رئيس صندوق النقد العربي يطالب بدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التعافي من تداعيات “كورونا”
الحميدي يؤكد أهمية الإسراع بعملية التحول الرقمي في المالية العامة لتعزيز الشفافية والحوكمة
ألقى الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال المنتدى السادس للمالية العامة في الدول العربية، الذي يعقد هذا العام “عن بعد”، تحت عنوان “إجراءات وتدابير التعافي في الدول العربية في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا”.
وقد شارك في الاجتماع إلى جانب وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، ورؤساء المؤسسات المحلية والإقليمية والصناديق العربية، بجانب كريستالينا جورجيفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، وكلٍّ من مدير دائرة الشؤون المالية العامة ومدير دائرة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي.
وأوضح الحميدي في كلمته أن جائحة كورونا كان لها تداعيات كبيرة على الأداء الاقتصادي وحجم التجارة الدولية وتدفقات رؤوس الأموال، مما تسبب في فقدان عدد كبير من الوظائف، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية كما تعلمون انكماشا بنحو 5.5% عن عام 2020، مقارنةً بانكماش للاقتصاد العالمي بنحو 3.1% للعام نفسه، كما ارتفع معدل البطالة في الدول العربية ليصل إلى نحو 11.5% في عام 2020.
وأوضح أن تداعيات جائحة كورونا انعكست على ارتفاع الدين العام، حيث تُشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021 إلى أن نسبة متوسط الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة ارتفعت لتبلغ نحو 120.1% مع نهاية عام 2020.
وأكد على أن الاصلاحات وحزم الدعم التي قدمتها الدول العربية لمواجهة جائحة كورونا وبدء تعافي الاقتصاد العالمي، قد مكّنت من تعزيز فرص التعافي خلال عام 2021. مع ذلك، هناك مجموعة من التحديات في أعقاب الجائحة تستلزم متابعة الاهتمام لمعاودة التعافي واستعادة تحقيق النمو الشامل والمستدام، لعلَّ من أبرزها أهمية الحفاظ على تيسير السياسة المالية مع القدرة على تحمل الدين واستمرار تعزيز الاستدامة المالية، وذلك بالتخصيص الفعّال للموارد بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لمواكبة التحول الهيكلي الذي فرضته الجائحة.
وأشار إلى أنه من الضروري تبني سياسات سوق العمل بهدف الحد من فقدان الوظائف، خصوصاً في قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الذي يساهم بنسبة 45 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، ويمثل ثُلث فرص العمل في القطاع الرسمي.
وفي هذا السياق، يقدر أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، نمواً بنحو 2.7% و 5.2% عن عامي 2021 و 2022 على التوالي، مقارنةً بنسبة نمو للاقتصاد العالمي بنحو 5.8% و 4.8% خلال نفس الفترة.
وأشار إلى أن التحولات الرقمية غير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم قد أسفرت عن تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية والتنافسية، وانعكست على آليات عمل وأداء السياسات الاقتصادية الكلية، من بينها المالية العامة، حيث اتجهت العديد من الحكومات للاستفادة من التقنيات الحديثة لتحسين الشفافية وزيادة مستويات فاعلية إدارة المالية العامة في تحقيق أهدافها من خلال تطوير آليات أكثر كفاءة لإدارة الإيرادات والنفقات العامة، بما يُحقق أهداف السياسة المالية. كما ترتبط رقمنة المالية العامة بتبني أحدث النظم التقنية فيما يتعلق بالجوانب الأخرى المرتبطة بالسياسة المالية، من بينها نظام إدارة المعلومات المالية الحكومية، ونظام إدارة الديون والتحليل، وغيرها من النظم التي تساعد في زيادة مستويات شفافية وشمولية ودقة العمليات المالية.
ونوه أن التقديرات تشير إلى أن التحول إلى عمليات التحصيل والدفع الإلكتروني على جانبي الموازنة العامة (الإيرادات والنفقات العامة) يُمكن أن يساعد على تحقيق وفورات اقتصادية سنوية تتراوح بين 0.8 – 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في الدول النامية، أي ما يتراوح بين 220 – 320 مليار دولار.
وتابع “لعل من أهم الإصلاحات التي من المستحسن أن تعمل عليها دولنا العربية للتعافي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في إطار خططها الوطنية الهادفة إلى التحول الرقمي ومساعيها للإصلاح المالي، الإسراع بعملية التحول نحو رقمنة المالية العامة لتعزيز الحوكمة والشفافية، بما يساعد على تعزيز مستوى الثقة. ولا شك أن هناك فرص واعدة أمام الاقتصادات العربية للاستفادة من رقمنة المالية العامة لزيادة كفاءتها وتعزيز الشفافية والمساءلة والحوكمة”.
وأشار إلى أنه في إطار سعي الحكومات العربية لتبني رقمنة المالية العامة وإقرار الأطر التشريعية والتنظيمية والمؤسسية اللازمة لذلك، فتبرز أهمية المواءمة بين اغتنام الفرص المرتبطة بهذا التحول لتطوير وزيادة مستويات كفاءة الأداء الاقتصادي وتحقيق نقلة نوعية في السياسات العامة وتحسين الخدمات الحكومية بما ينعكس إيجاباً على رفاهية المواطنين، وبين التقليل في ذات الوقت من المخاطر والتحديات التي ترتبط برقمنة المالية العامة، خاصة فيما يتعلق بحماية الخصوصية وسرية البيانات ودعم الأمن السيبراني، بما يزيد من مستوى ثقة المتعاملين في الأنظمة المرتبطة برقمنة المالية العامة، لاسيما في ضوء حجم المعاملات الضخم الذي يتم عبر هذه الأنظمة.
