البنك المركزي المصري يبحث غدا مصير فائدة الجنيه للمرة الأخيرة في 2023
الغموض يسيطر على توقعات السوق بشأن القرار المرتقب وإن كان يميل تجاه التثبيت بشكل أكبر
تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري غدا ، الخميس ، اجتماعها الأخير في العام الجاري ، لبحث مصير أسعار العائد الأساسية لدى المركزي ، والتي تعد المؤشر الاهم لاتجاه فائدة الجنيه في الأجل القصير.
وكانت البنوك المركزية العالمية الكبرى ، وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي ، قد ثبتت أسعار الفائدة لديها مجددا في آخر اجتماعاتها خلال 2023 ، فيما تترقب الأسواق قرار البنك المركزي المصري ، وسط غموض شديد حول هذا القرار هذه المرة تحديدا ، في ظل استمرار تباطؤ معدل التضخم من جانب ، وتلميح صندوق النقد الدولي بضرورة انتهاج مصر سياسة نقدية متشددة لاحتواء التضخم والوصول به للمعدلات المستهدفة.
ويستهدف البنك المركزي المصري الوصول بالتضخم إلى 7% ± 2% في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024 ، و5% ± 2% في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وكانت لجنة السياسة النقدية قد قررت في 2 نوفمبر 2023 تثبيت أسعار العائد الأساسية لدى المركزي للمرة الثانية على التوالي ، لتستقر عند 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض و19.75% لسعري الائتمان والخصم والعملية الرئيسية للبنك المركزي ، بعد رفعها 300 نقطة أساس منذ بداية العام الجاري و800 نقطة أساس خلال عام 2022.
وقالت اللجنة عقب اجتماعها في 2 نوفمبر الماضي أن مسار أسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة، مشيرة إلى استمرارها في متابعة التطورات الاقتصادية وكذا المخاطر المحيطة بتوقعات التضخم.
أكدت أنها لن تتردد في استخدام جميع أدوات السياسة النقدية المتاحة للحفاظ على الأوضاع النقدية التقييدية ، بهدف تحقيق معدلات التضخم المستهدفة ، كما أنها ستواصل تقييم أثر السياسة النقدية التقييدية التي تم اتخاذها وتأثيرها على الاقتصاد ، وفقاً للبيانات الواردة خلال الفترة القادمة.
وكشف البنك المركزي مؤخرا عن تراجع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 35.9% في نوفمبر 2023 مقابل 38.1% في أكتوبر ، فيما سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين معدلاً شهرياً بلغ 1.0% في نوفمبر ، مقابل 1.8% في أكتوبر.
وبحسب محمد عبد العال الخبير المصرفي المعروف ، فإن هناك تباين شديد في التكهنات والتوقعات حول مسار أسعار الفائدة ، خاصة مع تثبيت “الفيدرالي الأمريكي” الفائدة على الدولار ، ثم ظهور عامل جديد على الساحة مشتق من التوترات الجيوسياسية الأمنية في البحر الأحمر ، والتي ربما يكون لها تأثير سلبي على نمو معدلات التضخم عالميا ومحليا إذا ما تفاقمت الأمور ، على الجانب الآخر نلاحظ مواصلة التضخم العام إنخفاضه خلال شهر نوفمبر الماضي ، متخذا منحنى هبوطيا للشهر الثاني على التوالي ، وأيضاً الانخفاض التدريجي المستمر لمعدل التضخم الأساسي ، الأمر الذي عمق وعدد من علامات الاستفهام المتعارضة عن إحتمالات رفع الفائدة أو تثبيتها في اجتماع لجنة السياسة النقدية غدا الخميس ، وهو الاجتماع الأخير فى سلسلة اجتماعات هذا العام.
تابع عبد العال : ” في تصورى أن معدل التضخم المصري “العنيد” قد فقد ، على الأقل ولو مؤقتا ، بعضاً من حدة عناده وبدأ في التفاعل مع تغيرات سعر الفائدة ، وهذا لا يتعارض مع تأكيدنا أن سعر الصرف في ظروفنا الحالية مازال هو صاحب التأثير المباشر والمتبادل على معدلات التضخم ، وأن معالجة أسباب الضغوط الحالية على سعر الصرف ووقف استمرار وتكرار تخفيض الجنيه المصري مقابل الدولار هو أحد أهم المفاتيح لاحتواء معدلاته المرتفعة الحالية”.
أكد أنه لكي تنجح أداة رفع الفائدة محلياً في احتواء التضخم لابد من السعي أولا لتحقيق استقرار سعر الصرف ، حيث أن التركيز على سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هى عليه الآن قد لا يجدى نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي في شقيه النقدي والمالي.
