة على تمتع شركات التأمين في تلك الدول بملاءة مالية كافية مكنتها من تعزيز قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه حملة الوثائق والمستفيدين في ظل الظروف الحالية.
وقد تأثر قطاع التامين في عدد من الدول العربية الأخرى نتيجة ارتفاع التعويضات المدفوعة للتأمين على الحياة والتأمين الطبي، وصعوبة تحصيل أقساط التأمين من قبل العملاء، علاوة على صعوبة عمليات إعادة التأمين بالأخص التأمين الطبي، وإحجام بعض حاملي الوثائق عن تجديدها مما انعكس سلباً على مستوى التدفقات النقدية والسيولة لدى شركات التأمين في بعض الدول العربية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ملاءتها المالية.
وأوضح موجز السياسات اهتمام السلطات الرقابية المسؤولة عن قطاع التأمين في الدول العربية خلال عام 2020، تبني عدد من المبادرات التي تستهدف تفعيل خطط استمرارية الأعمال لدى الشركات مما حافظ على مستوى الخدمات المقدمة من قبل شركات التأمين؛ كوسيلة للمحافظة على مراكز مالية متينة لشركات التأمين، عملت بعض الدول العربية على إصدار تعليمات بشأن آلية احتساب المخصصات الفنية لدى شركات التأمين، للأخذ بالاعتبار المطالبات التي سيتم تحملها مستقبلاً بسبب الجائحة.
وعلى مستوى التحديات والمخاطر التي تواجه قطاع التأمين في الدول العربية، تتركز أبرز التحديات الرئيسة التي تواجه قطاع التأمين في الدول العربية في محورين أساسيين يتمثلان في تعزيز معدل الالتزام بتطبيق ممارسات الحوكمة السليمة بشكل متكامل بما ينسجم مع أفضل المعايير العالمية، حيث يساعد تطبيق ممارسات الحوكمة في تمكين قطاع التأمين في الدول العربية من تحقيق قدراته الكبيرة للنمو، إلى جانب تعزيز ثقة المتعاملين في السوق، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
من جهة أخرى، يؤثر انخفاض مستوى التركيز على إدارة المخاطر على استمرار واستقرار نمو القطاع.
وتطرق موجز السياسات إلى واقع وآفاق قطاع التأمين العربي؛ مشيراً إلى الجهود التي تقوم بها السلطات الإشرافية المسؤولة عن التنظيم والرقابة على القطاع لدعم أنشطة القطاع من خلال تبني القوانين واللوائح التنظيمية والقيام بعمليات الرقابة الكفيلة بالتطوير المستمر للقطاع واحتواء المخاطر المرتبطة بأنشطته؛ كما تسعى في هذا السياق، إلى مواكبة مجموعة من المستجدات والتطورات، لعل من أهمها ما يتعلق بالحاجة إلى الامتثال إلى المعايير الدولية المنظمة للقطاع، واللحاق بركب التطور التقني في تقديم الخدمات التأمينية، وتوسيع فرص النفاذ إلى الخدمات التأمينية المختلفة والمتنوعة بما يتلاءم مع احتياجات مختلف شرائح المجتمع بهدف تعزيز مستويات الشمول المالي؛ علاوة على مواصلة مساعيها لإصدار تشريعات منظمة للقطاع تتيح إصدار تغطيات تأمينية بأسعار منافسة وابتكار منتجات جديدة تتناسب مع الاحتياجات المتنوعة للسكان وزيادة مستويات كفاءتها.
فيما أورد موجز السياسات عدد من التوصيات على صعيد السياسات التي تستهدف مواصلة تطوير قطاع التأمين العربي، وتمكينه من الاستفادة من الفرص القائمة لاتساع نطاق التغطية التأمينية للأفراد والشركات، وبالتالي زيادة عمق قطاع التأمين العربي بما يدعم النمو والتنمية الاقتصادية في الدول العربية، منها أهمية تبني استراتيجيات وطنية لتطوير قطاع التأمين، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التحول الرقمي لتطوير قطاع التأمين، إضافة إلى توسيع نطاق مظلة أنظمة التأمين الصحي، وتشجيع خدمات التامين متناهي الصغر. كما أشار الموجز إلى أهمية تطوير سوق التأمين التكافلي في الدول العربية، والالتزام بالمعايير الدولية لقطاع التأمين، علاوة على تعزيز الجهود الرامية نحو رفع الوعي التأميني، والاستفادة من فرص تعزيز التعاون الإقليمي لتطوير قطاع التأمين العربي، وتشجيع شركات التأمين على تقديم خدمات تأمينية مستدامة، وتغطية المخاطر المناخية، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية.