محمد عبد العال يكتب: التضخم والفائدة بين الرفع والخفض .. والتثبيت هو الأغلب!!
تجتمع لجنة السياسة النقدية ،المنبثقة عن مجلس ادارة البنك المركزى المصرى ،فى اجتماعها التالى المزمع انعقاده يوم الخميس القادم الثامن والعشرون من اكتوبر الحالى، وفى تصورى أنها ربما تتجه للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثامنة على التوالي ، وهو ما يعني أن مستويات أسعار الفائدة القائمة مستمرة فى اتساقها وتوازنها مع معظم المؤشرات الإقتصادية الرئيسية المحلية والعالمية.
فإذا بحثنا عن اهم الأسباب والفاعليات التى قد تدعوها إلى ذلك سنجد العديد من الدلائل والمؤشرات ، منها على سبيل المثال وليس الحصر:
أولاً : رغم ارتفاع معدل التضخم السنوى العام لأسعار سلع المستهلكين لإجمالى الجمهورية المعلن من جهاز التعبئة العامة والإحصاء ، إلى 8% في سبتمبر الماضي ، مقابل 6.4% فى الشهر السابق ، وهو أعلى معدل مسجل منذ يونيو 2019 والذي كان 8.9% ، وأيضاً رغم أن معدل التضخم السنوى الأساسي المعلن من قبل البنك المركزي المصري (والذى لا يُدخل فى اعتباره تأثير السلع التي تتحدد أسعارها إدارياً، بالإضافة إلى بعض أنواع السلع التي تتأثر بصدمات العرض والطلب المؤقتة) ، قد سجل أيضا إرتفاعا معدله 4.8% فى شهر سبتمبر الماضى مقابل 4.5% في الشهر السابق.
ورغم تلك الارتفاعات فى معدلي التضخم العام والأساسي إلا أننا نجد أن تلك الارتفاعات كانت متوقعة ، بسبب زيادة حدة صدمة عرض السلع العالمية الناتج من ارتفاع الطلب على السلع بسبب التعافي الإقتصادي العالمي من ناحية ، وأيضا ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم والأمونيا ، كرد فعل لارتفاع أسعار النفط من ناحية أخرى ، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع هائل فى تكلفة مستلزمات انتاج المحاصيل الغذائية الرئيسية خاصة الأسمدة ومجموعة الطعام والشراب.
وبالطبع تركت الموجة التضخمية العالمية ، والقادمة علينا من الخارج بغير إرادتنا، بصماتها التضخمية علينا هنا فى مصر، وبدأت في الظهور مع أرقام التضخم في شهر سبتمبر الماضي ، وهو ما انعكس بعد حين على أسعار السلع المحلية، بعد وصول الأثر التضخمي الخارجي مع ارتفاع الأسعار العالميه لمستلزمات الإنتاج الداخلة في إنتاجها.
ثانياً : رغم الاتجاه التصاعدي لمعدل التضخم إلا أننا نلاحظ أنه يظل حتى الآن محدود الإرتفاع ، ليسجل رقما أحاديا قابعا بين حدي المدى والنطاق الذي استهدفه البنك المركزي ، وهو ( 7% زائد او ناقص 2% ) أي بين تسعة وخمسة في المائة حتى نهاية الربع الرابع من عام 2022 ، وفي ضوء ذلك يكون التفكير فى أى تعديل لأسعار الفائدة فى المرحلة الحالية أمراً قد يكون غير مبرر.
ثالثا : ومن الجدير بالذكر هنا أن أرقام التضخم الحالية ، أو المتوقعة ، مقارنة بمتوسط منحنى العائد على الجنيه، مازالت تشير إلى فارق عائد حقيقي معقول جدا ، وهو ما كان يتيح للسلطة النقدية إمكانية أن تقوم بإجراء خفض جديد ، ولكنها قد تفضل الإستمرار على المستوى الحالى لأسعار الفائدة ، دعماً لمدخرات القطاع العائلى، ولإتاحة عوائد مميزة على مدخراتهم ، بما يضمن لهم دخلا ثابتا، يساعد على خلق طلب مشتق على السلع والخدمات ، فلا إنتاج بدون استهلاك ، وأيضا جذبا لتحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وحفاظاً هلى تدفق الإستثمار الأجنبي غير المباشر فى أوراق الدين العام الحكومية.
رابعا : كما أكد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى أن معدلات التضخم فى مصر هى تحت السيطرة رغم ارتفاع الأسعار العالمية ، نتيجة السياسة النقدية الحكيمة التى يتبعها البنك المركزي المصري ونجاح برنامج الإصلاح الإقتصادى.
