“النقد العربي”: اتباع البنوك المركزية بالمنطقة سياسات إحترازية تحفظية خفف من حدة التطورات الاقتصادية الراهنة

هوامش رأس المال والسيولة لدى القطاع المصرفي العربي ساهمت في استيعاب تداعيات أزمة فيروس كورونا

تطبيق متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 لعبا دوراً بارزاً في تعزيز متانة القطاع المصرفي

 

أطلق صندوق النقد العربي، بالتعاون مع فريق عمل الإستقرار المالي في الدول العربية، مؤشر الاستقرار المالي لعام 2022 الذي يقيس واقع الاستقرار المالي في الدول العربية خلال عام 2021.

يأتي إصدار المؤشر السنوي، الذي تم إطلاقه للمرة الأولى في عام 2020، في ضوء أهمية وجود مؤشر كمي يقيس مستوى الاستقرار المالي بموضوعية ويعمل كأداة للتوجيه والإنذار المبكر، كونه ينبّه باحتمال تعرض النظام المالي لأزمة مالية قبل وقوعها، لاتخاذ ما يلزم من سياسات وإجراءات وقائية واستباقية.

كما يُمكّن المؤشر من تقييم سلامة النظام المالي بناءً على مقاييس كمية وموضوعية، بما يساعد على ترسيخ مبدأ الشفافية والإفصاح، وإتاحة مختلف المعلومات للسوق والمتعاملين مع النظام المالي، مع توجيه الانتباه للمخاطر النظامية التي قد يتعرض لها النظام المالي ككل، إضافةً إلى مراقبة تطور بعض المتغيرات المهمة ومقارنتها عبر الزمن (من خلال رسم خارطة المخاطر).

ويعد مؤشر الاستقرار المالي أداة تكميلية لأنظمة الإنذار المبكر وإختبارات الأوضاع الضاغطة، من خلال ما يعكسه ويحدده من درجة مخاطر أو تقلبات محتملة في النظام المالي.

ويتكون هذا المؤشر من 4 مؤشرات رئيسة تشمل مؤشر القطاع المصرفي (10 مؤشرات فرعية)، ومؤشر الإقتصاد الكلي (6 مؤشرات فرعية)، ومؤشر سوق رأس المال (مؤشرين فرعيين)، ومؤشر الدورة المالية (مؤشر فرعي واحد).

وتم وضع أوزان نسبية لهذه المؤشرات في ضوء المشاورات التي تمت بين أعضاء فريق عمل الإستقرار المالي في الدول العربية.

وتجدر الإشارة إلى أن قيمة المؤشر تتراوح بين صفر وواحد ، وكلما إقتربت القيمة من واحد (100%) كلما ارتفعت درجة الإستقرار المالي، علماً أن مؤشر الإستقرار المالي وفقاً للتجارب الدولية شديد الحساسية.

وبحسب الصندوق ، ارتفع مؤشر الاستقرار المالي في نهاية عام 2021 ليصل إلى 0.526 نقطة مقابل 0.487 نقطة في نهاية عام 2020، بسبب تحسن المؤشرات المالية والإقتصادية نتيجةً للجهود التي بذلتها الدول العربية للحد من تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي إنعكس بشكل إيجابي على الاستقرار المالي.

تجدر الإشارة إلى أن المؤشر شهد نسقاً تصاعدياً حيث بلغ حوالي 0.564 نقطة في نهاية عام 2019، مقابل 0.321 نقطة في نهاية عام 2015.

وبالرغم من تداعيات جائحة كورونا وإنعكاساتها على اقتصادات الدول العربية، إلا أن المؤشر سجل تحسناً عن عام 2021 مقارنةً بعام 2020 ، إذ بلغ مقدار الإرتفاع 0.039 نقطة، علماً أن قيمة المؤشر في عام 2021 حققت مستوى أعلى من متوسط قيمة المؤشر للسنوات الخمس قبل جائحة كورونا (2015-2019) الذي بلغ حوالي 0.473 نقطة كمتوسط عن تلك الفترة.

أما بالنسبة للمؤشرات الفرعية، فقد ارتفعت جميعها عن عام 2021 باستثناء مؤشر سوق رأس المال، وذلك بسبب تراجع مؤشر القيمة السوقية إلى الناتج المحلي الإجمالي كأمر طبيعي ومتوقع بفعل تعافي الاقتصاد (مقام النسبة في المؤشر) ، ووصل مؤشر سوق رأس المال 0.102 نقطة عن عام 2021 مقابل 0.150 نقطة عن عام 2020، علماً أنه كان قد بلغ 0.071 نقطة عن عام 2019.

وفيما يخص مؤشر القطاع المصرفي (المكون الأكبر لمؤشر الإستقرار المالي في الدول العربية)، فقد سجل إرتفاعاً ملحوظاً في عام 2021، حيث بلغ 0.293 نقطة مقابل 0.214 نقطة في عام 2020، ذلك بفعل تحسن مؤشرات السلامة المالية، خصوصاً مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة والربحية والكفاءة التشغيلية.