“في تصوري فإن لجنة السياسة النقدية في اجتماعها غدا قد ترى أن تثبيت الفائدة هو أفضل الحلول في المرحلة الحالية” ، بحسب عبد العال
أرجع الخبير المصرفي البارز توقعاته تلك لعدة أسباب أهمها أن الاستمرار في رفع الفائدة قد لا يحقق أية مصالح للإقتصاد القومي ولا للبنوك ولا للأفراد ، ولا يساعد السياسة النقدية فى استهداف التضخم ، لأن رفع الفائدة يعني أن ترفع البنوك فائدة التمويل أو الإقراض للمنتجين ، مما يدفعهم لترحيل تكلفة الرفع إلى المستهلك ، وهو ما يعني ارتفاع الأسعار وتولد مزيد من الضغوط التضخمية ، ويزداد فرق الفائدة السلبي ، وينخفض الدخل الحقيقي للمستهلكين ، ويكون من نتيجة ذلك مباشرة تراجع نسبي في الاستثمار المباشر الأجنبي والمحلي ، حيث ترتفع تكلفة التمويل عن العائد المتوقع ، وهو ما يؤدى إلى انكماش الإنتاج والاستثمار وينخفض معدل النمو الاقتصادي وينخفض معدل التشغيل.
أضاف أن رفع الفائدة سوف يؤدى أيضا ، إذا ما حدث ، إلى ارتفاع أسعار أذون الخزانة بأكثر مما هي عليه ، وبالتالى يزداد عبء خدمة الدين المحلي وعجز الموازنة ، حيث أن ان كل رفع 1% في الفائدة يعني زيادة عجز الموازنة بنحو 30 مليار جنيه ، ترتفع وفقا لارتفاع التكلفة.
أشار عبد العال إلى أن آلية رفع سعر الفائدة قد فقدت تأثيرها على احتواء معدل التضخم المصري العنيد ، فقد تم تخفيض الفائدة بمجموع 11% على 6 مرات منها 3% في اجتماعي مارس وأغسطس 2023، و8% في 2022، لتصل إلى مستوى 19.25% للإيداع، و20.25% للإقراض ، ورغم ذلك مازال معدل التضخم مرتفعاً وبعيدا عن مستهدفاته الموضوعة.
أكد أن رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن ، وبشكل عام على المستوى الرسمي ، قد يؤدي إلى التأثير السلبي على قاعدة عملاء المصارف من شريحة المستفيدين من القروض الشخصية أو الاستهلاكية ، أو منتجات خدمات التجزئة ، بكل أنواعها ، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الإقراض أو بسبب انخفاض نسبة الإقراض إلى الدخل ، كما أن إرتفاع تكلفة التمويل سوف يترتب علية تضرر كل أنشطة التمويل المتوسط والأصغر ، وقد يرفع من معدلات التعثر.
“في تصورى أن التوجه الاستراتيجي الآن يتعين أن يتركز في منح أولوية تفضيلية لحوافز جذب تدفقات وودائع النقد الأجنبي ومنح أسعار فائدة فائقة التميز لشهادات وودائع الدولار ، قد تصل لأسعار فائدة غير قابلة للمنافسة في شكل شهادات دولارية لمدة عام واحد وبحد أدنى 10 آلاف دولار للشهادة”، بحسب عبد العال.
ومن جانبها توقعت إدارة البحوث بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار أن تثبت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري سعر الفائدة في اجتماعها المقرر عقده غدا الخميس ، وذلك في ضوء الوضع الراهن لمصر، حيث توقعت.
وقالت هبة منير، محلل الاقتصاد الكلي بالشركة : “بناء علي تراجع معدلات التضخم في مصر خلال الشهرين السابقين علي التوالي، قمنا بخفض توقعاتنا لمعدلات التضخم، حيث نتوقع ارتفاع التضخم للحضر بنسبة 1.9% على أساس شهري و 34.4% على أساس سنوي في ديسمبر، الأمر الذي يعكس نقص المعروض في السلع الأساسية وغيرها المتأثرة بخفض الواردات، بالإضافة إلى تصدير بعض المحاصيل الزراعية وانخفاض السيولة الدولارية”.
“نتوقع أن تبقي لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري علي أسعار افائدة دون تغيير في اجتماعها المقرر الخميس المقبل ، وذلك بسبب تراجع معدلات التضخم ، والذي يعد مدفوعا بقوي العرض أكثر من الطلب، ومع ابقاء الفيدرالي الأمريكي علي أسعار الفائدة دون تغيير، وأيضا تحسن مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان لمصر، إلا أننا لا نستبعد إمكانية رفع سعر الفائدة في حالة حدوث حركة في سعر الصرف ؛غير أننا لا نرجح أن يحدث ذلك في اجتماع اللجنة المقبل” ، بحسب منير.
وبحسب استطلاع أجرته وكالة رويترز ، فإنه من المرجح أن يترك البنك المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر غدا الخميس، وذلك على الرغم من توقعات بإجراء إصلاحات اقتصادية في الأسابيع التالية لإعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وكان متوسط التوقعات في استطلاع شمل 14 محللا هو أن يبقي البنك المركزي سعر الفائدة على الودائع ثابتا عند 19.25% وسعر الإقراض عند 20.25% عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية ، وتوقع 6 محللين زيادة تتراوح بين 100 و300 نقطة أساس.
وقال سايمون ويليامز من بنك إتش إس بي سي “لا أرى الكثير من المكاسب من رفع أسعار الفائدة في هذه المرحلة ، التضخم ينخفض بالفعل، كما تشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي الضعيفة ومؤشر مديري المشتريات إلى أنه لا توجد حاجة لرفع أسعار الفائدة للحد من الطلب”.
أضاف “أرى حاجة لتشديد السياسة ، ولكن فقط بالترادف مع تعديل أسعار الصرف ، والدعم الجديد من صندوق النقد الدولي وأمور أخرى”.