خامسا : إن قلق بعض المراقبين أن يقوم الإحتياطي الفيدرالي ( البنك المركزي الأمريكي) فى تخفيف مشترياته الشهرية من السندات فى نوفمبر القادم ، وأيضاً بدء تنفيذ برنامج رفع الفائدة المتوقع مع بداية العام القادم ، وذلك فى إطار سياسته للسيطرة على التضخم ، والخوف من ظهور تداعيات لتلك الإجراءات على استثمارات الأجانب غير المباشرة فى أوراق الدين العام الحكومية المصرية ، فإن تلك المخاوف رغم واقعيتها إلا أنه قد يكون مبالغ فيها نسبياً ، لأن تنوع مصادر النقد الأجنبى واستقرار سعر الجنيه المصري والإحتياطي بالنقد الأجنبي وتميز الجنيه المصري، من حيث تحقيقه عائدا حقيقيا مناف ، كل ذلك يقلل ويخفف من تأثير تلك المخاوف على المدى القصير والمتوسط ، بالإضافة إلى أن توجه مصر لاستراتيجيه للتحول إلى مصادر قروض طويلة الأجل كبديل للأموال الساخنة، وأيضاً دخول السندات الحكومية لمنصة يوروكلير سيساعد علي جذب استثمارات جديدة طويلة الأجل، ستعوض خروج استثمارات الأجانب قصيرة الأجل فى أوراق الدين العام المحلية، إذا ما خرجت بتأثير ارتفاع الفائدة الأمريكية المحتمل والمتوقع.
سادسا :أيضاً فى ظل هيكل أسعار الفائدة القائم والمستمر من مطلع العام ، والذى يعكس فى حقيقة الأمر الأهداف الكبرى للسياسة النقدية، وأهمها تحقيق استقرار الأسعار ، يتعين خفض معدل البطالة.
وقد أكدت بيانات الجهاز المركزى والإحصاء تراجع معدل البطالة خلال الربع الثانى من عام 2021 ، لتبلغ 7.3% بالمقارنة مع معدل 9.6% خلال الربع المماثل فى العام السابق.
سابعا : فى ظل هيكل أسعار الفائدة الحالى حققت مؤشرات الإقتصاد الكلي استقرارا شهد به كل مؤسسات التصنيف الإئتماني الدولية، التى أبقت على تصنيف مصر الإئتمانى دون تغير منذ الجائحة وحتى الآن مع الإحتفاظ بالنظرة المستقبلية المستقرة للإقتصاد المصري.
كما حقق الإقتصاد المصري مؤشرات مالية قوية ، تمثتل في تحقيق معدل نمو خلال العام الماضى بنسبة 3.3% وتحقيق فائض اولى 1.45% وانخفاض العجز الكلى إلى 7.4% مع توقع تحقيق معدل نمو ,5.4% وتحقيق فائض أولى 1.5% وخفض العجز الكلى الى 6.7% وتحسن معدلات التشغيل.
بناء على ما سبق ،ومع تأكيدنا أن لجنة السياسة النقدية الموقرة تملك الرؤيا والآليات والمعرفة الدقيقة ببواطن الأمور المحلية والعالمية وهى صاحبة القرار ، وكأحد المتابعين لمسار السياسة النقدية ، نتوقع أن تُبقى اللجنة أسعار الفائدة كما هى عليه.
إن إجراء أى رفع أو خفض فى الإجتماع المقبل قد يكون فى غير توقيته ، لأن البنك المركزي يستهدف اتباع سياسة نقدية لموازنة آثار التضخم ، بعد أن أتم السيطرة عليه.
فرفع الفائدة، ونحن مازلنا في الموجة الرابعة من كوفيد 19 ، قد يؤدى إلى تقليص التعافي والنمو الإقتصادي ، وخفض الفائدة قد يؤدى إلى انكماش الطلب الكلي على السلع والخدمات ، نتيجة انخفاض القوة الشرائية للمدخرين من القطاع العائلي ، كما قد يؤثر سلباًعلى حجم وقيمة الإستثمار الأجنبى غير المباشر.
ولن ننسي أن نشير إلى أن توقعات استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام فى الربع الرابع من هذا العام وبداية العام القادم، نتيجة زيادة الطلب المتوقع على الطاقة، مع عدم اليقين فى إحتمالات هبوط بسرعة نتيجة التعافي الإقتصادى ومشاكل الطاقة وضغط الإنتاج فى الصين ، مع عدم ترحيب المنتجين بتحديد الإنتاج أو خفض الأسعار لأغراض دعم ميزانياتهم ، وهو الأمر الذي سوف ينعكس، إذا ما تحقق أو استمر ، فى زيادة الضغوط التضخمية العالمية ، والذي من المتوقع أن يساهم في رفع معدل التضخم لدينا فى الربع الأخير من العام وبداية الربع الأول من العام الجديد ، لتقترب من نطاق معدل التضخم المحدد من قبل البنك المركزي.
أما إذا تجاوزت ذلك فسوف تتدخل السياسة النقدية بكل أدواتها لضمان استمرار التضخم فى الحدود المحسوبة والمعقولة.
إن لجنة السياسة النقدية المصرية تراعى دائما أن تتوافق توجهاتها وفقا لتطور الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية ، ولصالح الإقتصاد المصري والمواطنين ، وسوف تظل سياسة نقدية فائقة التيسير، شديدة المرونة فى دفع النمو الإقتصادي ودعم الإقتصاد القومي ، والحفاظ على استقرار الأسعار واتخاذ كل الخطوات والإجراءات التي تتطلبها مستحدثات الأحداث العالمية والمحلية ، وهذا ما تؤكده دائماً لجنة السياسة النقدية الموقرة فى بياناتها ،،
محمد عبد العال
الخبير المصرفي