رئيس صندوق النقد العربي: المشروعات الصغيرة والمتوسطة حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية بالمنطقة
أكد الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحتل أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية على المستوى العالمي، لافتا إلى أنه في حالة دولنا العربية تعد بمثابة حجر الزاوية في الاقتصاديات العربية، إذ تشكل أكبر قطاعات الأعمال من حيث مساهمتها في التوظيف والنمو الاقتصادي بنسبة تتعدى 90% من مجموع الشركات العاملة، وتوفر مصدراً رئيساً لخلق فرص العمل الجديدة، ومن هنا تدرك السلطات في الدول العربية الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية المستدامة.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الحميدي في افتتاح ورشة العمل التي نظمها الصندوق حول دور صناديق وآليات ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في دعم التعافي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في الدول العربية.
أوضح أن السلطات في الدول العربية عززت اهتمامها في السنوات الماضية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال السعي للتغلب على تحديات التمويل، حيث قامت بتنفيذ العديد من الإجراءات ركزت على معالجة نقص المعلومات الائتمانية وتقليل مخاطر الائتمان للمقترضين من المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تطوير مركزيات المخاطر والعمل على إنشاء مكاتب الاستعلام الائتماني، وآليات وبرامج الضمان، وإنشاء سجلات للأصول المنقولة. هناك مكاتب مستقلة للاستعلام الائتماني تلبي متطلبات المعلومات للمقرضين في تسع دول عربية.
وأشار إلى أنه من المرجح أن يتواصل التأثير المحفز لخدمات مكاتب الاستعلام الائتماني في توفير المعلومات والتقارير الائتمانية التي من شأنها دعم وصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل، مع توسع معدلات التغطية والنطاق مع الوقت ليشمل جميع المشروعات.
وأكد أن عددا من مكاتب الاستعلام الائتماني، أضافت مؤخراً خدمات سجلات ضمانات الأصول المنقولة، بما يوفر المزيد من الفرص لتعزيز التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو توجه تعمل مكاتب استعلام ائتماني أخرى على محاكاته.
وتابع “إضافة إلى شركات الاستعلام الائتماني، مثّل التطور الأبرز في تعزيز دور برامج وشركات ضمان القروض، حيث تمتلك اليوم معظم الدول العربية شكلاً من أشكال البرامج العامة لضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تقوم بتغطية المخاطر المتوقعة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يشجع البنوك على توفير التمويل اللازم لهذه الفئات التي تصنفها البنوك عالية المخاطر، لافتا إلى أن عدد برامج وصناديق الضمان في المنطقة يبلغ 14 برنامجا تتباين في أحجامها وفي آلياتها ومحددات أعمالها”.
ولفت الحميدي إلى أن مقررات لجنة بازل للرقابة المصرفية ساهمت في زيادة وفاعلية دور برامج وشركات الضمان، حيث خصت برامج وشركات الضمان كأحد آليات تخفيف المخاطر بميزة تخفيض أعباء متطلبات كفاية رأس المال وتوفير المخصصات والاحتياطيات مقابل الجزء المضمون من هذه البرامج، مما يساهم في تخفيض تكلفة البنك لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالتالي انعكس إيجاباً في زيادة فاعلية برامج الضمان وقدرتها على انتهاج آليات ضمان مختلفة تتناسب وطبيعة الفئات المستهدفة، فهناك مثلاً الضمان الفردي الذي يقوم فيه برنامج أو شركة الضمان بفحص الحالات بصفة فردية، وهناك آلية ضمان المحافظ التي يتعامل فيها البرنامج أو الصندوق مع البنك بتحديد محفظة ذات محددات متفق عليها مسبقاً، مما يمكن البنك من إنشاء هذه المحفظة دون الرجوع للبرنامج أو الصندوق في كل حالة.
