طارق متولي يكتب .. العقود الآجلة ليست شيطانا
هل العقود الآجلة والمشتقات خطر لا يجب الاقتراب منه أم مفترى عليها؟!
تناولنا في المقال السابق دور المشتقات المالية في دعم سوق الصرف المصرية ، وأكدنا أنه حتى تنجح تلك المشتقات وتؤتي ثمارها يجب أن يتبعها ، أو بالتوازي معها ، العمل على خلق سوق صرف منتظم ومرن ويوجد به سيولة كافية.
ونستكمل في هذا المقال الحديث عن تلك المشتقات والعقود الآجلة وما يثار حولها من لغط وقلق في نفس الوقت.
إن العقود الآجلة والمشتقات بها الكثير من المزايا إن أحسن استخدامها في الغرض المطلوب ، مثلها مثل الكثير من الأدوات المالية أو غير المالية.
وبمعنى آخر إن أحسن التعامل بهذه العقود أو المشتقات بغرض التحوط ضد المخاطر ، وتجنب الممارسات الخاطئة والمضاربات الضارة بالسوق والاقتصاد ، مع عدم المبالغة في استخدامها ، فإن المردود منها يكون كبيرا ومفيدا للغاية ، خاصة في ظل الظروف الحالية.
وللأسف فإن مقولة أن المشتقات والعقود الآجلة خطر كبير لا يجب الإقتراب منه هي مقولة خاطئة ، تم ترسيخها على مدار عقود طويلة ساهمت في عدم الاقتراب من هذه الأدوات.
إن المشتقات المالية والعقود الآجلة يمكن استخدامها في التحوط ، وبقواعد محددة ورقابة فاعلة ومعرفة جيدة بهذه الآلية لكافة المتعاملين بشفافية ووضوح كامل لا لبث فيه ، مع منع الممارسات الضارة والمضاربات ، وحسن اختيار الأدوات والمنتجات التي تناسب ظروفنا وأوضاعنا الاقتصادية والمجتمعية ، حينها تكون الاستفادة من هذه الأدوات كبيرة وعظيمة ومفيدة للنشاط الاقتصادي والسوق بصفة عامة.
وهنا لا بد أن نوضح أولا طريقة عمل العقود الآجلة “FWD” كمدخل أساسي لفهم طبيعة عمل الـ “NFD” وذلك في ضوء ما يلي:
– العقود الآجلة الخاصة بسعر الصرف : هي عقود للشراء الآن والدفع مستقبلا للعملة المراد شراؤها بسعر محدد وفي تاريخ معين ، وهي عادة ما تكون في حدود 12-24 شهرا.
وبمعنى آخر هو عقد بين طرفين لتبادل العملات مستقبلا أحدهما مشتري يريد شراء عملة الدولار مثلا مقابل الجنيه المصري في تاريخ مستقبلي ، والطرف الآخر بائع في نفس الوقت.
وكمثال توضيحي ، لو افترضنا سعر صرف للدولار 20 جنيها في 1 نوفمبر 2022 ، وبفرض أن العميل يريد شراء 100 ألف دولار من البنك بتاريخ 1 نوفمبر 2023 فإن التسعير يتم وفقا لما يلي.
– تحديد سعر الصرف الحالي في 1 نوفمبر 2022 بسعر 20 جنيها للدولار.
– احتساب فرق سعر الفائدة بين الدولار والجنيه المصري خلال مدة العقد من 1 نوفمبر 2022 إلى 1 نوفمبر 2023 ، فإذا كان سعر فائدة الدولار لمدة عام مثلا 3% وسعر فائدة الجنيه لمدة عام 11% فإن الفارق يبلغ 8%.
بناءا على ما سبق يتم تحديد سعر تبادل العملات “الدولار والجنيه” بعد عام بسعر 20 في 108% تساوي 21.6 جنيه للدولار.
-في التاريخ المحدد وهو 1 نوفمبر 2023 يتم تبادل العملات بين المشتري والبائع لمبلغ 100 ألف دولار بسعر 21.60 جنيه ويتم إقفال العقد الآجل.
أما آلية عمل الـ ” NFD ” فهي نفس آلية عمل العقود الآجلة ولكن لا يتم فيها تبادل الكاش وهو الدولار مقابل الجنيه المصري ، ويتم فقط تبادل المكسب أو الخسارة ولهذا تسمى “Non deliveerble ” ، وبتطبيق ذلك على المثال السابق فإنه في تاريخ 1 نوفمبر 2023 يتم فقط ما يلي:
– إذا كان سعر الدولار بالسوق 22.60 جنيه للدولار في حين أن السعر المتفق عليه في نفس التاريخ هو 21.60 جنيه يصبح الفارق هنا 1 جنيه مصري لكل دولار، وبناءا عليه فإن فارق الـ 100 ألف دولار يصبح 100 ألف جنيه يدفعها البنك للمشتري كتعويض عن سعر السوق حتى لا يتضرر المشتري ، ويتم إقفال المعاملة بدفع الفارق فقط ، دون أي تبادل للدولار مقابل الجنيه المصري.
– وإذا كان سعر الدولار بالسوق 21.10 جنيه في حين أن السعر المتفق عليه في نفس التاريخ هو 21.60 جنيه يصبح الفارق هنا أقل بمقدار 50 قرشا لكل دولار ، وبالتالي يصبح فارق الـ 100 ألف دولار 50 ألف جنيه يدفعها العميل للبنك ، ويتم إقفال المعاملة بدفع الفارق فقط ودون أي تبادل للدولار مقابل الجنيه.
العقود الآجلة وفائدتها للسوق : لتوضيح ذلك فإن العميل الذي لديه التزام بدفع مبلغ معين وليكن 100 ألف دولار بعد عام ، فإن المتاح لديه الآن ، بدون العقود الآجلة ، احتمالان فقط وهما:
– الاحتمال الأول هو شراء الدولار الآن قبل الاستحقاق بعام ، وبسعر السوق الحالي والاحتفاظ بالدولار حتى تاريخ الاستحقاق ، وهنا يخسر العميل تكلفة الاستغناء عن السيولة بالعملة المحلية وإمكانية تدويرها بالسوق ، وتأثير ذلك على التدفقات النقدية للعميل والمشروع ، وكذلك الاحتفاظ بعملة الدولار ، والتي ليس لديها استعمال حاليا ، بالإضافة إلى الضغط على موارد سوق الصرف بالتزامات يمكن تأجيلها ، في مقابل الحصول على الدولار المطلوب والحد من تقلبات سعر الصرف.
– الاحتمال الثاني هو الانتظار حتى تاريخ الاستحقاق وشراء الدولار من السوق ، وهنا أيضا يتعرض العميل لمخاطر تقلب الأسعار وارتفاعها ، مما سيكون له تأثير على التسعير النهائي للمنتج والمنافسة ، بجانب خطر استمرار المشروع نفسه.
والحل هنا لتجنب الآثار السيئة السابقة يكمن في العقود الآجلة والتي تتيح للعميل ما يلي:
– الاحتفاظ بالعملة المحلية حتى موعد الاستحقاق ، وبالتالي إمكانية استخدامها وتدويرها في نشاط العميل وإدرة أفضل لتدفقاته النقدية “Cash Fllow”.
– التحوط ضد تقلبات سعر الصرف خلال فترة العام ، من خلال تحديد سعر الدولار ، وتحديد تكلفته دون أية مضاربات ، وبالتالي القدرة على التسعير الجيد والمنافسة بصورة أفضل.
– المساهمة فى القضاء على الشائعات والسوق الموازية والتسعير العشوائي ، وكذلك تجنب الضغط على موارد سوق الصرف بالتزامات مستقبلية.
يتضح مما سبق أنه يتم استخدم تلك العقود والمشتقات كأدوات للتحوط ضد تقلبات سعر الصرف مستقبلا ، وهي عقود ملزمة قانونيا ويجب الوفاء بها عند الاستحقاق من الطرفين ، وهي ، كما ذكرت في المقال السابق ، تساعد في زيادة الاستثمار ، ودعم المستوردين ، والقضاء على السوق العشوائي ، والتسعير المبالغ فيه ، والمضاربات الضارة بالسوق والاقتصاد.
طارق متولي
نائب رئيس بنك بلوم مصر سابقا