وتابع “يبرز الآن أكثر من أي وقت مضى دور السياسات المالية في حماية المجتمعات والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما يتطلبه ذلك من استخدام أكثر كفاءة للموارد من خلال دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تمثل في عالم اليوم إحدى أهم الاتجاهات العالمية في صناعة الخدمات العامة والبنية التحتية التي تسهر الدول على تقديمها لأفراد المجتمع سعياً منها لتلبية احتياجاتهم مثل، النقل، والاتصالات، والطاقة، والصحة، والتعليم، وغيرها، بالاتجاه الذي يرفع من معدلات الرفاه الاقتصادي للمواطنين ويقلل معدلات البطالة ويجذب الاستثمارات ويعزز الابتكارات ويحافظ على البيئة”.
وأوضح انه رغم بدأ مشاريع الشراكة في العالم المتقدم منذ عقود طويلة، إلاّ أنها سرعان ما انتشرت خلال السنوات الماضية، لتشمل الأسواق الناشئة والدول النامية أيضاً، وطبقاً لأحدث التقديرات، فإن حجم الاستثمارات الحالية في البنية التحتية على مستوى العالم يصل إلى حوالي 79 ترليون دولار أمريكي، فيما يقدر حجم الاستثمارات المطلوبة بنحو 94 تريليون دولار، ما يعني وجود فجوة استثمارية تقدر بحوالي 15 ترليون دولار، بالتالي فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تُعد إحدى الخيارات الاستراتيجية لتقليص هذه الفجوة.
وأكد على أن نظرة دول العالم اليوم إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص باتت تتعدى حدود توفير الخدمات العامة التقليدية، لتطال إصلاح القطاع العام وتعزيز استدامة المالية العامة من خلال استخدام التمويل الخاص كبديل للتمويل العام، بالتالي تمكين الحكومات من إعادة تخصيص مواردها في مجالات حيوية أخرى، مما يقلل حاجتها للاقتراض، هذا فضلاً عن دور الشراكة في تعميق أسواق الدين، وتعزيز ريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وجميعها عوامل من شأنها تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصاديين.
وأشار إلى أن الدول العربية لم تكن خارج خريطة الشراكة العالمية، حيث سلك العديد منها خلال السنوات الماضية طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأداة فاعلة لتنفيذ مشاريعها التنموية الطموحة بديلاً عن أسلوب المشتريات العامة، وأدمجت الشراكة ضمن رؤاها الاستراتيجية وخططها الاقتصادية طويلة الأمد التي تستهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة للمجتمع من هذه الخدمات، إضافةً إلى مواكبة التغيرات الحاصلة على الصعيدين العربي والعالمي.
ونوه أنه بالرغم من التباين القائم بين الدول العربية من حيث هياكلها الاقتصادية، ومراحل تنميتها، وأوضاعها الاقتصادية والمالية، إلاّ أن جميعها تشترك في تحدي مفاده كيفية الارتقاء بكفاءة الخدمات العامة وتلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين نتيجةً للنمو السكاني والتوسع الحضري، بهدف تقليل الضغط على المالية العامة، وتجسير الهوة بين الإنفاقين الرأسمالي والجاري. منذ العام الماضي، أصبحت الدول العربية تواجه تحديات جديدة في ظل تداعيات جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على البرامج التنموية والأوضاع المالية لدولنا العربية.
وتابع “رغم التحسن المتوقع في المؤشرات الاقتصادية الكلية في المنطقة العربية خلال العام الجاري في ظل التعافي الصحي من الجائحة الذي تشهده المنطقة العربية والعالم، يمكن القول إن النمو لا يزال هشاً في العديد من الدول العربية خاصةً الدول ذات الهوامش الخارجية الهشة والحيز المالي المحدود، حيث تسعى هذه الدول إلى تسريع التعافي الاقتصادي والصحي من خلال دعم القطاعات والشرائح الاجتماعية المتأثرة بالأزمة من جهة، وتعزيز الاستدامة المالية من جهة أخرى. تتعزز إمكانية الاستجابة لهذه التحديات في وجود شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، قوامها الحوار البنّاء فيما بينهما، وتوزيع جديد لأدوارهما من خلال تحمل القطاع الخاص مسؤولية دعم ريادة مشاريع التنمية الاقتصادية طويلة الأمد، لاسيما من خلال توظيف إمكانياته الكامنة وروح الابتكار والمخاطرة في تنفيذ وتمويل هذه المشاريع، وإحداث التحولات الرقمية المطلوبة في مجال البنية التحتية والخدمات العامة بمختلف قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية”.
وأكد على أن هذه المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا لتحقيق التعافي واستعادة مسار النمو الشامل والمستدام، مع المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، نتطلع اليوم للمناقشات وتبادل الآراء، للاستفادة منها في تعزيز إدراكنا للأولويات على صعيد مواجهة التعافي من أزمة كورونا وتعزيز الحوكمة والشفافية والتحول إلى الاقتصاد الرقمي ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دولنا العربية، بما يساعد على تطوير البرامج والأنشطة في هذا الشأن، وينسجم مع الأولويات والاحتياجات.