أضاف أن جائحة كورونا على أثرت الاقتصاديات العالمية جميعاً بما في ذلك المنطقة العربية، ومن أكثر الفئات التي تأثرت بهذه الجائحة فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ذلك لضعف قدرتها وقلة مرونتها على التعامل مع متغيرات السوق، حيث اضطر عدد كبير منها لتخفيض حجم إنتاجه أو الإغلاق الجزئي أو الكامل، إلى جانب مواجهة تحديات في الحصول على التمويل اللازم لمواجهة تداعيات الجائحة مما استدعى من الحكومات تقديم دعم خاص لهذه الفئة، حيث اتجهت معظم الحكومات لتوفير هذا الدعم من خلال برامج وشركات الضمان لتوفير السيولة اللازمة للبنوك وتشجيعها على الاستمرار في الإقراض في ظل ظروف تتسم بدرجة عالية من عدم الوضوح وارتفاع المخاطر.
أشار إلى أن السلطات في معظم الدول العربية قدمت دعماً مالياً لبرامج وشركات الضمان لتوجيهها إلى القطاعات المحتاجة ، مما مكنها من تطوير منتجات ضمانية تتناسب وطبيعة احتياجات هذه الفئة خلال فترة الجائحة، كان من أبرزها زيادة تغطية الضمان التي وصلت إلى نسبة 100% لبعض القطاعات المتضررة مثل قطاع السياحة، وخفض الرسوم بنسبة تعدت نحو 60 إلى 70%، وتسريع الإجراءات ذلك بإتباع أنظمة أكثر مرونة وباستخدام التقنيات الحديثة واتباع سياسات التحول الرقمي، التي مكنت العديد من البرامج بالمنطقة لإتخاذ قرارات الضمان في حدود يوم أو يومين.
أكد الحميدي أنه لا شك أن الدعم الحكومي ساهم في الحد من التداعيات السلبية للجائحة على النشاط الاقتصادي خلال الأزمة ودعم استدامة خدمات هذه البرامج والصناديق.
أشار إلى أن البرامج والصناديق العربية خلال أزمة جائحة كورونا أظهرت قدرات على تطوير منتجات ضمانية تتناسب والحاجة التمويلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مكنت تيسير إجراءات ضمانات القروض الممنوحة لتمويل الاستثمار أو المصاريف التشغيلية للمشروعات المستهدفة ، كما كان هناك تطوير في ضمانات الاستثمار في حقوق الملكية ورأس المال المخاطر، حيث استطاعت البرامج والصناديق توفير ضمانات تتناسب مع عمليات التوريق والتخصيم المطلوبة من المشروعات.
أضاف أنه لابد من الإشارة أيضا لما تتميز به هذه البرامج والصناديق من وجود قاعدة معلومات ثرية لديها قادرة على تحديد دقيق لطبيعة ومحددات فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يمكن متخذي القرار من دعم وتطوير هذه الفئات بما يتناسب مع احتياجاتها الحقيقية. كذلك من الإضافات لهذه البرامج والصناديق، قدرتها على تعظيم الاستفادة من الأموال المتاحة من خلال استخدام خاصية الرافعة المالية، ذلك بإنشاء محافظ ضمان تصل قيمتها إلى أضعاف هذه الأموال.
أكد الحميدي أيضا أن التداعيات السلبية لجائحة كورونا أبرزت بوضوح الأهمية الكبيرة لتوظيف التقنيات الحديثة لأغراض الشمول المالي، وضرورة تعزيز الخدمات المالية الرقمية وتوعية مستخدميها ، لافتا إلى أن جائحة كورونا عززت الطلب على الخدمات المالية الرقمية، وجعلت الحاجة إلى تسريع التحول الرقمي وتحسين الخدمات المالية الرقمية أمراً بالغ الأهمية في السياسات الاقتصادية في المنطقة العربية.
وأضاف أنه لا شك أن هذه التقنيات مكّنت برامج وشركات ضمان القروض من تقديم الدعم لعدد متزايد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال الجائحة، لما تتيحه من تسريع الإجراءات وتطوير في الخدمات ، مشيرا إلى أنه كان هناك جهود كبيرة بالفعل من بعض البرامج والشركات العربية تراوحت بين تسهيل التواصل الإلكتروني مع البنوك والمقترضين وبين تقديم المشورة الفنية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم التحول الرقمي لديها، والتي نتج عنها نمو محافظ هذه الصناديق بنسب تراوحت بين 120 إلى 150% عن العام السابق.