ويعكس تحسن مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة، مرونة ومتانة وقدرة القطاع المصرفي على استيعاب الصدمات.

ويذكر في هذا الصدد، أن أهم التعديلات ضمن معيار بازل Ⅲ تتمثل في تعزيز وتحسين نوعية وكمية رأس المال لدى البنوك من خلال إحتفاظ البنوك برأس مال ذا جودة ونوعية عالية، يمتاز بقدرة مرتفعة على مواجهة المخاطر وإستيعاب الخسائر، إضافةً إلى أن وضع متطلبات كمية للسيولة تعزز من قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها في الأجلين القصير والطويل باستخدام أصول سائلة عالية الجودة.

وفيما يخص كفاية رأس المال، فقد إتبعت المصارف المركزية العربية نهجاً تحفظياً بخصوص متطلبات بازل III المتعلقة بكفاية رأس المال، ذلك من خلال إصدار تعليمات ومتطلبات رقابية تتضمن إلزام البنوك التجارية بالإحتفاظ بنسب أعلى من تلك المقررة في متطلبات بازل III، إضافةً إلى وضع قيود على توزيع الأرباح في القطاع المصرفي بنهاية عام 2020 عززت قاعدة رأسمال البنوك ودعمت متانتها وقدرتها على مواجهة المخاطر.

ويعزى من جهة أخرى، تحسن مؤشرات السيولة لدى القطاع المصرفي في الدول العربية إلى عدة جوانب، منها قيام المصارف المركزية بضخ سيولة إضافية في القطاع المصرفي من خلال تخفيض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وتعزيز تطبيق معياري نسبة تغطية السيولة وصافي التمويل المستقر، إضافةً لقيام بعض المصارف المركزية بتخفيض أو تحرير بعض هوامش رأس المال، وعدم رغبة البنوك بالمخاطرة، وغيرها.

وبصورة عامة وعلى الرغم من المخاطر والتحديات التي فرضتها أزمة فيروس كورونا المستجد والتحديات والمخاطر الأخرى، إلا أن نتائج تحليل مؤشر القطاع المصرفي بيّنت وجود توجه عام في الدول العربية نحو تبني سياسات إحترازية متحفظة أسهمت في تعزيز الإستقرار المالي.

في السياق نفسه، ساهم تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 في تخفيف تأثر القطاع المصرفي بمخاطر الإئتمان، حيث بناءً على تطبيق هذا المعيار، تقوم البنوك ببناء المخصصات بشكل يأخذ في الإعتبار الجانب التنبؤي لتعثر عملاء البنوك.

وبالتالي، فإن تطبيق المعيار المذكور أدى إلى تعزيز متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة، فالمخصصات الإضافية التي قد تنتج عن تطبيق المعيار (خاصة في بداية التطبيق) تزيد من قدرة البنوك على مواجهة المخاطر وتمثل حماية إضافية لرأس المال، حيث يعزز هذا المعيار من تحوط البنوك للمخاطر من خلال بناء مخصصات تأخذ بالإعتبار البعد التنبؤي للخسائر (بما يشمل البعد الإقتصادي) من اليوم الأول لمنح الإئتمان، وهذا بدوره يمثل هامش تحوط إضافي يقلل العبء على رأس المال ويعزز من ملاءة البنوك.

في نفس الإطار، تحسنت مؤشرات الربحية والكفاءة التشغيلية لدى القطاع المصرفي في الدول العربية، الأمر الذي يُشير إلى فعالية إدارة المخاطر وكفاءة توظيف موجودات البنوك وتمتعها بقدرة تشغيلية على توفير الأرباح اعتماداً على أعمالها الرئيسة.

وعلى صعيد آخر، أظهرت نتائج تحليل المؤشر تحسن طفيف في مؤشر الإقتصاد الكلي في الدول العربية، حيث إرتفعت قيمته لتبلغ 0.116 نقطة في نهاية عام 2021، مقابل 0.115 نقطة في نهاية عام 2020، بسبب تحسن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ونسبة الإحتياطيات الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ومن جانبه قال الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، إن هذا المؤشر يوفر أداة إستباقية للمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، لتعزيز الإستقرار المالي وتقييم المخاطر النظامية في القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص، ويعزز من دور القطاع المالي في تحقيق التنمية المستدامة.

وأكد على أهمية إستمرار تواصل الجهود لتطوير المؤشر ليُواكب المستجدات والتطورات المتعلقة بقضايا الاستقرار المالي، ويقدم صورة واضحة عن وضعية الاستقرار المالي في الدول العربية، والمحددات والتحديات التي تواجهها في سياق جهود السلطات الإشرافية لتحقيق الإستقرار المالي، بما يساهم في دعم إتخاذ القرارات الإحترازية التي تسهم في سلامة ومنعة القطاع المالي والمصرفي العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى