محمد عبد العال يكتب.. هل هناك أزمة مالية عالمية تلوح في الأفق؟
إغلاق 3 بنوك أمريكية في أسبوع واحد هو أمر جلل بكل مقاييس تقدير المخاطر
لا أعتقد رغم الضبابية وحالة القلق والعصبية التي تسود الأوساط والأسواق العالمية الآن.
في تصورى يبدو أن الوضع كان سينفجر بشكل أكبر ، فإغلاق 3 بنوك أمريكية في أسبوع واحد هو أمر جلل بكل مقاييس تقدير المخاطر ، وضد إرادة كبريات شركات التصنيف والتقيم الائتماني العالمية المعروفة ، والتي فشلت في إلقاء أي ضوء أحمر أو حتى أصفر يُنذر بأي قدر من الأعراض التي أودت بمسيرة ثلاثة بنوك أمريكية حتى الآن!!.
لقد جاء إغلاق 3 بنوك في آن واحد ليعكس ضحالة كل ماتعلمته المصارف الأمريكية والعالمية من دروس وعبر من المفترض أن تكون قد اكتسبتها من تجربة أزمة 2008 ، وما ارتبط بها من ردود أفعال وعلى رأسها انهيار بنك “ليمان براذرز” في سبتمبر من ذات العام .
واضح أن فلسفة إدارة الأزمة من قبل الإدارة الأمريكيةً ، وعلى عكس العقيدة الرأسمالية ، تبدوا مصممة على “لملمة” الأمور وعدم تشعبها لتتحول إلى أزمة مالية أمريكية يمكن أن تتحول تدريجيا وبسرعة إلى أزمة عالمية كما حدث في 2008 ، حينما بدأت الأزمة أمريكية عقارية وانتهت مالية عالمية.
إن التدخل الصارم من الإدارة الأمريكية للحيلولة دون تصاعد الأزمة قد يكون له أبعاده السياسية الداخلية والخارجية ، حيث أن أي تدهور في القطاع المصرفي الأمريكي سوف يترك حتماً تداعيات سلبية على المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الأمريكي ، في الأجل القصير والمتوسط ، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية ، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره ضربة قاسية لمركز جو بايدن السياسى ويقلل من درجة شعبيته وتنافسيته الانتخابية المرتقبة.
وعلى الجانب الخارجي ، يمكن اعتبار أي انهيار في النظام المصرفي الأمريكي من علامات النصر في صالح روسيا في معركتها الاقتصادية مع الغرب ، خاصة وأن المعركة الأوكرانية الروسية مازالت قائمة والكل يُجيش الجيوش لمعارك الربيع القادمة.
وظهرت عوامل محاصرة الأزمة في مهدها منذ بداية الأزمة بتصريحات رئيس الولايات المتحدة ذاته وتصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية المطمئنة ، والتي خففت إلى حد كبير من حالة القلق التي سادت العالم.
كما صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن مرة أخرى أن المودعين آمنين وألغى الحد الأقصى للسحب.
أيضاً كان على الجانب الآخر من الأطلنطى بنك HSBCالذي استحوذ على أصول بنك وادى السيلكون في بريطانيا ، وهو الذي حال من اتساع نطاق الضرر في قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة المرتبطة بهذا البنك .
والسؤال .. هل هناك مجال لحالات إفلاس لبنوك أخرى أمريكية؟
لم تتأثر بنوك أمريكية كبيرة أو صغيرة جديدة أخرى حتى الآن ، ولكننا مازلنا في بداية الأزمة ، صحيح الإدارة الأمريكية كما ذكرت سالفا ستقاوم بقدر المستطاع ظهور ضغوط جديدة يمكن أن تمتد وتتضخم ، ولكن الأرقام والمؤشرات تحتاج إلى بعض الوقت ، و في الغالب فإن أجهزة الرقابة المتخصصة في البنك المركزى الفيدرلي تقوم الآن باستقصاء وتطلب من البنوك تحديث تقاريرها عن مراكزها ، والافصاح عن أية تجاوزات في حالات انكشاف على جانبى الأصول والخصوم .
إن الأيام القليلة القادمة سوف تكشف للمراقبين في كل أنحاء العالم عن مدى حدة الأزمة ، وهل هناك بركان خامد يستعد للانفجار ، كما أن أسواق العالم كله بدأت تظهر عليها علامات القلق من الحدث وهناك موجات من مبيعات الأسهم وعلى الأخص بعض أسهم البنوك.
وأعتقد أن الأيام القادمة سوف تحسم موقف بعض البنوك الصغيرة التي يمكن أن يظهر لديها تجاوزات في مخاطر السيولة أو مخاطر التركز ومخاطر تقلبات أسعار الفائدة ، وهنا قد نرى بعض حالات التعثر في تلك البنوك . ربما تصل إلى حد الإفلاس وفقا لما سوف تسفر عنه حجم حالات الإنكشاف لديها ورؤية السلطه النقدية لها.
ولكن ما هى الدروس والعبر؟
لابد من تطبيق محددات إدارة المخاطر المصرفية ، والالتزام التام بمحددات ونسب قبول المخاطر التي تضعها البنوك المركزية ومجالس إدارات البنوك ، كما يجب على أجهزة الرقابة لدى البنوك المركزية التشدد التام في متابعة ومراقبة أي تجاوز في محددات المخاطر وإلزام البنوك بعمل اختبارات الضغط بسيناريوهات مختلفة للمخاطر والأزمات وقياس قدرة كل مصرف على تحمل تلك الضغوط ، كما أتصور أن المرحلة القادمة ستشهد العديد من حالات الاستحواذ والاندماج بين المصارف لخلق كيانات ومؤسسات أقوى وأكبر تكون قادرة على مواجهة الأزمات .
وسيبرز في المرحلة القادمة أهمية وقيمة ودور المؤسسات الحكومية التي تقوم بالتأمين وضمان الودائع للعملاء والقروض للبنوك.
الأهم من كل ذلك هو التحقيق ومتابعة ومساءلة المسؤلين في تلك البنوك الذين أثبتوا بإهمالهم في إدارة مخاطرهم المصرفية أنهم ليسوا على قدر المسئولية ولا على قدر ما يحصلون عليه من مرتبات وامتيازات .
محمد عبد العال
خبير مصرفي