وأضاف أنه مع هذه التطورات الإيجابية في أعمال وبرامج ضمان القروض في الدول العربية، إلا أنه لا يخفى عليكم التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الصناديق والبرامج سواء على صعيد الاستجابة للنمو الكبير في طلبات الضمانات أو على صعيد تطوير آليات ضبط المخاطر وتعزيز السيولة، إلى جانب الحاجة للمزيد من الجهود لتعظيم فرص الاستفادة من التقنيات الحديثة في الارتقاء بخدماتها ، يضاف إلى ذلك الاستعداد للتعامل مع تداعيات سحب حزم الدعم، وأهمية التنسيق مع المصارف المركزية لضمان الاستقرار المالي وإستدامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
أكد الحميدي أن هناك حاجة لتفعيل دور برامج وصناديق القروض في التخفيف من المخاطر الناجمة عن تداعيات الأزمة، باعتبارها أداة لتحقيق الشمول المالي وتحسن إدارة المخاطر. قد يتوجب الأمر القيام بتعديل بعض الشروط والمتطلبات في ظل الظروف الراهنة من أجل تلبية احتياجات المؤسسات المالية من جهة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من جهة أخرى وفقاً لطبيعة مخاطر وإمكانيات كل فئة.
أضاف أن هناك حاجة للتنسيق مع المصارف المركزية ليكون لدينا رؤية مشتركة حول سبل تفعيل دور هذه البرامج والصناديق ، كما يبرز كذلك أهمية التنسيق والتعاون الاقليمي والنظر في مقترحات تعزز من هذا التعاون، بما يأخذ تجارب المجموعات الاقليمية الأخرى والدروس المستفادة منها في الإعتبار.
أشار إلى أنه إدراكاً لأهمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يمثل دعم نمو هذه المشروعات جزءاً رئيساً من استراتيجية واهتمامات صندوق النقد العربي ، لافتا إلى أنه بجانب تسهيل البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية الذي أطلقه الصندوق منذ عدة سنوات بهدف توفير الدعم المالي والفني لدوله الأعضاء لإرساء وتطوير البنية التشريعية والتحتية الداعمة لنمو هذا القطاع، يعتبر دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة محوراً مهماً من محاور عمل المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية، التي يتعاون فيها الصندوق مع البنك الدولي والوكالة الألمانية للتنمية والتحالف العالمي للشمول المالي.
تابع : إضافة إلى ما سبق، يقدم الصندوق خدمات التدريب وبناء القدرات من خلال معهد متخصص، حيث تستحوذ أنشطة بناء القدرات المتعلقة بتعزيز الشمول المالي ودعم البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على اهتمام ملحوظ في نشاط التدريب للصندوق ، كما لا يخفى نشاط الصندوق في مجال التقنيات المالية الحديثة، حيث يعمل الصندوق على دعم جهود دوله الأعضاء على صعيد التحول المالي الرقمي، سواءً في إطار مبادرة الشمول المالي أو في إطار أنشطة مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة ، وهي أنشطة تخدم بصورة كبيرة تقدم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف أنه في نفس الإطار، عمل الصندوق من خلال مجموعة التقنيات المالية الحديثة على إصدار مجموعة من الأدلة والمبادئ الإرشادية، شملت مواضيع الهوية الرقمية وقواعد اعرف عميلك الالكترونية في الدول العربية، والسلامة الإلكترونية للبنية التحتية المالية في الدول العربية، وبناء إستراتيجيات وطنية للتقنيات المالية الحديثة، وإرشادات التمويل البديل للدول العربية، والعمليات المصرفية المفتوحة. كما أطلق الصندوق دليلاً تنظيمياً حول التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية. وهي جوانب لا شك أنها تهم برامج وصناديق الضمان.